عندما تكتب منشورًا على فيسبوك مثلًا، وتُقرر أن يحتوي هذا المنشور موعظة اجتماعية، فعندما تكتبها بطريقة مباشرة من باب التحذير من ظاهرة اجتماعية شديدة الخطر، فلن تجد التفاعل المطلوب مع أنك لا تحتاج لهذا التفاعل لنفسك، بل تحتاج إليه من أجل وصول هذا المنشور المهم لأكبر عدد ممكن من الأشخاص داخل المجتمع.
لكن، إن جربت كتابة منشور آخر يحمل نفس معنى المنشور الأول ولكن بطريقة فكاهية، فسوف تجد انتشارًا واسعًا قد يكون أكبر من مستوى التفاعل الذي توقعته. ومن هنا تأتي أهمية الكوميديا في حياتنا، وحينئذ أيضًا نكشف عن السر في انتشار الأفلام الكوميدية أكثر من غيرها، فكيف تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر؟
كيف تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر؟
تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر بتغير طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه، وقد تغير المجتمع على قدر التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر على مدار الزمان، فنحن نتحدث عن فن نشأ ونما منذ بداية القرن الماضي وإلى الآن ونحن في الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين.
لذلك، نريد توضيح المراحل التي مرت بها الكوميديا لكي ندرك كيف تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر.
كوميديا النصف الأول من القرن الماضي
يمكنك إطلاق لقب الكوميديا التقليدية على الكوميديا التي كانت في النصف الأول من القرن الماضي، إذ كانت تعتمد على الكوميديا البسيطة؛ أي تعتمد على الحوارات الفكاهية والمواقف المضحكة البسيطة التي كانت تُقتبَس من المسرحيات، إذ طغى فن المسرح في هذه المرحلة على كل الفنون الأخرى، وعلى رأسها فن السينما الذي كان يعد وليدًا في هذه المرحلة.
كانت تعتمد على المواقف التي يقابلها الناس في الحياة كل يوم، لذلك كان الفنانون يستخدمون الألفاظ الدارجة في الشارع في هذا الوقت التي بالتأكيد سوف تكون غريبة الأطوار في يومنا الآن، وقد ساعد كثير من الفنانين في معالجة القضايا الاجتماعية بطريقة ساخرة، على سبيل المثال إسماعيل ياسين ونجيب الريحاني.
كوميديا الخمسينيات والستينيات
وهي مرحلة التحولات السياسية، وأبرز هذه التحولات تحول مصر من ملكية، وانتهاء الأسرة العلوية بانتهاء حكم آخر ملوكها أحمد فؤاد الثاني، إلى جمهورية مصر العربية، وكذلك تولى الضباط الأحرار الحكم في مصر.
اعتمدت الكوميديا على الأسلوب الخفي؛ أي إنها كانت في الظاهر كوميديا سطحية الغرض منها الضحك فقط، ولكنها كانت تحمل في طياتها كثيرًا من الرسائل الاجتماعية والسياسية، إذ ركزت على طبقات معينة من المجتمع، وهي الطبقة المتوسطة وما دونها؛ لأنه من السهل استخلاص عدد من القصص المشوقة التي يمكن سردها بطريقة درامية بحت أو بطريقة درامية تحمل الطابع الكوميدي من هذه الطبقات.
كوميديا السبعينيات والثمانينيات
ظهرت في هذه المرحلة ما يعرف بأفلام المقاولات، ولم يكن الغرض من هذه الأفلام الانتشار على قدر الوجود في الوسط الفني لصناع الفيلم، فلم تكن تحمل أي رسالة أو معنى، وفي الوقت نفسه كانت بلا قيمة فكاهية حقيقية، فقد كانت تعتمد على المواقف الهزلية الزائدة عن الحد الذي يضحك المشاهد.
لم تكن هذه الأفلام هي السمة الأساسية للكوميديا في هذه المرحلة على الرغم من كثرتها، إذ عبَّرت الكوميديا الحقيقية في هذه المرحلة الزمنية عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية، فعرضت الفروقات بين الطبقات وكيف تصارع كل طبقة الأخرى بأدواتها المتاحة.
كما ظهرت قيم منبوذة سعت الأفلام إلى محاربتها بطريقتها الكوميدية، مثل قيم الفساد والطمع والجشع، كما تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر في هذه المرحلة على نحو ملحوظ، إلى أن وصلنا إلى مرحلة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
كوميديا التسعينيات وبداية الألفية
تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر في التسعينيات، وأخذت شكلًا مغايرًا عن المراحل الماضية، إذ ركزت الكوميديا الخاصة بالفيلم وقصته عمومًا على شخص واحد، ما يخدم وجود الشخصيات الأخرى في الفيلم هذا الشخص والقصة المبنية عليه، ولنا مثل في فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية بطولة الفنان محمد هنيدي.
أسهم ظهور محمد هنيدي في بزوغ نجم عدد من الفنانين الآخرين، مثل أحمد السقا ومنى زكي وغادة عادل وطارق لطفي، ولكن بالنظر إلى أحداث الفيلم، فإن كل المواقف الكوميدية والأحداث كانت في النهاية تبرز جوانب معاناة الشخصية الرئيسة في الفيلم، وهي شخصية الشاب خلف الدهشوري خلف التي كان يتقمصها الفنان محمد هنيدي، ولم يقلل هذا من حضور باقي الشخصيات.
ومع بداية الألفينات ظهرت كوميديا تعتمد على فكرة الإبهار البصري عن طريق استخدام تقنيات المونتاج الجديدة التي لم تكن متاحة في العقود الماضية، ولم تعتمد الكوميديا في الألفية الثالثة على فكرة النجم الواحد، بل أسهم كثير من النجوم في العمل الفني نفسه، وظهرت ثنائيات كوميدية كان لها أبلغ الأثر في تحقيق النجاح الباهر للعمل الفني، أمثال أحمد حلمي ومنة شلبي، وأحمد حلمي والفنانة نور اللبنانية، ومحمد سعد ومي عز الدين وغيرهم.
صعوبات الكوميديا في مصر حاليًا
أصبح الآن المجهود مضاعفًا لكي تتمكن من عمل فيلم كوميدي يحظى برضاء الجمهور، ولم يعد إرضاء الجمهور الآن بالأمر الأسهل، وعلى الرغم من تغير طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر؛ فإنها ما زالت تواجه بعض التحديات، ونسرد أهمها في النقاط التالية:
- يهتم المنتجون بالربح السريع، إذ يحرصون على تعويض المصاريف التي أنفقوها على العمل الفني، ويؤثر ذلك على جودة النص الكوميدي، لأنه من أصعب النصوص، ويجب أن يُكتَب بعناية لينال رضاء الجمهور.
- اتجهت الكوميديا إلى فكرة النكت السريعة والألفاظ المتداولة الآن سواء في الشارع أو على السوشيال ميديا، ولكنها لا تحمل أي نقد بناء للأوضاع الاجتماعية ولا تقدم أي معالجة للقضايا الاجتماعية بأسلوبها الساخر الأقرب إلى قلوب المشاهدين على اختلاف ميولهم وأعمارهم.
- ظهرت المنصات الإلكترونية المدفوعة، ولا نقول إنها أثرت في جودة الفن السينمائي، ولكنها ركزت على أنواع معينة من الأفلام تبتعد عن فكرة الكوميديا، وقد يرجع السبب في ذلك إلى تغير طبيعة الجمهور الحالي، وعلى أثر ذلك تغيرت طبيعة الأفلام الكوميدية في مصر.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.