حسب طبيعتنا نحن البشر، فإننا دائمًا نشعر بالاحتياج إلى أشياء كثيرة، نحتاج إلى السعادة، والراحة، والحب، والاهتمام، ويتمثل النجاح لنا في سد فجوة هذا الاحتياج الدائم، كلٌّ حسب رغبته. فعلى سبيل المثال، عندما يحتاج المرء إلى الزواج، فإن النجاح له يكون في تحقيق هذا الزواج. وعندما يحتاج إلى المال، فإنه يختزل النجاح في جمع المال الذي يرغب به. وهكذا يصبح النجاح مختزلًا في تحقيق الرغبات المختلفة التي نتوق إليها بشدة.
لماذا النجاح مؤقت، وكذلك السعادة المصاحبة له؟
يحاول الإنسان على نحو غريزي سد فجوة احتياجاته، لكن في كل مرة ينجح فيها في تحقيق أمرٍ ما، سرعان ما يكتشف أنه يرغب في شيء آخر. فينسى أمر النجاح الأول الذي حققه، وتكون سعادته الناتجة عنه ضئيلة جدًا، على الرغم من أنه قد أنجز ما كان يحلم به.
وهكذا يدور في دائرة لا مخرج منها طوال حياته، حتى يجد فجأة أن العمر قد مضى، والوقت قد انقضى، ويشعر بالفشل بسبب عدم تمكنه من تحصيل تلك السعادة التي كان ينتظرها من النجاحات التي حققها.
قصة من الواقع
كان صديقي ديفيد مولعًا بصديقة لنا في الجامعة، وكان يرغب بشدة في الزواج منها، إذ كان يرى السعادة في بيتٍ يجمعه بها. وكان ديفيد، بالإضافة إلى دراسته، شابًا مصريًا مكافحًا، يعمل ويدرس في آنٍ واحد. وبعد جهد كبير ومعاناة طويلة لتحقيق حلمه، ذهب إلى والد الفتاة ونجح أخيرًا في إقناعه بزواجه منها، على الرغم من أن حالته المادية لم تكن جيدة بما يكفي لتحمُّل مسؤولية أسرة كاملة.
تزوج ديفيد من الفتاة، وكان ذلك نجاحًا مفرحًا للغاية له، لكنه سرعان ما وجد نفسه عالقًا في دوامة من الهموم المتزايدة، فأصبح مضطرًا للعمل ساعات أطول، نظرًا لكونه قد صار ربًّا لأسرة. ومع مرور الوقت، رُزق بابن، وتزايدت المسؤوليات والضغوط أكثر فأكثر.
لقد دخل ديفيد إلى حلمه متحمسًا، لكنه وجده من الداخل متاهة من الهموم، متفرعة على نحو لا يمكن الخروج منه بسهولة.
النجاح المُزيَّف
إن قصة ديفيد تشبه حال شخص تائه في صحراء، يرى فجأة سرابًا لواحة في الأفق. يخدعه السراب، ويظن أنه إذا اقترب منه سيشرب ماءً عذبًا ويجد السعادة والراحة. لكنه ما إن يصل، حتى يكتشف أنه قد أهدر وقته وطاقته في السعي وراء وهم. يجد نفسه عالقًا في صحراء حارقة، وقد ضلَّ طريقه وفقد قوَّته، وقد يهلك قبل أن يدرك أنه كان ضحية خداعٍ كبير.
الإنسان يختزل النجاح في سد احتياجاته الكثيرة، لكنه يصطدم في النهاية بحقيقة أن هذه الاحتياجات أشبه بثقبٍ أسود، لا يمكن سده أبدًا. بل إن الراحة، في معناها النهائي، لا يقابلها إلا الموت.
فما المعادلة؟
النجاح = سد الاحتياج
لكن: الاحتياج لا يمكن سده!
إذًا: لا يمكن تحقيق النجاح... أو في الأقل ليس بالشكل الذي نتصوره.
النجاح هنا يشبه واحة سرابية في صحراء حارقة، يسعى الإنسان طوال حياته إلى الوصول إليها، لكنه في لحظاته الأخيرة يكتشف أنه كان يدور في حلقة مفرغة، وأن تلك الواحة لم تكن سوى سرابٍ لا وجود له.
ما النجاح الحقيقي إذًا؟
لحسن الحظ، فإن النجاح الحقيقي يمكن لأي شخص أن يحققه، وهو سهل المنال، لا يقتصر على الأغنياء أو الأذكياء، بل هو متاح للجميع، في كل بيت، وفي كل قلب.
ويتلخص هذا النجاح في أن تكيف نفسك على العيش داخل الصحراء بدلًا من أن تركض خلف السراب. نعم، هذا هو المفتاح: تقبَّل الحياة كما هي، وتقبَّل نفسك كما أنت.
وإن فشلت في تحقيق شيءٍ ما، فلا تيأس. ربما لم يكن مقدَّرًا لك، أو لم يكن من المفترض أن تحققه أصلًا.
لا تُرهق نفسك لإرضاء الآخرين. كن كَوِحدة مستقلة شعوريًا عنهم قدر الإمكان. عندما تكيِّف ذاتك على ظروف الحياة القاسية، ستستطيع حينها أن تصنع واحتك الخاصة.
فالرضا والسعادة يأتيان أولًا، ثم النجاح، وليس العكس كما يظن كثير من الناس.
كن مكتفيًا بذاتك، بما أنت عليه، لتمنح عقلك المساحة ليبدع ويخلق عالمه الخاص.
وفي النهاية..
تقبَّل نفسك بصفتك كائنًا بشريًا، بآلة عقلية ذات قدرات خارقة، ومن طبيعتها النقص والاحتياج المستمر. تقبَّل النقص، فالنقص هو عين كمالك الإنساني.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.