في بداية دخولك عالم القراءة ستقرأ قراءة عشوائية، إذ تقرأ كتابًا نصحك به صديق أو سمعت به أو قرأت مراجعة له، لن تهمك وقتها أشياء كثيرة، فقد يجذبك شكل الغلاف أو اسم الكتاب أو حتى الكاتب.
اقرأ أيضًا فوائد القراءة.. تعرف على أهميتها فى الحياة
أهمية القراءة
لو كنت شخصًا عمليًّا يؤمن بالمعلومة والنقاط، فستبدأ بالكتب وتنفق فيها كثيرًا من الوقت، ولن تقرأ الروايات، فبماذا ستمدك الرواية إنها مجرد قصص!
وبعد عشرين كتاب ستدرك الأساليب المختلفة للكتب، فبعضها يُقرأ في ساعات، وبعضها في أيام، وبعض الكتب ستجعلك تغرق فيها كثيرًا، وبعضها ستُغلقها من أول صفحة ولن تفتحها مجددًا.
وبعد عشرين أخرى ستجد نفسك قطعتَ شوطًا لا بأس به، وستبدأ النهم وتتساءل لماذا بدأت متأخرًا؟ لماذا لم أبدأ القراءة قبل عام أو عامين؟ ستنتقل من كتاب إلى كتاب، وستصبح الكتب وسيلتك لقتل الموضوعات بحثًا.
وفي مرحلة متقدمة ستبدأ التخصص، فلن يكون كتابك عام، بل خاص. ولن تقرأ الفلسفة بالعموم مثلًا وحسب بل ستقرأ ربما عن الوجودية منفصلة، وستكون بمنزلة وضع حجر من أصل حائط حددتَ حدوده بالعموم وبدأت تبنيه، وهذا الحجر إما أن يكون بداية للبناء وإما اكتفاء، كنظرة إلى داخل حجرة مُظِلمة إما شدك شيء بها وإما لا.
ستمر بعدها بمرحلة التخمة، إذ تصبح الكُتب ثقيلة عليك، ما يقودك لتجربة الرواية كنوع من التغيير، وقد تجد ما يجذبك ويجعلك تستمر وتدرك بعدها أنها ليست بهذا السوء، وستقرر أنه لا بأس بها وستكِّون فيما بعد رأيًّا جديدًا.
ستقودك الرواية الأولى للفضول، وستبدأ تبحث عن روايات من هنا وهناك وقد تصطدم بذلك النوع من الروايات الذي ينقلك إلى عوالم أخرى، إلى زمان ليس بزمانك، ومكان لم تطأه قدماك أو تسمع به من قبل. وستعرف أن بعض الناس يعيشون حياة مختلفة أو معاكسة لحياتك، ربما بمستوى أعلى أو أقل، وهذا أول ضوء لاختلاف الرواية عن الكتب، فهي ستنقل لك تجربة شعورية لم تعلم بوجودها.
سترى أنه توجد ثقافات غير ثقافاتك، عادات وتقاليد ربما لن تفهم مغزاها، أساليب حياة قد لا تكون حياة بالنسبة إليك، ستشعر في بعض الأحيان بأنك محظوظ وأن حياتك حافلة بالنعم، وفي بعض الأحيان تشعر بأنها رتيبة وينقصها كثير من الإثارة التي يحفل بها أبطال رواياتك.
اقرأ أيضًا كيف نقرأ بإنتاجية أكبر
تابع أهمية القراءة
سترى ضعف الإنسان الذي يقوده إلى الذل، وترى الضعف الذي يقوده إلى ظلم إنسان آخر، واستعباد شخص أخرى، وستغضب من قلة الحيلة ومن طول الظلم ومن عدم المحاولة وستستبشر وتحتفي بالإنسان الذي يحاول ولا يتوقف. ألم أقل لك، ستعلو وتنخفض شعوريًّا.
بعدها ستعلم أن الرواية موازية للكتاب، بل في بعض الأحيان يكون لها أفضلية عليه. وستدرك أنك بالكُتب إنسان يعلم أشياء كثيرة، نظريات، ومعلومات عن كل شيء تقريبًا، لكن فقط بالرواية يعرف الإنسان إنسانيته، يعرف أن كل ما هو عليه نتيجة لهذا الزمن والمكان الذي هو فيهما.
ولو أن أيًّا منهما تغيَّر ولو لشيء بسيط لتغيَّرت معه حياة الإنسان بالمجمل، وستعرف الضعف والقسوة واللين والحب وتعلم أن الإنسان إنسان لشعوره ومشاركته مع إنسان آخر تجربة الحياة.
فيما بعد ستصبح قارئًا خبيرًا، خبيرًا جدًّا. ستقيِّم الكتب والروايات، وستبدأ الاهتمام بتفاصيل لم تهتم بها من قبل، ستتمعن ظهر الكتاب قبل أوله، وسيصبح عندها تاريخ الإصدار مهم وعدد الطبعة لا يقل أهمية، وستعرف الكُتَّاب كالكُتب، فلكل كاتب أساليبه، وستعلم كثيرًا عن كتاب لم تقرأه لكن قرأت من قبل لمؤلفه.
دودة الكتب التي هي أنت ستصبح معروفًا عند كل مَن يعرفك بحبك للكتب، وستصبح حلولك للناس كتبًا، إذا قال أحدهم أعاني عناد ابني، تقول اقرأ هذا الكتاب. أمرُّ بأزمة في زواجي، اقرئي هذا الكتاب. أريد أن أفتتح مشروعًا، هذا الكتاب هو المناسب لك.
سترتقي بنفسك وتكتسب سعة في النفس، ولن تغضب من الناس ولن تلوم، فأنت عندما قرأت عرفت الإنسان وعرفت نفسك، وعندها ستدرك أسبابك وأسباب الآخرين وأنه ليست كل الأسباب قابلة للإدراك والفهم.
عند الامتلاء بالكتب ستتدفق الكلمات من بين يديك بواسطة قلمك، وعندها ستدخل عالم الكتابة وهذه قصة أخرى.
أغسطس 30, 2023, 5:04 م
nice article
سبتمبر 10, 2023, 2:27 ص
مقال مفيد
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.