لماذا أراد اليونانيون فتح فارس وما تأثير ذلك في عقائدهم؟

إن الأمة اليونانية القديمة مصدر نشأة الروح العلمية التي أيقظت العقول، حينما ألقت بنفسها على أسنمة الأمواج تجوب البلاد وتخترق الآفاق، ورأت ما رأته من عظم الكون.

وما زال اليونانيون يجوسون خلال الثغور والأمم البحرية للاتجار حتى مرنوا على السياحات، وصارت لهم الملاحة ملكة راسخة، وتبع هذا اتساع في نطاق مداركهم، ورُقيٌّ في طبائعهم، وإنابتهم على مختلفات القوانين، واحتكاكهم بصنوف الأمم المتخالفة في عوائدها، وعقائدها، وألوانها، ولغاتها.

كان اليونانيون، في نحو القرن الخامس قبل الميلاد، منقسمين إلى قسمين: قسم في أوروبا، وقسم في آسيا. القسم الثاني كان رازحًا تحت نير الفارسيين، لا يُحدث نفسه بالاستقلال، ولا يُمنيها بتغيير الحال.

أما القسم الأول، فكان نشوان من خمرة الحرية، وكان منقسمًا إلى ممالك لكل منها ملك خاص ونظام خاص، وكان يقع بينهم النزاع كما يقع بين الأمم المتخالفة الأجناس، كما اتحدوا على مقارعة الفارسيين في القرن الخامس قبل الميلاد حينما أراد هؤلاء أن ينشروا عليهم سلطانهم.

فيليب المقدوني

بدأ في تنفيذ مشروعه بشن الغارة على المدائن المتاخمة لبلاده، فلم يأبه به اليونانيون على الرغم من نداء خطيبهم الشهير ديموستين، ولم يدركوا الخطر المحدق إلا في سنة (338 ق.م)، فقاوموه بالقوة، فأخضعهم لصولجانه، وعين نفسه قائدًا للجيوش اليونانية، وعزم على الإغارة على الفرس، فكمن له يوناني فقتله، فخلفه ابنه الإسكندر الأكبر سنة (336 ق.م)، وعين نفسه في كورنث قائدًا، وعزم على فتح بلاد الفرس وإتمام رغائب أبيه.

فيليب المقدوني قائد الجيوش اليونانية

سبب توق اليونانيين إلى فتح بلاد فارس

كان ملك العجم في القرن الخامس شبيهًا بملك الرومان، فكانت مساحته تبلغ نصف مساحة أوروبا، ويمتد من سواحل البحر الأبيض إلى سواحل البحر الأسود، فبحر إيجه، فبحر قزوين، فبحر الهند، فالبحر الأحمر. وكان به ستة من أكبر أنهار العالم، وهي: دجلة، والفرات، والسند، والأوكسوس، وجاكسارت، والنيل. فلا جرم، كانت بلاد الفرس حديقة العالم الأرضي ونموذجًا لغاية ما يمكن الوصول إليه.

أمةٌ هذا شأنها من العظمة، وسعة السلطان، وكثرة الجند والمال، لم تكن تحسب لليونانيين حسابًا في قلة عددهم ووهن وسائلهم، فكانت من أمن جانبهم إلى درجة أنها لم تتحامَ أن تستخدمهم في جيوشها لمقارعة أعداء دولتها.

الإسكندر الأكبر وفتحه لبلاد فارس

خلفه ابنه الإسكندر، فلبث ريثما استتب له أمر الحكومة، ثم جال بخاطره ما كان يجول بخاطر والده من فتح بلاد الفرس، فسار إليها بأربعة وثلاثين ألف راجل، وأربعة آلاف فارس سنة (336 ق.م)، ودخل آسيا الصغرى، والتقى جيش الفرس، فكان النصر في جانبه في آسيا الصغرى.

الإسكندر الأكبر وفتحه لبلاد فارس

نتيجة هذا الفتح على اليونانيين وتأثير المدنية على العقائد الباطلة

نشأ لليونانيين من جرّاءِ هذا الفتح نمو سريع في ملكاتهم، وفكرة كبرى عن عظمة الكون وجلالة الوجود، وفضلًا على أنهم قوم فيهم قابلية للحركة الفكرية والرقي العقلي.

رأوا الأهرام القائمة تناجي السحائب وتسامر الكواكب، وتلك النصب المنصوبة منذ آلاف السنين تخلد ذكر ملوك قادوا الكتائب، وزانوا العروش والمواكب، ثم شارفوا بعد ذلك منصات سلاطين الآشوريين المحفوفة بالأصنام ذوات الأجنحة، وشاهدوا بقايا هيكل بعل، وهو من العلو بحيث تكنفه السحب من كل جانب.

ثم استعرضوا بلاد العجم، ورأوا من عجائب المدنية ما هو أحدث عهدًا: لحظوا أواوين بيرسوبوليس المعلقة على أعمدة محلاة بالنقوش الغريبة، وشهدوا تلك التماثيل الضخمة والأنصاب الباذخة، ومروا من هناك بأكباتان، مصيف الأكاسرة الفخام، وهي محاطة بسبعة أسوار مبنية بالأحجار المفصلة المصقولة ذات الألوان المختلفة.

فكان اليونانيون يشرفون في كل خطوة يخطونها على مشاهد لم يحلموا بوجودها، ولم تتولد في خيالهم صورتها. ولما كانوا بطبعهم أميل الأمم للنظر والتأثر بعجائب المخلوقات، فقد صادفوا في هذا الملك الواسع ما يبل غليلهم ويشفي صدورهم.

فبينما هم وسط صحراء رملية لا يتصور الوهم لها حدًا، إذا بهم بسفح جبل ينقطع شعاع البصر دون بلوغ ذروته علوًا وشموخًا.

فماذا كان من نتيجة ذلك على عقائدهم؟ كان ولا شك الحكم البات على بطلان أساطيرهم، والجزم بأنها من مخترعات كهانهم. وأصبح الشك الذي كان اعتراهم خلال رحلاتهم، حكمًا جازمًا وعقيدة راسخة، وقد أثرت عليهم هذه المشاهد تأثيرًا أنام عاطفة الدين في نفوسهم مرة واحدة

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.