أولًا عليك أن تسلب احتياجاته النفسية، وتجعله مجردًا منها؛ حتى يخرج عن حيز الاتزان، ويكون شغله الشاغل هو العودة إلى دائرة أمانه، وحينها تكون مهمتك في منعه من الرجوع إليها بكل الوسائل المتاحة.
كل إنسان يحتاج إلى بعض الضمانات في حياته، كأن يكون له منزل خاص بعقد موثق وعمل براتب مجزٍ، إضافةً إلى الشعور بالحب والتقدير، وأن يكون محاطًا بالناس والألفة، وهذا احتياج بشري لا بد منه، وقال ابن خلدون: إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه.
اقرأ أيضًا الشخصية النرجسية و أسبابها وكل ما يدور حولها
خطوات صنع مريض نفسي
أولًا: اجعل شراء بيت مهمة عسيرة، بذلك ستصعب سنة الحياة وهي الزواج.
ثانيًا: اجعل العثور على وظيفة أشبه بالمستحيل.
ثالثًا: عزز في نفسه أن التعليم والحصول على وظيفة بمعاشٍ وضمانات بعد تخطي حاجز الستين صار أمرًا لا يحتاج إلى المجازفة؛ لأنه في النهاية لن يحصل على ما يستحق أن يناله من عمل طال سنوات من الشقاء.
لأنك قبل أن تزرع تلك الفكرة في رأسه، ستكون جعلت من الوظائف كابوسًا وحلمًا بعيد المنال، وهذا الذي سيجعل بعضهم يكبرون على فكرة أن التعليم لن يجلب لهم شيئًا، وأنه ليس الوسيلة التي ستمكنهم من عيش أحلامهم.
وبناءً على ذلك سيتضاعف معدل من يرغب بالزواج في سن صغير قبل أن يتأهل له، فيُنشئ أسرة غير سوية، وهي ثمرة خبراته القليلة، التي تكاد تكون معدومة في الحياة نظرًا لحداثه سنه، وتركه للتعليم الذي يكسبه خبرات متعددة في حياته كل يوم، سواءً كانت علمية أو أدبية أو اجتماعية.
وإن حققت تلك الخطة السهلة؛ ستكون نجحت في نشر عامل مهم جدًّا لبناء مجتمع فاسدٍ خالٍ من أهم الأخلاقيات.. وهو الجهل.
ولكن بعد أن تفكر في الأمر ستجد أنك لم تنشر الجهل فقط بل وأيضًا الفقر، الذي عندما يجتمع مع الجهل يكوِّن وحشًا في غاية الخطورة، وبهذا تكون قد حققت الشطر الأول من الخطة.
اقرأ أيضًا كيف يهنأ بعيش من في عائلته مريض
اختفاء الأخلاق وانتشار الرذائل
بعد أن يحدث ذلك ستجد أن الأخلاقيات بدأت في الانعدام التدريجي، نظرًا لتفشي الجهل والفقر، الذي يخلق أفكارًا مرعبة؛ لأن لا أحد يريد أن يعيش في تقشف.
حينئذ ستكون قتلت بعض احتياجاته النفسية، التي تلقائيًا ستهدم باقي الاحتياجات، فتنخفض نسب العلاقات الاجتماعية المتزنة، وسيكون الحصول على صديق أو زوج مناسب يتمتع بصحة نفسية جيدة ويحظى بمبادئ وقيم أمرًا يحتاج إلى مجهود هائل.
فبدلاً من أن يتحد الناس سيتفككون، ولن يبقى من يمكن أن يجتمعوا على إيقافك؛ لأن كل شخص سيكون منشغلًا بإدراك طريقة يستطيع بها أن يصل للقمة، ويكون من أصحاب النفوذ مهما كانت الوسيلة مشروعة أم غير ذلك.
ستسود الرذائل ويتجاهل الناس الحق، ولن يوجد مكان للشخص الواعي، وستكون الرئاسة للسفهاء والتافهين.
وبإمكانك أيضًا أن تصنع إعلامًا فاشلًا، يقف في صفك عن طريق جعل ما يتابعه الناس يزرع في نفوسهم الرياء، وسهولة القتل والتدنيس وبساطة السرقة والعلاقات غير المشروعة، واجعل البرامج السياسية تتحدث عنك فقط وعن إنجازاتك، وكيف كان سيكون الوضع دون وجودك.
اجعل الهتاف من أجلك أنت فقط، وعندما تشعر أن الوضع بدأ يخرج عن سيطرتك، ابحث عما يستهوي الناس واعرضه لهم كمباراة لفريق كرة القدم المفضل لديهم، أو إنتاج عمل فني دموي يجذب انتباههم.
وبعد أن يشاهدوه تملأ الحوادث الوحشية وسائل التواصل الاجتماعي في اليوم التالي، ومن فكر أن يستيقظ ويوقظ من حوله؛ سينتابه الذعر ويعود لدائرته الصغيرة وهو يشعر بالتهديد، وكأن شيئًا لم يكن.
اقرأ أيضًا علاقة السيكوباتية بالجرائم وصفات الشخص السيكوباتي
ضياع الانتماء والرغبة في الهرب
ولن يجد العاقل الذي كنت تريد قتله مكانًا للعيش فيه، وسيطفح كيله، ولن يجد سبيلًا سوى الهرب وكيف يكون ذلك؟
حسنًا الأمر بسيط بدلًا من أن يملك أحلامًا يريد جعلها واقعًا من أجل أرضه؛ ستكون له آمال للنجاة منها، وستقل درجة انتمائه رغمًا عنه؛ حتى وإن كان يحب أرضه.
وستكون أهدافه التي يسعى لتحقيقها يتخيل نفسه ينجزها في مكان آخر، أو تكون سبيلًا لمساعدته في إدراك مكان آخر، تبادر لسمعه أنه سيجد به تقديره، وأيضًا احتياجاته التي أرهقه البحث عنها في وطنه.
وبذلك تكون قد ضمنت أن يسير الجميع في مزمار واحد ولا أحد منهم تنحرف أفكاره بما يضرك.
ستنهدم الثقافة ولن تجد مواهب أو أفكارًا جديدة أو ابتكارًا.. بل حتى الأفكار القديمة ستموت ويحل محلها الأفكار الجديدة الفاسدة والملوثة، ولن تجد فنًا أو علمًا أو أحلامًا أو أملًا راسخًا.
سيسود التذبذب والرعب، وقد يموت هذا الواعي الذي تخشاه، ليس لأنه حاول أن يحاربك.. ولكن لأنه لم يحتمل كمَّ التفكير الواقع على عاتقه من رغبة في إصلاح أو تجاهل للواقع المميت، أو محاولاته الدؤوبة في النفاذ بجلده؛ لأنه لم يجد عدلًا في النظام.
فلا يوجد جاهل ينجح بمجهوده، فحينها ستفتح المجال للوسائط والغش، ولن يجد سبيلًا لأن يتمكن من اجتياز امتحان أو مقابلة عمل، ليس لأنه لم يعد جديرًا به، وليس لأنه لا يملك المهارات، ولكنه لا يملك المواصفات التي تريدها أو لا يملك أقارب في السلطة.
وبذلك إما يتبع القطيع ويصبح نسخة من المحاط بهم، أو يموت قهرًا، أو أن يكافخ للعيش، وهذا يكون أصعب خيار.
وبهذا لن تصنع مريضًا واحدًا، ولكن جيلًا كاملًا، ومن أجل مظهرك العام يجب عليك أن تُبدي لهم ولاءك، وإن كانت الدماء التي علي يديك هي دماءهم؛ لذلك قبل أي شيء يجب أن تقول: يا أعزائي ضعوا أيديكم في يدي فأنا من ينقذكم الآن.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.