الإصغاء يعني الاستماع الجيد والفعَّال لكل كلمة ينطقها طفلك، وهو أحد أهم أركان عملية التربية التي تقوِّي العلاقة بين الآباء والأبناء.
تخيلوا معي هذا المشهد. الأب يجلس أمام شاشة التلفزيون يتابع أحد أفلام الأكشن، أو مباراة كرة قدم، يدخل عليه طفله الصغير ذو السنوات الست، ليشكو إليه اعتداء أحد أصدقائه، ولكن الأب لا يلتفت إليه، وكل تركيزه وانتباهه مع المشهد الدرامي الذي يشاهده.
يحاول الطفل جاهدًا أن يوصل لأبيه ما حدث بينه وبين زميله، ويحاول الأب الذي يجلس بقلبه وعقله وجسده مع الفيلم، ورغم محاولات الطفل المتواصلة لشد وجذب الأب للالتفات إليه ومعرفة تفاصيل ما حدث، تبوء المحاولات بالفشل، فيخرج الطفل المسكين ويترك أباه أمام الفيلم ليشاهده، ويذهب هو بحسرته.
اقرأ أيضًا: كيف تتقبل مشاعر طفلك؟ (1)
نصف الإصغاء لا يفيد
ما يمكن أن نستفيده هنا أن نصف الإصغاء لا يفيد، بمعنى أنه لا يفيد أن نحاول إيصال ما تريد إلى شخص لا يصغي إليك تمامًا بمشاعره وأحاسيسه وجوارحه، يربت على كتفك، وأنت تشكو له ويعبر عن تعاطفه معك، بتعبيرات وجهه، ونظرة عينه، ونبرة كلامه.
فعندما يتحدث إليك طفلك، يجب عليك أن تكون حاضرًا بكل جوارحك، وأن تترك كل ما بيدك جانبًا، لكي تكون بجسدك وانتباهك مع طفلك، عندها فقط، يشعر كم هي مكانته لديك.
في المقابل، أب آخر عندما يأتي إليه طفله ليشكو إليه أمرًا ما، يترك مشاهدة التلفزيون أو أي شيء آخر بيده، وينزل على ركبتيه ليكون في مستوى نظر طفله الصغير، ويستمع إليه بإنصات شديد، عندها يشعر الطفل بأهميته ومكانته لدى والديه، فيخرج مستريحًا بعد ما فضفض عما بداخله، وأبدى له تضامنه ودعمه له.
لذلك يسهل كثيرًا أن يحكي الطفل اضطرابه أو مشكلته لوالديه عندما يعطونه آذانًا صاغية، حتى وإن لم يترتب عليهم الإجابة، يكفي فقط أنهم استمعوا له بإنصات وأبدوا تعاطفهم معه، فهذا كل ما يحتاجه.
أحيانًا نحن الكبار، نكون بحاجة إلى من يستمع إلينا فقط، دون أن يبدي رأيه أو يقدم نصيحة، يكفي فقط أن يصغي إلينا باهتمام، وقتها نشعر براحة كبيرة ونعود بصدر منشرح.
اقرأ أيضًا: الطفل الأناني.. حلول عملية للتخلص من هذا السلوك
لماذا يرفض الطفل اللوم والنصيحة؟
هذه الأم التي تعود ابنتها من المدرسة لكي تخبرها بأن أحدهم سرق القلم الخاص بها من حقيبتها، فيكون جواب الأم أنها أضاعته ولم يُسرق منها كما تدَّعي، ورغم محاولات الابنة بإقناع الأم أنها لم تضيِّعه، وأنه كان بحقيبتها قبل أن تنزل إلى الفسحة وتعود لتجد القلم قد سُرق.
تواصل الأم بلهجة حادة كلها اتهام بالتقصير إلى الابنة، أنها ليست المرة الأولى التي تفقد فيها أدواتها، وأنها دائمًا ما تضع أدواتها مبعثرة هنا وهناك، وترفع يدها كما لو أنها تستعد لتوجيه لطمة للطفلة على وجهها، فهي لا تصغي لنصائحها إطلاقًا.
هل نتوقع من هذه الابنة أن تأتي لاحقًا لتعرض على الأم مشكلة حدثت لها في المدرسة؟ بالطبع لا يُتوقع ذلك، فمن الصعب على الأبناء أن يفكروا بوضوح أو بشكل بنَّاء إذا كان أحد الوالدين يستجوبه أو يلومه أو ينصحه، فالطفل بحاجة لمن يبدي تعاطفه معه، عندها فقط يتعرف الطفل على أخطائه ويحاول تفاديها في المرات القادمة.
ختامًا، أهم من الكلمات التي يرد بها الأب على ابنه، هو الموقف الذي يأخذه تجاهه، فإن لم يكن عطوفًا حنونًا مظهرًا لشفقته وتضامنه معه، فلن تكون لكلماته معنى، فالعبرة دائمًا بالأفعال لا بالأقوال، والطفل يكتسب من تصرفاتنا وأفعالنا أكثر مما يكتسب من أقوالنا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.