يقول البعض إن الفن رسالة، وهذه جملة صحيحة مئة في المئة ولا شكَّ في ذلك، لكن الفن أيضًا تعبير عن واقع المجتمع المنبثق منه؛ فهو ليس مجرد وسيلة للتعبير عن أفكار أو مشاعر، بل إنه يرسم هذا الواقع ويتقلَّد كل صفاته ويُظهر تفاصيل حياته اليومية. وفي هذا المقال سنعرف كيف تظهر الفنون المختلفة واقع المجتمع وتعبر عن قضاياه على نحو واضح ومؤثر.
في الواقع، نجد أن الفنون منتشرة بكثرة ومتنوعة، ومع التطور التكنولوجي زادت أنواع الفنون التي تظهر حال المجتمع، وكذلك كثر المشاركون فيها، فهل تعرف كم فيديو قصير يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي يوميًّا؟ بالطبع، رقم مهول. لذلك، مراقبتك للفن تعني إدراكك لحال المجتمع.
كيف تُظهر الفنون المختلفة واقع المجتمع وتعبر عن قضاياه؟
عندما أشرنا إلى عبارة "الفن رسالة"، كنا نُشير إلى التأثير الواضح للفن على المجتمع، فللفن رسالة سامية يطبقها على المجتمع لكي يغيره التغيير الخاص بتلك الرسالة؛ فإن كانت الرسالة تحمل الأخلاق الحميدة مثل الصدق والأمانة ورد المظالم وغيرها، فسوف نجد هذا متجسدًا في الأعمال الفنية من أفلام ومسلسلات وأنواع أخرى من الفن، بما فيها الفن التشكيلي، فسوف ينعكس ذلك كله بدوره على حال المجتمع وتنتشر بين جنباته الأخلاق الحميدة.
ولكننا نتحدث في هذا المقال عن التأثير العكسي؛ أي إن المجتمع الآن هو من يؤثر على الفن، وإن لم تقبل تلك العبارة وتعدها مبررًا لفساد الفن وتقديمه بشكل مزرٍ لأنه مرآة المجتمع الذي اضمحلت ثقافته، فيجب في الأقل أن تعترف بهذا الواقع ولا تنكره؛ ففي إنكاره مهلكة للمجتمع، وفي الاعتراف به خيط رفيع ربما يوصلنا إلى تحسين حال المجتمع وتنميته وتطويره من كل الجوانب حتى نرى صورة أخرى مغايرة للفن غير التي يوجد عليها في الوقت الحالي.
لذلك، نعترف ونقول بأعلى صوت: تظهر الفنون المختلفة واقع المجتمع وتعبر عن قضاياه، وهذا أمر جيد، فإن كنت تريد معرفة أحوال الناس داخل المجتمع، فلست بحاجة إلى عمل دراسة ميدانية على كل فرد من أفراد المجتمع لكي تتمكن من إطلاق حكم معين على جودة هذا المجتمع، وإنما يمكنك الآن متابعة الأعمال الفنية التي تنبثق عن هذا المجتمع من أعمال حركية وصور وغيرها لكي تأخذ فكرة أعمق عن حال المجتمع، ومن الممكن ألا تتمكن من الوصول إلى هذه الصورة إن لم تستعن بالفن والبحث في خزائنه التي لا تنتهي.
أحوال المجتمع عبر الفنون المختلفة
فمثلًا، يمكنك التعرف على أحوال المجتمع في الثمانينيات، ومع أنَّك لم تكن في ذلك الزمن أو كنت فيه مجرد طفل صغير، فيمكنك أخذ فكرة جيدة عنه بواسطة الأفلام والمسلسلات التي كانت تُعرض، وسوف تتعرف على ملامح المجتمع وثقافته في ذلك الزمن أو أي زمن آخر، وأيضًا يمكنك الاستعانة بأرشيف الصحافة على اعتبار أنه جزء من فن نقل المعلومة.
أما بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي، فحدِّث ولا حرج، فمن العلامات التي تؤيد فكرة أن الفنون المختلفة تظهر واقع المجتمع وتعبر عن قضاياه ما تراه من مقاطع فيديو قصيرة؛ فنجد مثلًا انتشار نوعيات معينة من هذه المقاطع، وهي تعتمد في النهاية على اللقطة السريعة، وتظهر جانبًا مختفيًا في المجتمع، وهو عدم التركيز والرغبة في الوصول السريع لما يريده الفرد في المجتمع.
ومن الممكن أن تجد معرضًا للوحات الفن التشكيلي، وعندما تدخل هذا المعرض وتنظر إلى الحائط وتتأمل الصورة المعلقة عليه، فسوف تجدها مجموعة من الخطوط المتشابكة وغير المنتظمة، فهي تظهر حال المجتمع من التخبط والحيرة الدائمة.
كيف يؤثر الفن في المجتمع؟
تحدثنا في السطور السابقة عن كيف تظهر الفنون المختلفة واقع المجتمع وتعبر عن قضاياه، وفي هذه السطور سوف نسير في الاتجاه المعاكس؛ فلا يصح أن نعد الفن مجرد رد فعل، وإلا فلن يكون له رسالة، ولكن إن كان فعلًا له رسالة يريد تطبيقها في المجتمع، فيجب أن يكون سيد قراره. وفي هذا الغرض سوف نتعرف على كيف يؤثر الفن في المجتمع؟
يعمل الفن على تعزيز القيم الإنسانية السامية وتجنب القيم الإنسانية التي تحط من قدرها وتحوِّل الإنسان إلى كائن مادي مستهلك فقط لا غير، إذ يجب توجيه الفن نحو تعليم الناس، ولكن لا ينبغي أن يخرج خارج إطار كونه فنًّا وأنه يقدم شيئًا ترفيهيًّا للأفراد، ولكن لِمَ لا يكون ترفيهيًّا، وفي الوقت نفسه مفيدًا ويغذي جذور المجتمع بالأخلاق الحميدة؟
يمتلك الفن طريقته السلسة التي يتقبلها الكبير والصغير، وبواسطة هذه الخاصية المميزة، يتمكن الفن من تعريف أفراد المجتمع بالقضايا التي يعاني منها هذا المجتمع، مع عرض طرق لحل هذه القضايا؛ فمثلًا يمكنه عرض مشكلة البطالة في إطار من الفكاهة ليخفف من وطأة المشكلة الصعبة، وفي الوقت نفسه يقدم حلولًا بطرق سهلة ومقنعة.
أشرنا فيما سبق إلى أن الفن هو وسيلة ترفيهية للإنسان، لذلك فهو يعمل على تحسين الحالة النفسية والمزاجية لدى الفرد، وفي الوقت ذاته تظهر الفنون المختلفة واقع المجتمع وتُعبر عن قضاياه، ومن ضمن القضايا المهمة التي يعرضها الفن قضايا الفساد وأنواعه وأشكاله وكيفية مواجهته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.