نعيش في عصر تغيرت فيه كثير من القيم والمبادئ التي كثيرًا ما اشتهر بها الإنسان العربي منذ عصور الجاهلية، مثل المروءة والشهامة والرجولة، فأصبحنا نرى المظلوم ولا ننصره، والظالم ولا نأخذ على يده. فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة من السلبية؟ وكيف السبيل لأن ننجو بأنفسنا وأبنائنا من تلك الصفة الذميمة التي تعدُّ نقيصة في صاحبها؟
لماذا نحن بحاجة إلى شخص إيجابي؟
قد يسأل البعض: لماذا نحن بحاجة إلى الإيجابية في زماننا هذا؟ والجواب بسيط، إن الإنسان خلق لتعمير الكون، ولا يمكن لشخص أن يعمر الكون، إلا إذا كان إيجابيًّا، ليس مجرد متفرج أو متابع لما يحدث، بل مبادر، يأخذ بزمام المبادرة، ولذلك الناس درجات.
مع كم الرسائل والمواقف السلبية التي نتعرض لها كل يوم، بات من الضروري أن نقف مع أنفسنا وقفة، نحاسبها ونقف على سلبياتها ونحاول علاجها؛ لأن إصلاح النفس هي السبيل الوحيد لإصلاح الأبناء. فالتربية بالقدوة، والأبناء يقلدون الآباء والأمهات في أقوالهم وأفعالهم.
لذلك من الضروري أن يرى أبناؤنا الإيجابية والمبادرة لمساعدة الآخرين، أن يرى الابن أباه يساعد المحتاج، يقف بجوار المظلوم، يسعى لإصلاح ذات البين، يفك كرب المكروب، يقضي الدين عن المدين، وغيرها من القيم النبيلة التي تربينا عليها التي تدعو إليها الأديان السماوية، وتعلي من شأن صاحبها.
الأزمة الحقيقية، أن هذه الطاقة السلبية تنتقل دون أن نشعر للأجيال القادمة، الذين هم مستقبل هذه الأمة، لذا إذا فقدنا الحاضر، فلا داعي أن نفقد الأمل بالمستقبل؛ لأنهم قوة التغيير الحقيقية. والواقع يشير إلى أمراض كثيرة بشبابنا اليوم، بدءًا من تدني الأخلاق، وتقليد الغرب في قَصة الشعر وطريقة اللبس والكلام وغيرها من المظاهر الخدَّاعة، وصولًا إلى التسكع على النواصي وأمام مدارس البنات، حتى الجلوس في البيت في وقت الإجازة دون عمل، معتمدًا في ذلك على أبيه وأمه، وهذه قمة السلبية.
اقرأ أيضًا: تأثير التفكير الإيجابي والسلبي على الصحة النفسية للإنسان
كيف نخرج طفلًا إيجابيًّا؟
ما دام الأمر كذلك، فكيف السبيل إذن لإخراج أبناء يتسمون بالإيجابية وروح المبادرة والنظرة المتفائلة لمستقبل أفضل، على الرغم من كم السواد الذي يحيط بنا من كل جانب؟ إنها القدوة الحسنة، والنموذج الذي يحتذيه الطفل ويحذو حذوه في أفعاله وأقواله وتصرفاته. فالأبناء عندما يرون آباءهم إيجابيين لا شك أن هذه الصفة الطيبة تنتقل إليهم تلقائيًّا، والعكس صحيح. إذا كان الأب سلبيًّا تجاه كل ما يدور حوله من قضايا الأمة، حتى مشكلاته مع جيرانه وأصدقائه وأقاربه، فإن ذلك ينتقل إلى أبنائه.
إن أكبر خدمة يمكن أن تؤديها لطفلك في هذا السياق، أن تُظهر رضاك عن كل ما يحدث حولك، وأن كل شيء مقدَّر حتى قبل أن نجيء إلى هذه الدنيا، وأنها دار ابتلاء، والله الخالق يبتلي ليمحِّص الناس، ويعلم الصالح من الطالح، وإذا كان الأمر كذلك، وكل شيء بقدر، فلا شيء يدعو إلى الحزن أو الإحباط واليأس، بل علينا الأخذ بالأسباب كما أمرنا الخالق، والنتائج عليه وحده عز وجل.
لذلك من الضروري أن يُظهر الوالدان الجانب الإيماني في حياتهما وعباداتهما أمام أبنائهما في مرحلة الطفولة المبكرة، فغرس الأخلاق والقيم والمبادئ، وتشرب العادات والتقاليد، وغيرها من الأشياء التي تكمِّل جوانب النقص في الطفل وتنمو معه، وتصبح جزءًا من شخصيته عندما يكبر.
الكلمة الطيبة والقول الحسن، وحسن الظن بالله، ضرورة لا غنى عنها؛ لذلك على الآباء ألا يبخلوا على أبنائهم بكلمات المدح والثناء والتشجيع؛ لأن ذلك يدفعهم إلى بذل جهد أكبر من أجل نيل رضاء الوالدين وسماع هذه الكلمات مجددًا. وفي المقابل، فإن التوبيخ والإهانة والسخرية من الطفل في أقواله وأفعاله، لا شك أنها تصيبه بالإحباط واليأس، وتجعله يشك في قدراته وإمكاناته، وتهز ثقته بنفسه، وبالنهاية تُخرج شخصية ضعيفة، غير قادرة على الاعتماد على النفس، أو على اتخاذ القرار.
تقول مقولة صادقة "الدين المعاملة". لذلك على الأبوين أن يظهرا الاحترام والتقدير والأخلاق الحسنة في المعاملات مع الآخرين، مع الجيران، والزملاء في العمل، والأصدقاء والأقارب، والضعفاء والمحتاجين، ومع أقرب الأقربين كالزوجة والأبناء بالأخص، فالأقربون أولى بالمعروف، إن رؤية طفلك لمعاملاتك هي جزء من شخصيته مستقبلًا، فاغرس اليوم ما تحب أن تحصده غدًا.
إذا كنا نتحدث عن أهمية القدوة في حياة الأبناء، فإن من الضروري أن تتصف هذه القدوة ببعض الصفات مثل الحلم والأناة والصبر والقدرة على التحكم في الانفعالات وعدم الانجرار إلى التعصب والغضب. وصدق الشاعر حين قال :
يا أيها الرجلُ المعلم غيره هلَّا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواءَ لذي السقام وذي الضنى كي ما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبدًا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
اقرأ أيضًا: خطوات التخلص من الحزن.. وما أساليب التفكير الإيجابي؟
كيف التفاؤل وسط هذا الكم من الفساد؟
كثيرًا ما نسمع من الأبناء هذه الأيام، خاصة عندما يطالبهم الوالدان بالجد والاجتهاد في الدراسة من أجل تحصيل أعلى الدرجات، والالتحاق بأفضل الكليات أسوة بالقدوات والنماذج الجيدة في محيطه العائلي، فإن رد الأبناء يكون صادمًا: وماذا فعل مَن تخرَّج من الكلية وبأعلى التقديرات؟ أليس عاطلًا لا يجد عملًا يناسب تخصصه؟ ما الذي يميزه عن غيره ممن لم يكمل تعليمه أو حصل على الدبلوم الفني؟
وللجواب عن هذه الردود وغيرها، فإنها تحتاج أبًا لبيبًا عاقلًا ناضجًا، كي يوصل إلى ابنه الفكرة، وكيف أن الله الخالق لا يضيع أجر مجتهد، مستحيل أن يستوي من جدَّ واجتهد ومن تكاسل ونام، والعبرة أبدًا ما كانت يومًا تُحسب بالمال أو الشهرة، والواقع خير دليل، فالمشاهير على المنصات الاجتماعية ووسائل الإعلام من أهل الطرب والغناء الكرة، ممن يقدمون محتوى تافهًا يضر أكثر مما ينفع.
على سبيل المثال، ما ظنك إن قيل للناس إن في الميدان الفلاني عالمًا في الفيزياء أو الكيمياء أو أي مجال آخر، وفي الميدان المقابل حيث الفنانة أو الراقصة أو المطربة كذا، ترى أيًّا من الميدانين سيعج بالناس؟ بكل تأكيد وفي زماننا وثقافتنا هذه الميدان الذي توجد به الراقصة. فهل هذا دليل على أنها أفضل من العالم؟ بالتأكيد لا، ولكنه دليل على تدني الأخلاق والقيم والثقافة بهذا المجتمع.
إن استحضار التربية الإيمانية في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا المتشعبة والمعقدة، ضرورة لا غنى عنها، في عصر سيطرت فيها الماديات والمظاهر والشكليات على الناس، فبات الحكم على المظهر لا الجوهر، وهذا مقياس فاسد على الوالدين أن ينتبها إليه في تربية وتعليم أبنائهما منذ الصغر.
اقرأ أيضًا: التوكيدات الإيجابية وسيلتك الفعالة لتغيير حياتك
طفل مبادر
عندما يكون طفلك بجانبك في أثناء عبور الشارع أو الطريق، ورأيت مسنًا يتكئ على عصاه، ادفع طفلك إلى أن يأخذ بيد هذا الجد وأن يعبر به الطريق، بالتأكيد هذا ليس من المرة الأولى، بل يفترض أن طفلك قد رآك مرة وأخرى وأنت تقوم بهذا العمل الطيب، فأصبحت قدوة له، قد يبادر هو من نفسه عند رؤية هذا المسن، وقد يحتاج منك أن تحثه على ذلك.
لكي تخرج طفلًا إيجابيًّا متفائلًا كله يقين بمستقبل أفضل، فإن عليك ألا تضيع أي فرصة أو حدث مهما كان صغيرًا وأن تستغله في الحث عليه إن كان خيرًا، أو الكف عنه إن كان شرًّا أو به أذى للناس.
ختامًا.. وجود أمثال هؤلاء في مجتمعاتنا العربية في هذا الزمان الملبد بالغيوم والسواد والضبابية، من شأنه أن يجعلنا نتنبأ بمستقبل أفضل في وجود هؤلاء الأبناء المتفائلين، ينعكس بدوره على كل جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية حتى الاقتصادية وزيادة الطاقة الإنتاجية.
وأنتم أعزائي القراء شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، من واقع تجربتكم وخبراتكم كونكم آباءً ومربين، وأبرز المواقف والأساليب التي تتبعها لجعل طفلك إيجابيًّا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.