كيف تصل إلى البرستيج الحقيقي والرقي في الأخلاق؟

بريستيج (prestige) كلمة تعني الاحترام والتقدير ورفعة المقام والمكانة والسمعة، إلخ، هذا إلى الكثير من المرادفات التي يتم تجريدها إلى أن هذا الشخص ذا مكانة اجتماعية؛ لما يتحلى به من صفات وقيم، مضافًا إلى هذا الوظيفة المرموقة والمظهر الخارجي والهندام والسيارة الفارهة والسكن الراقي.

البرستيج وتحقيق الذات

ودعونا نتفق أن جميع الصفات السابقة هي حق للجميع في الاجتهاد وبذل الجهد للوصول إليها، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أنها طموح مشروع لتحقيق الذات وإرضاء النفس وحقها في طلب المكانة، فهذا كله لا غبار عليه، ولكن المشكلة الكبرى أن يتحول مفهوم (البريستيج) إلى صفات مذمومة تحمل الكبر والغرور والتعالي ولسان حالك يتحدث إلى الآخرين بلغة العامية التي نسمعها كثيرًا (أنت ماتعرفش أنا مين؟)

تلك المقولة التي أصبحت تتردد على ألسنة فئة من الناس من أصحاب الوظائف المرموقة وأصحاب بعض رؤوس الأموال، فكشفت لنا الطبقية  في أقبح صورها من الأنا العالية والشخصية النرجسية التي تعشق الشعور المبالغ فيه بالأهمية والإطراء المبالغ فيه تحت مسمى خاطئ وفهم مغلوط لمصطلح (بريستيج Prestige)، فأظهرت لنا تلك السلوكيات عقدة النقص وانعدام الثقة بالنفس؛ لأنه عدّ المنصب والوظيفة والمال أدوات سطوة ونفوذ وقوة، وبكل أسف فتلك السلوكيات لم تخرج بعيدًا عن سلوكيات الفتوة أو البلطجي كما كان يصفهم لنا كاتبنا وأديبنا الكبير نجيب محفوظ في روايته، الفارق بينهما فقط هو اختلاف الهيئة والأدوات المستخدمة ومستلزمات العصر.

اقرأ أيضاً هل يمكن أن نقسم الأخلاق ونختار المناسب لنا من بينها ؟

مذا نعني بالبرستيج الحقيقي والرقي في الأخلاق؟

إن ما أردته من السرد السابق ليس الهدف منه الزهد في الدنيا أو عدم تملك الأشياء والتقشف وإهمال الإنسان لذاته، ولكن هي محاولة للفهم الصحيح لبرستيجك الحقيقي أمام الناس الذي يراك الناس أيضًا من خلاله.

فعقلك وعلمك وحكمتك وتواضعك وأخلاقك هم من يعطونك برستيجك الحقيقي أمام الآخرين، وهذا بالطبع بجانب هندامك وهيئتك ومكانتك الاجتماعية، فهذا كله لا يمنع بل هو مطلوب ومرغوب فيه على المستوى الاجتماعي، لذا كانت التنشئة هي صاحبة الدور الأكبر في تشكيل شخصية الفرد..

اقرأ أيضاً نظرة على المجتمعات العربية ورفض الواقع

نصائح لغرس بريستيج الأخلاق في نفوس الأبناء

وتقع المسؤولية الكبرى على الآباء والأمهات في نزع تلك الصفات المذمومة التي تظهر الطبقية في أقبح صورها من خلال فهم صحيح لمعاني المكانة الاجتماعية وليس للتباهي والتعالي بإظهار الفروق الطبقية واستغلاها، لذا فالتواضع والتسامح سمة قد يساهم الأبوان في توريثها منذ البداية من خلال التنشئة السليمة والتوجيه العقلاني بنسبة كبيرة، وكذلك المبالغة في حب الذات والنرجسية وتعظيمها التي يغرسها بعض الآباء والأمهات  بجهل في أبنائهم حتى تصل بهم إلى مرحلة الكبر والغرور هي من أخطر مساوئ التربية؛ لأنها لا تعيش منفردة كصفة داخل صاحبها، بل تقوم بدور المغناطيس فتجذب إليها باقي الصفات الذميمة التي يرفضها أصحاء النفوس، فيصاب صاحبها بهم دون أن يشعر فتنعكس على تعاملاته حتى مع أقرب الناس إليه متخيلاً أنه يصنع برستيچ نفسه.

اقرأ أيضاً الأخلاق و الإيطيقا والسياسة

الفرق بين الكبر وقوة الشخصية

وقد يخلط البعض بين الكبر وبين قوة الشخصية في حين أن الفارق كبير بينهما سواء في المعنى أو ترجمة أفعالها، لذلك فكل صفة ذميمة تصيب المجتمع، فالأسرة مشاركة فيها، وكذلك السمات الطيبة الجميلة؛ لأن البيئة تؤثر فينا ونؤثر فيها، فهي مثل الأرض تخرج الثمرة بحسب ما وضع فيها من بذور، فرقي وصلاح المجتمعات يأتي بتوريث أفراده الصفات الطيبة، وحتى لا يتصور البعض أن كاتب المقال ينشد المدينة الفاضلة أو المجتمع المثالي فهذا محال..

ولكن الهدف هو البحث عن الوسطية وعدم الغلو في تنشئة أبنائنا حتى نخرج جيل ينشد السعادة والسلام النفسي له وللآخرين، ويكون على يقين بأن ما تعلمه ونشأ عليه سوف تنعكس نتائجه عليه أولاً قبل غيره فيعرفه الناس من أخلاقه وأفعاله دون أن يسير مرددًا (أنت ماتعرفش أنا مين ؟) فاجعل أخلاقك هي من تتحدث عنك، وتقول للناس أنت من وابن من!

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة