كيف تربي طفلك في مرحلة الروضة؟

تمتد مرحلة الطفولة المبكرة من سن الثالثة حتى السادسة من عمر الطفل، وهي مرحلة غاية في الأهمية والخطورة في حياة الطفل عامة.

فيها تتكون شخصيته، يتشرب عادات وتقاليد وقيم وثقافة المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، ماهر في المشي والجري، فضلًا على البلاغة وطلاقة اللسان، محب للاستطلاع واستكشاف البيئة من حوله.

ويمكن تشبيه هذه المرحلة بأساس أي بيت، كلما كان قويًّا ومتينًا كان أكثر قدرة على تحمل مزيد من الأبنية فوقه.

كيف تهتم بطفلك في مرحلة الروضة؟

وهكذا شخصية الطفل في المرحلة المبكرة من عمره، تتشكل شخصيته، وتصبح جزءًا من شخصيته في المستقبل؛ ولذلك على الوالدين أن يصرفا جهدهما في تربية وتعليم الطفل في هذه المرحلة للأخلاقيات والقيم والمبادئ التي يرغبون في رؤيتها عندما يكبرون.

هذا الأساس الذي نتحدث عنه، لكي يتكون ويصبح متينًا قويًّا لا بد من الاهتمام ببعض الأمور نذكر منها:

الصحة الجسدية

الاهتمام بصحة الطفل مطلب أساسي لإخراج شخصية قوية تتمتع بصحة جيدة.

هذا يعني أنه يتعين على الأمهات تحديدًا الاهتمام بوضع نظام غذائي متكامل للطفل يجمع بين البروتينات والفيتامينات والكالسيوم والمعادن التي يحتاج إليها الجسم في هذه المرحلة؛ لأنها مرحلة نمو وتطور.

يبدأ الطفل في الجري والحركة، النشاط والطاقة، وبذلك يحتاج لصحة جيدة، وجسد سليم لكي ينمو على نحو طبيعي.

يتطلب هذا منع الطفل من تناول المواد الحافظة أو المصنعة، مثل الشيبسي والبيبسي، وكذلك اللحوم المصنعة مثل البرجر واللانشون، فضلًا على الوجبات السريعة.

ويتعين على الوالدين أيضًا إجراء الفحوص اللازمة على الطفل في هذه المرحلة؛ لأن الاكتشاف المبكر لأي مرض أو إصابة يسهل علاجها في مراحلها الأولى، ويعتمد ذلك على نحو كبير على ملاحظة الوالدين لأية تغيرات تطرأ على الطفل.

من الأشياء الضرورية في هذا السياق، تجنب تعرض الطفل للشاشات بأنواعها المختلفة؛ لما في ذلك من أضرار على صحته العامة.

فضلًا على أضرار أخرى تتعلق بتأخر النطق والكلام واحتمالية إصابته بالتوحد وضعف التواصل الاجتماعي، فضلًا على العزلة والانطوائية، والإصابة بالسمنة نتيجة الجلوس وعدم ممارسة الرياضة أو الحركة.

ممارسة الأنشطة

دائمًا ما تكثر شكوى الأمهات من حركة الأطفال في هذه المرحلة، ومع أن هذه الحركة ظاهرة صحية ودلالة قوية على سلامة الأجهزة الحركية للطفل.

فإن الأمهات يتذمرن من ذلك، رغبةً في الجلوس في جو هادئ دون صخب أو ضوضاء يُحدثها الصغار، وهذا أمر يتنافى مع فطرة الطفل على الحركة والنشاط.

يفترض أن يشجع الولدان الأبناء على الحركة والنشاط في هذه المرحلة؛ لكونها مرحلة نشاط وانطلاق، لا خمول وكسل.

دعوني أتوجه لكم معاشر الآباء والأمهات بهذا السؤال، وأنتظر إجابتكم في التعليقات: أيهما تفضل: نشاط الطفل وحركته، أم خموله وكسله؟

هذا يعني أنه يتعين على الآباء توفير الجو المناسب للطفل لممارسة الأنشطة التي يفضلها، ليس هذا فحسب، بل يجب على الوالدين مشاركة أبنائهم لعبتهم أو نشاطهم المفضل، كلما سنحت الفرصة لذلك.

ودعني أخبرك أن ذلك فرض وواجب عليك، وليس من باب التفضل. فالإنجاب لا يعني فقط رعاية الطفل وتوفير المأكل والمشرب والملبس وغيرها من الأمور، بل التربية تقتضي أن تستقطع من وقتك وجهدك ومالك لأولادك، وإلا فما وجه الانتفاع به إذا انشغلت به عن تربية الأبناء الذين هم ثروتك الحقيقية في هذه الحياة وبعد الممات؟!

الطبيعي أنه إذا لم يوفر الآباء والأمهات الألعاب للطفل، ويشغلوا وقته فيما يفيد، فسوف يتجه الطفل إلى مشاهدة الشاشات والجلوس أمامها بالساعات.

وللأسف أمر يستحبه كثير من الأمهات التي يهمها في المقام الأول، ليس صحة طفلها، بل أن تجلس في جو هادئ خالٍ من المضايقات والضوضاء، لكي تتحدث في الهاتف مع قريباتها أو صديقاتها دون أن يزعجها أحد.

حتى بعض الآباء، عند مشاهدته لمباراة كرة قدم، ويلعب طفله الصغير بجواره، ولكي يركز جيدًا في تفاصيل اللقاء المصيري، يبادر بعرض الهاتف النقال على طفله الصغير من أجل الجلوس هادئًا، وهذه كارثة كبرى، وجُرم يرتكبه الآباء بحق أطفالهم.

ماذا عن عقل الطفل في هذه المرحلة؟

بعض السلوكيات الخاطئة التي تصدر من الطفل في هذه المرحلة كالسرقة والكذب وغيرها، لا يفهمها الطفل بعقله الصغير المحدود في هذه المرحلة الدقيقة من عمره، ولذلك من الضروري جدًّا أن يتم تربية الطفل تربية إيمانية منذ نعومة أظفاره.

ويحرص الوالدان أيضًا على تربية الطفل على الصواب والخطأ، المقبول وغير المقبول، وتربيته على الحلال والحرام بما يتناسب مع مرحلته العمرية، نربيه أن الله يحب الطفل الذي يحترم والديه ويسمع كلامهما، الطفل الذي يحب أخاه الأصغر ويعطف عليه، الطفل الذي يساعد الضعيف والمحتاج، الطفل الذي يكرم الضيف عندما يأتي إليه في بيته، وهكذا.

فعقل الطفل صفحة بيضاء، نكتب فيها نحن الآباء والأمهات ما يحلو لنا، وبدلًا من أن نربي الطفل على: سُبَّ عمك، اشتُم خالك، اضرب أمك، نعلمه الأخلاق الحسنة، نربيه على مفهوم الخصوصية، أنه لا يجوز أخذ ما ليس له، ولا أحد يأخذ أشياءك دون إذنك وهكذا.

كذلك عقاب الطفل على الكذب مثلًا ليس صحيحًا؛ لأن الكذب من العمليات العقلية الكبرى التي يصل إليها الطفل في مرحلة لاحقة، لذا لا يجوز محاسبته عليها في هذا العمر.

ولذلك نجده لا يعلم السبب وراء عقابه؛ لأنه لا يعرف معنى أو مفهوم الكذب كما نعرفه نحن الكبار، فالطفل بطبعه أناني لا يعرف الملكية، فكل شيء تقع عليه عينه، هو ملك له.

لغة طفلك

في هذا العصر الذي نحياه بتنا نسمع عن ظهور كثير من الاضطرابات والمشكلات اللغوية عند الأطفال؛ نظرًا لاختلاف طرائق ووسائل التربية عما كانت عليه قبل عقود.

فأصبحنا نسمع عن اضطرابات اللغة والكلام، ونقص الانتباه وفرط الحركة، وطيف التوحد، واضطرابات التواصل الاجتماعي، وغيرها من الاضطرابات والإعاقات التي انتشرت في زماننا هذا.

متابعة وملاحظة الوالدين في السنوات الأولى من عمر الطفل أمر مهم للغاية، من المعروف أن الطفل يبدأ في نطق الأصوات خلال الشهور الست الأولى، قبل أن ينطق أول كلمة له في الشهر التاسع، وغالبًا ما تكون بابا أو ماما.

مرحلة المناغاة تبدأ في وقت مبكر من الأسابيع الأولى، ويصدر الطفل صوتًا على وتيرة واحدة، قبل أن تنوع الصوت في مرحلة لاحقة.

لذلك نجد أن نغمة صوت الطفل في أثناء البكاء توصل لأمه الرسالة المطلوبة، فتعرف ما إذا كان يريد الرضاعة، أم يشعر بألم في بطنه، أم يريد تغيير الحفاضة، وهكذا. فالمناغاة هنا نوع من التواصل بين الطفل الرضيع وأمه.

ومع نهاية العام الأول تبدأ مفردات الطفل في الزيادة، فتصل حصيلته من المفردات إلى 10 كلمات تصل إلى 15 كلمة بنهاية العام الأول، وهكذا، فاللغة لدى الطفل في تطور مستمر.

إذا لاحظ الوالدان غير ذلك، فعليهما زيارة أقرب مختص لفحص الطفل والوقوف على سبب المشكلة من أجل وضع برنامج للتعامل معها، وعلى هذا كلما كان التشخيص في وقت مبكر؛ كان العلاج أسرع.

لذلك يطلق الخبراء والمختصون على هذه المرحلة العصر الذهبي للنمو اللغوي عند الطفل، فيقوده استكشافه للبيئة من حوله، والمشي على قدميه، إلى التعبير والتساؤل والطلب عما يريده من والديه أو المحيطين به.

الشاشات

من الأشياء التي تؤخر النطق والكلام عند الطفل في هذه المرحلة الذهبية من حياته، هو جلوس الطفل ساعات أمام الشاشات بأنواعها المختلفة، مجرد متلقٍّ سلبي لكل ما يُعرض عليه.

ودعوني أتوجه لكم أعزائي القراء بهذا السؤال: أيهما أفضل: الطفل الذي يجلس ساعات أمام الشاشات بأنواعها؟ أم الطفل الذي يداعبه، ويمازحه، ويحادثه والداه؟

بالتأكيد، الطفل الذي يجد من والديه وقتًا يجلسان فيه مع الطفل، يتحدثان إليه، يستمعان منه، فيكون الطفل أكثر طلاقة وقدرة على التعبير عما يريد بالكلمات، وفي كل مرة ينطق فيها كلمة جديدة يشعر بالسعادة.

هذه الأم التي لا تدخر جهدها ولا تضيع وقتًا لتعليم طفلها كلمات جديدة، تأخذه معها إلى المطبخ حيث الخضراوات والفاكهة وأنواع الأطعمة المختلفة المذاق والرائحة والطعم، يتعرف الطفل على أسماء الخضراوات والفاكهة والأطعمة، يتذوق ويعرف الحلو، والمالح، والمر، والحامض وغيرها.

أنت بذلك تزيد حصيلة الطفل اللغوية من الكلمات والمفردات الموجودة في بيئته، وبذلك يكون أكثر قدرة على التعبير عنها بالكلام والحوار، فيطلب من أمه تفاحة، خيارة، جزرة، وهكذا.

ليس هذا فحسب، بل نعرِّف الطفل أسماء أفراد العائلة من حوله، أعضاء جسمه، وغيرها من المجموعات الضمنية.

من الأمور المهمة للغاية في هذه النقطة تحديدًا التي من شأنها ليس فقط زيادة حصيلة الطفل من المفردات والكلمات، لكنها أيضًا تجعل العلاقة بين الوالدين والطفل قوية ومتينة، وتُشعره بالحب، قصة ما قبل النوم.

جرِّب أن تحكي لطفلك قصة قبل النوم ذات مغزى تربوي، واترك لنا في التعليق أثرها في نفسه.

تساؤلات طفلك

من بين الأشياء التي تنمي اللغة عند الطفل، هي الإجابة عن تساؤلاته، وهذه رسالة للآباء والأمهات الذين يتهربون من أسئلة أطفالهم: إجابتك عن أسئلة طفلك، تزيد حصيلته اللغوية، تجعله أكثر قدرة على الكلام والحوار والتعبير، وتنمي لديه الفضول وحب الاستطلاع.

الآباء الأذكياء هم الذين يشجعون أطفالهم على طرح مزيد من الأسئلة، لا أن يمنعوهم أو يتهربوا من الإجابة عنها؛ لأنها سبيل ودليل الطفل لاستكشاف البيئة من حوله.

انفعالات طفلك

الطفل يقلد والديه في كل قول أو فعل يصدر عنهما؛ لذلك يتعين على الآباء مراقبة تصرفاتهم وأقوالهم أمام أعين أطفالهم، فالصوت المرتفع، والعصبية، والانفعال الزائد لدى الوالدين، يكتسبه طفلك تلقائيًّا.

فالطفل يقلد والديه في كل شيء؛ لأنهما القدوة والنموذج الذي يُحتذى في هذه المرحلة المهمة من حياته.

لذلك فالأمهات اللاتي يشكين عصبية أطفالهن وسرعة الانفعال والغضب، أقول لهن: وماذا عنكِ؟

هل أنتِ عصبية، سريعة الانفعال، تغضبين بسرعة؟

إذا كان الجواب نعم، فالحل يكمن إذن لديك لا لدى الطفل، عليكِ بالهدوء والصوت الهادئ والحوار المقنع.

لذلك ننصح دومًا الأزواج بأن تكون مناقشة الأمور الخلافية بعيدًا عن أعين أبنائهم، في الغرف المغلقة، لكيلا تؤثر فيهم نفسيًّا أولًا.

ولأن الأطفال يكتسبون هذه التصرفات في تعاملاتهم مع الأفراد المحيطين بهم ثانيًا، فبدلًا من أن يحل الطفل مشكلاته بالحوار الهادئ، يلجأ إلى الانفعال والصوت المرتفع والعصبية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة