إذا جاز لنا تشبيه حالة أطفال طيف التوحد، فهي أشبه بمعركة يخوضها ليس فقط الشخص المصاب به، وإنما أيضًا عائلته وأسرته الصغيرة التي تتحمل تبعات هذه الإصابة، وما يترتب عليها من مشاق كبيرة تستنزف طاقتهم وجهدهم، وأيضًا أموالهم.
نتيجة هذه المعركة إما أن ينجح التوحد في السيطرة على الشخص المصاب به والتمكن منه.
وإما أن تنجح الأسرة بمساعدة اختصاصي مجتهد في الانتقال بالطفل خطوة إلى الأمام بعيدًا عن التوحد، لاستكمال باقي الخطوات التي من شأنها أن تجعله أقرب ما يكون للشخص الطبيعي، ويتمكن من ممارسة حياته بطريقة عادية.
قد يعجبك أيضًا كم ساعة تدريب يحتاج إليها طفل التوحد يوميًّا؟
صعوبة المعركة مع التوحد
توجد مجموعة من الأشياء التي يجب على الأمهات أن تستحضرها في التعامل مع طفل طيف التوحد، ونقطة البداية هي أن تدرك الأم حجم المشكلة التي وقع فيها طفلها، تعرف ما التوحد، ما خصائصه وسماته، وكيف تأخذ بيد طفلها للتخلص منه؟
هنا تحديدًا تعتقد معظم أمهات أطفال طيف التوحد أن المشكلة بسيطة، وأن العلامات التي تبدو ظاهرة على الطفل، ما هي إلا مرحلة مؤقتة سرعان ما تختفي بدخول الروضة أو الحضانة والتعامل مع أقرانه، غير أن هذه النظرة قاصرة تمامًا.
والسبب أن الطفل المتوحد معجب جدًّا بحالة التوحد التي يعيشها، ولا يريد الفكاك منها؛ لذا يقاوم أي محاولة للتغيير من الاختصاصي أو الأم في البيت.
لذلك حاولي أن تراقبي طفلكِ المتوحد من بعيد أو حتى من قريب، انظري إليه، هل ترين أي علامات للإزعاج عليه من هذه الوضعية؟
بالتأكيد لا، فطفل طيف التوحد سعيد جدًّا بهذه الحالة التي تسيطر عليه، ويرغب في البقاء بداخلها، حتى إن الطفل لا يريد أن يكبر، ويفكر أن يبقى على هذه الوضعية، ومن هنا تأتي صعوبة التغيير.
والصعوبة هنا كما يقول الدكتور أحمد عبد الخالق -اختصاصي تأهيل حالات التوحد- إنكِ تقاومين رغبة طفلكِ، فلو أن رغبة الطفل هي الخروج من هذه الحالة، لكان الأمر سهلًا.
لكن المشكلة أن الطفل تستهويه هذه الحالة ويرغب في البقاء بداخلها، ويرفض التدخلات الخارجية التي تحاول إخراجه منها، فيوجد شد وجذب دومًا ما بين الأبوين والطفل لمساعدته في الخروج من هذه الحالة التي تقابَل برفض من الطفل.
قد يعجبك أيضًا هل التوحد وراثي في العائلة؟
ماذا يجب على الأمهات تجاه أطفالهن؟
كم هي شاقة تلك المسؤولية التي تتحمل فيها الأمهات الجزء الأكبر في تدريب طفلها والذهاب به إلى المراكز المتخصصة لتلقي الجلسات الفردية أسبوعيًّا، وهذا قدرها.
لذلك فدور الأم مع طفل طيف التوحد مهم للغاية، تمامًا كأهمية وجود الأم بالنسبة للأطفال العاديين، نضيف إلى ذلك، حاجة طفل طيف التوحد إلى رعاية واهتمام خاص نظرًا لظروفه.
الخطوة الأولى لأمهات التوحد هي أن تدرب طفلها على عكس ما يرغب به، بمعنى أن طفل طيف التوحد يحب الجلوس بمفرده في معزل عن أفراد الأسرة، ووسط ألعابه، إذن المطلوب من الأم في هذه الحالة أخذ الطفل بجوارها طيلة الوقت، وألا تسمح له بالعزلة والانطواء، وأن تحاول إشغاله دومًا.
على سبيل المثال، الطفل الذي يعاني من الحركة المستمرة، ولا يستطيع الجلوس بضعة دقائق متصلة، على الأم أن تدربه على الجلوس أطول مدة ممكنة، وأن تقاوم رغبته في الحركة والتنطيط داخل البيت.
وكذلك نظرة العين الجانبية، فالطفل عندما تتحدث إليه الأم ينظر بعيدًا عنها، وهذا يتطلب من الأم تدريب الطفل منذ نعومة أظفاره على التواصل بصريًّا معها في أثناء الحديث مهما حاول المقاومة، بالتدريج سوف تشعرين بتحسن حتى وإن كان طفيفًا.
قد يعجبك أيضًا لماذا يجب على أمهات أطفال طيف التوحد الحذر من هذه الأطعمة؟
إياكِ والخضوع له
على الأمهات ألا يسمحن للطفل بأن يفرض رأيه عليهن أيًّا كان، وبأي وسيلة كانت؛ لأن هذه الخصلة تحديدًا وهي الرضوخ لرأي الطفل وعدم مقاومته والاستسلام أمام رغباته، وهو ما يتسبب في دخول الطفل مرحلة سيئة جدًّا من التوحد يصعب معها محاولة العودة أو تبطيء التحسن مرة أخرى.
وسيلة الطفل في تحقيق ذلك هي البكاء الشديد والمتواصل، الذي لا تستطيع الأم مقاومته، فتكون النتيجة القبول والموافقة على ما يريد، وهنا الكارثة!
الطفل لا يرغب بالنظر في وجه أمه أو أفراد أسرته في أثناء التحدث إليهم، ولا يريد تنفيذ الأوامر والتعليمات، ويقاوم بشدة، ويرفض اللعب مع الأم والإخوة، ويرغب في البقاء وحده، وغيرها من الأشياء التي يفضلها طفل طيف التوحد ويسعى لفرضها على المحيطين به، وهو ما يجب ألا يسمح به الوالدان.
هذه الرسالة التي يرسها طفل طيف التوحد إلى أمه مؤداها: أنا لا أرغب في الحياة التي تعيشونها، فأنا لي عالمي الخاص، وأستمتع به هكذا، اتركوني وشأني.
والسؤال هنا للأمهات اللاتي يضعفن أمام رغبة أطفالهن:
ماذا يكون رد فعلكِ عندما يمسك طفلكِ المتوحد بالسكين ويحاول إيذاء نفسه؟ هل تصمتين وتكتفين بالفرجة من بعيد؟ أم تتدخلين وتحاولين إنقاذه من التصرف الذي يحاول الإقدام عليه!
بالتأكيد ستحاولين جاهدة التدخل والحيلولة دون أن يؤذي الطفل نفسه، حفاظًا على حياته، وهكذا طفل طيف التوحد، لا يجب بأي حال من الأحوال تركه فريسة للتوحد، حتى وإن أبدى رفضه بل وغضبه من ذلك.
أيتها الأمهات الطيبات ذوات القلب النابض بحب طفلك، إقدام طفلك على البكاء لن يضره في شيء إن استمر على هذه الحال دقائق؛ لأنه بمجرد أن يتعب سوف يتوقف عن البكاء، ومع تكرار الرفض والبكاء مع عدم الاستجابة لطلباته.
هنا سوف يعرف أنه يطرق الباب الخطأ، وأنه لا يمكن للبكاء أن يرغم الوالدين على تنفيذ رغباته، وهنا سوف ينقطع عن البكاء؛ لأنه لم يؤدِّ إلى النتيجة التي يرغب بها.
هذا فضلًا على أن بكاء الطفل ليس لفقد حاجة أو شعور بألم، ولكنه وسيلة من أجل الوصول إلى غاية أو هدف محدد، وهنا يجب على الوالدين ألا يضعفا أمام بكاء الطفل؛ لأن ذلك يهدد حياته.
قد يعجبك أيضًا أفضل طريقة للتعامل مع طفل التوحد العنيد
لا تترك طفل التوحد بمفرده
مما أنصح به الأمهات لأطفال طيف التوحد، هو عدم ترك الطفل بمفرده إطلاقًا؛ لأن الفراغ أكبر عدو لطفل طيف التوحد، بل يجب إشغاله طوال الوقت، باللعب، بالتحدث، بالتواصل البصري، بتعلم كلمة جديدة، وهكذا، المهم ألا ندع طفل طيف التوحد بمفرده.
وهنا نتوجه بسؤال بسيط إلى الأمهات: كم عدد الساعات التي تقضيها مع طفلكِ يوميًّا؟
أو بالأحرى كم ساعة يقضيها طفلك بمفرده؟ إذا افترضنا أن الطفل يستيقظ 12 ساعة يوميًّا، فكم عدد الساعات التي يقضيها بمفرده؟
هذا سؤال أتمنى من أمهات أطفال طيف التوحد خاصة، وأمهات الأطفال العاديين عامة الإجابة عنه في التعليقات؛ لأنه يكشف طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء.
إذا كانت عدد الساعات التي يقضيها الطفل بمفرده أكثر من تلك التي يقضيها بين أفراد أسرته، فيوجد إذن خلل واضح، وتفريط كبير من قبل أفراد الأسرة وتحديدًا الوالدين والإخوة.
فبعض الأمهات يقلن: أنا أتركه بمفرده طوال الوقت، ولا يأتي إليَّ إلا إذا كان يرغب في الحصول على شيء ما، وهنا الكارثة!
كما قلنا بالأعلى إن طفل طيف التوحد يستهويه الوضع الذي هو فيه، ويقاوم أي محاولات لإخراجه من عزلته، وعلى هذا ترك الطفل على هذه الحالة، يعني مباركة الوالدين لإصابة الطفل بالتوحد أكثر فأكثر، وهذا تقصير واضح من الوالدين بحق طفلهما المصاب بطيف التوحد.
قد يعجبك أيضًا أفضل طريقة لتحسين التركيز عند طفل التوحد
الطفل لا يرغب في التواصل معي، ما العمل؟
بعض الأمهات تبرر جلوس الطفل بمفرده ساعات طويلة كل يوم، بأنه لا يرغب في التواصل معها أو مع أفراد الأسرة، وهذا طبيعي؛ لأن طفل طيف التوحد يعجبه حالة العزلة التي يعيشها.
لكن ماذا عنكِ أيتها الأم؟ هل ترغبين في جلوسه بمفرده هكذا بالساعات على الرغْم من علمكِ بأخطار ذلك؟ أم أنه يتعين عليكِ التواصل معه حتى وإن رفض ذلك؟!
بالتأكيد على الأمهات إجبار الطفل على التواصل معها، فإن كان هو يقاوم محاولات التواصل معه ويصر على ذلك، عليكِ أن ترفضي وتقاومي وتصري أيضًا على موقفك، والغلبة بلا شك لصاحب النفس الأطول، وهو ما يجب أن تدركه أمهات أطفال طيف التوحد.
فالأمر لا يتوقف هل الطفل يعجبه هذا الوضع أم لا؟ بل ما الأكثر فائدة للطفل لمحاولة إخراجه من الحالة التي يعيشها أو ينزلق إليها دون أن يدري.
قد يعجبك أيضًا كيف يمكن الاستفادة من منهج منتسوري مع أطفال طيف التوحد؟
ما النتائج المتوقعة إذن؟
في حال نجحت الأم وكانت صاحب النفس الأطول في هذه المعركة، فإنها ستلاحظ تحسنًا ملحوظًا في أداء طفلها، في الأسبوع الأول، استطاعت أن تعطي تعليمات لطفلها في نصف ساعة، أن تلاعبه نصف ساعة أخرى، أن يتواصل معها بصريًّا ربع ساعة.
وهكذا، مع الإصرار والعزيمة في مواصلة هذا البرنامج مع الطفل في البيت، سوف يتحسن أداء الطفل على نحو ملحوظ، وهو ما يعد دليلًا على أن الطريق الذي تسلكينه صحيح، ومن شأنه أن يوصلكِ إلى هدفك قريبًا.
ختامًا.. حدِّد هدفك بدقة، إذ من الصعوبة بمكان أن تعمل مع طفل طيف التوحد في كل الاتجاهات مرة واحدة، أن تحسن النظرة الجانبية، أن تعلمه نطق كلمة جديدة، أن تدربه على التواصل البصري، أن يتعلم تنفيذ الأوامر.
بل يجب على الأمهات تحديد الهدف المطلوب بدقة، من أجل وضع البرنامج أو الخطة المناسبة التي عادة ما تكون تحت إشراف ومتابعة اختصاصي التأهيل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.