في طريق علماء البيولوجيا للكشف عن أسرار السرطان، وجدوا مفارقة عجيبة، ففي البداية افترض العلماء أنه كلما زاد حجم وعمر الكائن الحي زادت خلاياه وبالتالي زادت فرصة إصابته بالسرطان، ولأن هذا المرض في الواقع من الأمراض التي تصيب جينات الخلايا، وجد العلماء الأمر غريبًا بالنسبة للكائنات كبيرة الحجم كالفيلة، إذ إن الحيوانات التي تحتوي على عدد خلايا أكبر بـ1000 مرة لا تُظهر سوى إصابة طفيفة بالسرطان.
اقرأ أيضاً هل يمكن للنمل أن يكشف عن السرطان ؟
العملية الحيوية داخل الخلايا
لفهم ذلك علينا أن ندخل داخل الخلية لفهم العمليات الحيوية التي تقوم بها وتلك العمليات تسمى مسارات لها نقطة بداية ونقطة نهاية، وتلك المسارات أشبه بمعدات المصانع، إذ بمرور العمر يمكنها أن تتلف أو أن تُراكم عديدًا من الأخطاء (وتسمى في تلك الحالة طفرات).
وعند حدوث ذلك تقتل الخلية نفسها وإذا فشلت العملية تتحول الخلية العادية إلى خلية سرطانية، ومع تراكم الطفرات الجينية يتراكم معها تكون الخلايا السرطانية.
تلك العملية تحدث في جميع الكائنات الحية، فحجم خلايا الفئران نفس حجم خلايانا البشرية، لكن الفئران تمتلك عددًا أقل وعمرًا أقل، وبالتالي فرصة أقل بالإصابة بالسرطان.
لكن وجد العلماء عكس ذلك، إذ تصاب الفئران بالسرطان بنفس النسبة التي يُصاب بها الإنسان، والأغرب من ذلك أن الكائنات كبيرة الحجم نسبة إصابتها بالسرطان تقترب من الصفر، إذ وجد العلماء أنه لا توجد علاقة بين حجم الكائن وعدد خلاياه وفرصة الإصابة بالسرطان، ولاحظوا أن إصابة الفئران والإنسان بالسرطان واحدة، وهي 30% بالرغم من اختلاف العمر والحجم، ولتفسير تلك المفارقة اقترح العلماء طريقين هما التطور والأورام المفرطة.
اقرأ أيضاً ما تعريف السرطان الثاني؟ وما أعراضه؟
نظرية التطور
اعتقد العلماء أنه حينما ظهرت الحياة على سطح الأرض منذ 600 مليون سنة وأصبحت الحيوانات أكبر وأكبر زادت معها نسبة الإصابة بالسرطان، واضطرت الحيوانات إلى أن تطور آليات ضد السرطان كنقاط فحص للخلايا الشاذة أو قتلها، وبالتالي تقليل معدل الطفرات الجينية فيها.
ومن ضمن تلك الآليات كان نوع من الجينات تسمى "الكابحة للأورام"، إذ تكافح وتهاجم الخلايا الورمية المسببة للسرطان عن طريق قتل الخلية أو إصلاح الخلل في DNA المسبب لنشوء السرطان.
اكتشف العلماء أن الحيوانات الكبيرة تمتلك عددًا كبيرًا من الجينات الكابحة للأورام، ولهذا السبب تحتاج خلايا الفيلة لطفرات أكثر من الإنسان كي يحدث عندها السرطان، إذ لا تمتلك الفئران مناعة كاملة ضد السرطان.
لكنها أكثر مرونة ضده، فمن ضمن تلك الجينات الكابحة للأورام يوجد جين P53 ويُكنى باسم "حامي الجينوم"، إذ يعالج التلف في الحمض النووي ويقتل الخلايا الخاطئة بما فيها الأورام، هذا الجين موجود في كل الكائنات الحية بمعدل نسخة واحدة فقط في كل كائن، لكن خلايا الفيلة تمتلك منه 20 نسخة أخرى.
اقرأ أيضاً معلومات لا تعرفها عن مرض السرطان
نظرية الأورام المفرطة
تلك الأورام ماهيتها غريبة جدًا، فهي أورام ناشئة عن أورام، حين تتجمع الأورام السرطانية بجانب بعضها البعض وتشكِّل نسيجًا تظهر لديها صفة الأنانية، فتشكل بعض الخلايا أورامًا سرطانية أخرى.
في البداية لكي تتكاثر الأورام تحتاج إلى الغذاء، فتأخذه من الإنسان عن طريق صنع أوعية دموية متصلة بالورم مباشرة، وهنا تظهر مشكلة خاصة بطبيعة السرطان، إذ إن خلايا السرطان هي خلايا غير مستقرة وتستمر في النمو والانقسام بطريقة شاذة، حتى إذا ما تكونت الأورام المفرطة تنشق عن الخلايا الأصلية وتعلن استقلالها وتصارع على نفس الغذاء الذي تتغذى منه الأورام الأصلية، هنا يكون السرطان عدوًا لنفسه ويقتل نفسه.
تلك الظاهرة موجودة في الفيلة ولكن على نطاق أكبر لدرجة أن تلك الحيوانات لا تشعر بها أصلا، فحجم الورم في الفئران إذا كان 2 جم كان حجم نفس الورم في الإنسان أقل، وفي الحيوانات الأكبر حجمًا يكون حجمه أكبر بفارق كبير.
- ما الحل، هل نعالج السرطان أم نقي أنفسنا منه؟
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون الحرب على السرطان منذ أكثر من 40 عامًا، كانت نتائج الحرب بعضها مخيب للآمال، فاتجه فريق إلى فكرة ضرورة الوقاية منه وأنها أفضل من إيجاد علاج نهائي للسرطان، إذ تقوم تلك الفكرة على الحد من مخاطر الإصابة وإطالة زمن هؤلاء المرضى الذين شخصوهم بأنهم في حالة متأخرة.. وتستحث فكرة الوقاية خير من العلاج استنساخ تلك الآليات التي تقوم بها الفيلة في مواجهة السرطان ومحاولة تطبيقها على البشر.
المصادر
1- https://www.scientificamerican.com/article/why-elephants-don-rsquo-t-get-cancer/
2- ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3060950/
3- https://www.youtube.com/watch?v=1AElONvi9WQ&ab_channel=Kurzgesagt–InaNutshell
4- https://elifesciences.org/articles/11994#s1
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.