كيف تصنع طفلًا إيجابيًّا؟ «الاعتماد على النفس»

يشكو كثير من الآباء والأمهات بصورة مستمرة من سلبية الأبناء وعدم تعاونهم، أو في الأقل خدمة أنفسهم بأنفسهم دون الاعتماد على الوالدين في كل صغيرة وكبيرة، حتى في أبسط الأشياء، كأن يطلب الابن من أمه تحضير كوب من الشاي لكي يذاكر، أو إحضار الملابس التي سوف يرتديها عند خروجه في نزهة مع الأصدقاء.

فكيف يواجه الآباء والأمهات هذه المشكلة لدى الأبناء منذ الصغر، بحيث يعلمونهم الاعتماد على النفس، بدلًا من الاعتماد على الآخرين في إنجاز مهامهم؟

لماذا تُحمَِل طفلك بعض المسؤوليات؟

مفهوم الذاتية أو الاعتماد على النفس يجب أن يكون حاضرًا وبقوة في أذهان الآباء والأمهات وكل مربٍّ، فلا بد من تعويد الطفل وتدريبه منذ نعومة أظفاره على الاعتماد على نفسه في قضاء حوائجه، دون طلب المساعدة من الآخرين، إلا في أضيق الحدود.

للأسف الشديد، كثير من الأبناء هذه الأيام تعوَّد على الاتكالية والاعتماد على الآخرين في قضاء حوائجه حتى وهو في مرحلة الجامعة، وهو نوع من التدليل الزائد الذي دون شك يفسد الأبناء ولا يصلحهم، لدرجة أن اعتماد الطفل على غيره وتحديدًا والديه، بات في كتابة الواجبات المدرسية، وضرورة جلوس أحد الوالدين بجواره في أثناء المذاكرة حتى عندما يصل المرحلة الإعدادية والثانوية وربما الجامعية.

لذلك بات من الضروري على الآباء والأمهات أن يبذلوا قصارى جهدهم في تعويد وتدريب الأبناء منذ الصغر على مفهوم الذاتية والاعتماد على النفس؛ لأننا بذلك نغرس مفهوم الإيجابية في نفوسهم فتصبح جزءًا من شخصيتهم عندما يكبرون.

كتابة الواجبات المدرسية

والسؤال الآن: كيف أدرب طفلي منذ الصغر على مفهوم الذاتية أو الاعتماد على النفس؟

هناك بعض النقاط التي يمكن أن تساعد الآباء والأمهات والمربين عمومًا في تدريب وتعويد الطفل منذ الصغر على مفهوم الذاتية والاعتماد على النفس. منها تعويد الابن على القيام ببعض الواجبات المنزلية بمفرده، كأن يُعهد إليه ترتيب غرفته بعد أن يستيقظ، أو أن يحضر بعض الأشياء التي يحتاج إليها البيت من السوبر ماركت، فضلًا على المذاكرة وحل الواجبات المدرسية بمفرده، وألا يلجأ لوالديه إلا عندما يستغلق عليه الأمر في فهم مسألة ما.

يراعى في هذه النقطة تحديدًا، أن تكون المسؤوليات ملائمة نوعًا ما لجنس الطفل. فالذكر يتحمل بعض المسؤوليات التي تتفق وذكوريته، وكذلك الفتاة يمكنها أن تساعد أمها في الغسل والكنس والمسح وتجهيز الطعام، وغيرها من المهام التي تتفق وأنوثتها.

تحميل الابن بعض المسؤوليات وإشراكه في شراء بعض السلع من المحلات القريبة من البيت، وإعطائه النقود لشراء هذه المستلزمات، وذلك بكتابة هذه الطلبات في ورقة صغيرة، إلى أن ينضج قليلًا فيعتمد على نفسه وذاكرته في إحضار ما طلبته منه أمه، ولكن يكون ذلك بعد التدريب عدة مرات.

دعه يختار ملابسه لنفسه

كثير من المشادات والخلافات تحدث بين الوالدين والأبناء عند شراء الملابس، أو حتى اختيار الملابس التي يخرج بها الطفل في مناسبة ما. وفي اعتقادي أن هذا نوع من التضييق والخناق يفرضه الآباء والأمهات دون داعٍ على الأبناء، إذ ماذا يفيد الأب أو الأم إذا ارتدى الابن القميص الأبيض أو الأصفر في مناسبة من المناسبات؟! أو أن يرتدي قميصًا أم تيشرتًا عند زيارة الجد أو الجدة؟!

للأسف في هذه النقطة تحديدًا، تحدث كثير من المشاحنات والمشادات والصوت العالي، وقد يصل الأمر إلى حد إجبار الطفل على ارتداء لون معين أو زي معين في مناسبة من المناسبات الاجتماعية. لذلك يتعين على الوالدين أن يكون لديهما مرونة كافية، وأن يسمحا لطفلهما باختيار ما يريد ارتداءه عند الخروج، ولا مانع من محاورته عن سبب اختياره وتفضيله لهذا اللون دون غيره، ولكن دون أن نفرض عليه شيئًا، فهذا من شأنه أن يجعله يعتمد على نفسه، ويقوِّي شخصية وثقته بنفسه.

حتى في أمور العبادات، للأسف أسلوب بعض المربين منفر، حتى إنه قد يجعل طفله يكره العبادة كالصلاة مثلًا أو الصيام؛ لأنه دائمًا ما يلجأ إلى الضرب والتعنيف والسخرية والاستهزاء منه أمام الناس، فيصاب الطفل بالحرج وتتأثر نفسيته وتسوء علاقته بوالديه، ويصبح أداء الصلوات له أمرًا شاقًّا، يفعله اتقاءً لغضب الأب ليس أكثر.

الإيجابية.. التخطيط اليومي على نحو جيد

لكي تنجب طفلًا إيجابيًّا، يجب تدريبه وتعويده على تخطيط يومه جيدًا. بمعنى أنه وقبل أن ينام الطفل، نجلس معه، بعد أن نحضر ورقة بيضاء وقلمًا، ونكتب: في الغد سوف نستيقظ في تمام الساعة الخامسة لصلاة الفجر، ثم نجلس لقراءة الورد اليومي من القرآن الكريم، بعدها نرتدي ملابس الروضة لانتظار الحافلة والركوب مع عمو محمد سائق الحافلة.

بعد العودة من الروضة عند الظهر نؤدي صلاة الظهر، ثم نتناول وجبة الغداء، وبعدها نخلد إلى النوم مدة ساعة أو ساعتين.. وهكذا. أنت بذلك تضع بذرة الإيجابية والتخطيط والتنظيم في طفلك منذ الصغر، فيكبر منظمًا مرتبًا لا يوجد لديه وقت فراغ يضيِّعه.

التنظيم والتخطيط

الرحلات والسفاري خاصة في وقت الإجازات من الفرص المهمة في تنمية مفهوم الذاتية والاعتماد على النفس لدى الأبناء، بداية من اختيار المكان الذي يحب الأبناء الذهاب إليه، ويمكن حصرها في اثنتين أو ثلاثة، وجعل الأبناء يختارون من بينها؛ لتأصيل مبدأ الشورى في البيت، مرورًا باختيار وسيلة المواصلات التي يسافرون بها هل في السيارة أم القطار أم الطائرة، والفندق الذي ينزلون عليه، وهنا يمكن توزيع بعض المهام أو المسؤوليات على الأبناء في الرحلة؟ كأن يكون أحدهم مسؤولًا عن اختيار الفندق، والآخر عن اختيار وسيلة المواصلات المناسبة، والثالث إعداد قائمة بالوجبات المفضلة التي يمكن تناولها.. وهكذا.

الاعتماد على النفس أو التعاون مع الآخرين

في حقيقة الأمر، لا يوجد تعارض بين مفهوم الذاتية والاعتماد على النفس، ومفهوم التعاون مع الآخرين، بل على العكس تمامًا، كلاهما يرتبطان ببعضهما، فالذاتية لا تعني أبدًا الفردية أو الانفراد بالرأي والغرور وعدم الاكتراث بالآخرين المحيطين بنا، فنحن في مركب واحد، إذا تعاونَّا فيما بيننا نجونا، وإن اختلفنا غرقنا جميعًا، بهذه الكيفية يجب أن نربي أبناءنا على مفهوم التعاون مع الآخرين، بحيث لا تطغى علينا الفردية والاستقلالية.

وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، في انتظار تعليقاتكم أسفل هذه المقالة، حول أفضل الأفكار التي استخدمتموها من أجل تنمية مفهوم الذاتية والاعتماد على النفس منذ الصغر.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة