الثورة المخملية.. هكذا انتصرت تشيكوسلوفاكيا دون قتال!

مع أن ثورات عدة قامت في شرق أوروبا أطلق عليها صفة المخملية؛ فإن ثورة تشيكوسلوفاكيا هي الثورة الأبرز التي كان لها تداعيات كبيرة أكبر من التخلص من النظام الاستبدادي، وانتهى الأمر في اليوم الأخير إلى انقسام دولة تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين هما التشيك وسلوفاكيا.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة لتتعرف على أحداث ونتائج الثورة المخملية.

جمهورية تشيكوسلوفاكيا

· يمكنك الحديث عن تشكل جمهورية تشيكوسلوفاكيا في المدة التي تلت الحرب العالمية الأولى، فقد عانى أهلها من الصراعات والحروب المستمرة، فدخلها هتلر واحتلها السوفيت، وعانت تشيكوسلوفاكيا من إلغاء الأحزاب ومنع الأنشطة وعدم وجود أي صوت يعلو فوق صوت القوة الشيوعية المستبدة.

وحينئذ يجب أن نشير إلى تعدد العرقيات داخل جمهورية سلوفاكيا، فقد شملت الدولة كل من السلوفاك والتشيك والهنغاريين والبولنديين والألمان، وعلى الرغم من ذلك التنوع، فقد كان الجميع يتشارك الغليان والكراهية للحزب الشيوعي الذي يقود البلاد منذ عام 1948 لا سيما مع الإجراءات الاستبدادية التي تزايدت عاما بعد عام ضد أي شخص أو جهة أو جماعة تنتقد الحزب أو مناقشة أفكار.

شرارة الثورة المخملية

مع زيادة الإجراءات القمعية ونشاط الشرطة السرية وتدني مستوى المعيشة تدنيًا كبيرًا والانهيار الاقتصادي؛ فقد كان الشعب في تشيكوسلوفاكيا ينظر إلى تجارب الدول المجاورة التي بدأت في التقدم للأمام مع إسقاط الأنظمة الاستبدادية، إضافة إلى سقوط التجربة الشيوعية في معظم دول العالم.

أضف على ذلك سقوط جدار برلين وعودة ألمانيا إلى وحدتها، مما دفع الطلاب في تشيكوسلوفاكيا إلى التحرك السلمي.

كان الطلاب هم أصحاب الشرارة الأولى في الثورة المخملية، وبالتحديد في يوم 17 نوفمبر من عام 1989، فقد كان تجمع الطلاب بالآلاف في مدينة براغ نوعًا من أنواع الاحتجاج، وكذلك كان اختيار هذا اليوم إحياء لذكرى قتل الطلاب في عام 1939.

الثورة المخملية

لكن الشرطة واجهت هذه المظاهرات السلمية بعنف شديد كعادة الأنظمة الاستبدادية التي لا تفهم المظاهرات والتعبير السلمي، وهو ما جعل أعداد المتظاهرين تتزايد في الأيام التالية، فوصل عدد المتظاهرين إلى أكثر من 500 ألف متظاهر في ساحة  فاتسلاف في مدينة براغ مطالبين بإسقاط الحزب الشيوعي والحكم المستبد.

· كانت ردة فعل النظام الشيوعي ضعيفة وليست على مستوى الحدث، فاستبدلت الحكومة الأمين العام الذي لم يستطع مجاراة الأمور مع زيادة المظاهرات، حتى إن الصحف الرسمية لم تكن تنشر الوقائع والأرقام الحقيقية؛ لكنها اضطرت بعد نحو أسبوعين من التظاهرات العارمة أن تعترف بوجود بعض المعارضات والمظاهرات بألفاظ منتقاة على استحياء، وهو ما زاد من غضب الشعب ورفضه لبقاء الحكومة.

أحد الأمور الرائعة التي ميزت الثورة المخملية هي الأداء السلمي للمتظاهرين ومن ضمن الإجراءات السلمية التي كان لها تأثير كبير على نجاح هذه الثورة هي الدعوة لإضراب عام شارك فيه أكثر من 75% من موظفي البلاد؛ لتدخل تشيكوسلوفاكيا في حالة من الشلل المؤقت الذي أدى إلى كسر شوكة الحكومة المستبدة وسقوط الحزب الشيوعي من برجه العاجي إلى أرض الثورة، وهو ما حدث في يوم 29 ديسمبر من العام نفسه، فقد استقال جميع أعضاء وقادة الحزب الشيوعي.

وتشكلت أول حكومة غير شيوعية، وقدم الرئيس هوساك استقالته لينتخب الشعب أول رئيس يحكم البلاد من خارج الحزب الشيوعي، وهو ما مهد الطريق لحصول تشيكوسلوفاكيا على كامل استقلالها من الاتحاد السوفيتي عام 1991.

نتائج الثورة المخملية

عندما نتحدث عن النتائج؛ فإن أبرزها هو خروج الجماهير من دائرة الخوف والرعب إلى منطقة إدراك الحقائق؛ لأن الشعب هو مصدر القوة والسلطة وهو ما يجب أن يعرفه كل من يتولى السلطة بعد ذلك؛ لتجنب الوصول إلى مرحلة تجاهل الشعب وإرغامه واستغلاله، طالما كان هذا الشعب قادرا على تغيير الأحداث بهذا الزخم وهذه القوة.

نتائج الثورة المخملية

مع أن الثورة المخملية وضعت تشيكوسلوفاكيا في مسار ديمقراطي وساعدت على استقلالها عن الاتحاد السوفيتي؛ فإن الأمور احتاجت إلى إجراءات أخرى، فلم يشعر أهل تشيكوسلوفاكيا بالوئام مع بعضهم بعضًا نتيجة سيطرة التشيك على الثروات والمناصب والأعمال والقرارات المهمة، وهو ما رفضه السلوفاك، ما أدى في النهاية وبعد كثير من الأحداث السياسية والمحاولات من جانب الطرفين إلى الانفصال إلى دولتين هما دولة التشيك ودولة سلوفاكيا.

· أطلق على هذا الانفصال أيضًا الانفصال المخملي (الطلاق المخملي) وذلك بسبب الطريقة السلمية التي حدث بها الانفصال دون إراقة الدماء، أو حدوث صراعات أو مشاحنات؛ نظرًا لما يتمتع به الشعبان من تاريخ واحد، وهو ما جعل الثورة المخملية ملكًا للدولتين على الرغم من أن أهل سلوفاكيا يسمونها الثورة الرقيقة وأهل التشيك يسمونها الثورة المخملية؛ فإن المعنى واحد  لهذه الثورة الرائعة التي صنعتها الأيادي والقلوب الباحثة عن الحرية، سواء من أبناء التشيك أو من أبناء سلوفاكيا.

وفي الأخير نرجو أن تكون جولتنا في أحداث الثورة المخملية قد قدمت لك المتعة والإضافة، ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومقترحاتك لمقالات أخرى ترغب في قراءتها على جوك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة