نظرًا لأهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان بوجه عام، كونها الأساس الذي تبنى عليه المراحل التالية، فضلًا على أن شخصية الإنسان تتشكل في هذه المرحلة الحرجة، كان لا بد من الاهتمام بنفسية الطفل، وحمايته من كل ما من شأنه التأثير بالسلب على نفسيته.
يظل موضوع التحرش الجنسي بالأطفال واحدًا من الموضوعات التي تؤرق كثير من الآباء والأمهات لا سيما في تلك المرحلة الحرجة من حياة الطفل الذي بات ظاهرة مقلقة في مجتمعاتنا العربية، خاصة مع الانفتاح على الثقافات الغربية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتأثر بالمحتوى الهادم الذي يصدره الغرب لنا على الشذوذ والعلاقات المحرمة دينيًّا، المرفوضة أخلاقيًّا ومجتمعيًّا.
كون الطفل شخص ضعيف، هذا يجعله هدفًا لأصحاب النفس الضعيفة لارتكاب جريمتهم، إذ يسهل استدراجه عبر إغرائه بشيء ما يحبه، ومن ثم يرتكب جريمته، لتحققه من أن الطفل لا يمكنه التحدث والتعبير عما حدث له من قبل هذا الشخص الوضيع.
قد يعجبك أيضًا كيف نتعامل مع طفل عنيد جداً؟
ماذا يقصد بالتحرش الجنسي؟
يمكن تعريف التحرش الجنسي على أنه محاولة وضيعة لمتعة مؤقتة على غير إرادة من المفعول به وبطريقة خفية مستترة عن أعين الكبار، وغالبًا ما يكون ضحيتها الأطفال في سن مبكرة، وقد تتم بملامسة أعضائه الحساسة أو التعرية أو إتمام العملية كاملة -الشذوذ- بهدف إشباع رغبة الفاعل.
وتظهر عدد من الدراسات والوقائع أن هذه الجرائم عادة ما يكون مرتكبوها من الأقارب، وهذا أمر مقلق لكثير من الآباء والأمهات، فالخيانة لا تأتي إلا من الأقربين، وهو ما يجعلهم متخوفون من ترك الطفل بمفرده مع الكبار في أمكنة مغلقة.
وقد يقع الأطفال الصغار ضحية للاستغلال الجنسي من الكبار بصور مختلفة، مثل التعرية وكشف الأعضاء التناسلية وملامستها أو تعريضه لمشاهدة صور وأفلام إباحية.
قد يعجبك أيضًا صفات الطفل العنيد وكيف أتعامل معه؟
لماذا من الصعب حصر الظاهرة؟
من يقدم على ارتكاب هذه الجريمة، وكونه يفعل فعلًا فاضحًا وجريمة أخلاقية يحاسب عليها القانون، فإنه يلجأ إلى السرية التامة، ويختار بعناية ضحيته، على نحو يضمن عدم قدرتها على الإفصاح والتعبير عن الجريمة التي تعرض لها من قبل الكبار.
لذلك ولسرية هذه الجريمة التي تحدث في جنح الظلام، كان من الصعب رصد وتتبع حالاتها بدقة، والوصول إلى أرقام حقيقية معبرة عن مدى انتشارها في مجتمعاتنا، لا سيما أن كثير من الأسر عند علمها بهذا الأمر، تتكتم على الأمر خشية أن يلتصق بطفلها الصغير هذه الوصمة عندما يكبر.
كذلك الأطفال الصغار يخشون من نقل ما حدث معهم لوالديهم خشية التعرض للعقاب أو اللوم والحرمان من الخروج واللعب مع الأقران، فيفضلون السكوت، وهو ما قد يعرضهم للابتزاز مجددًا من الجناة والكبار المحيطين بهم.
قد يعجبك أيضًا الطفل العنيد.. كيف تتعامل مع طفلك العنيد؟
كيف يحدث التحرش الجنسي؟
جريمة التحرش الجنسي لا تحدث مصادفة أو دون قصد، ولكنه يجري التخطيط لها بعناية من قبل الفاعل، ليتحين اللحظة المناسبة لارتكاب جريمته، يخضع فيها الضحية للرصد والمتابعة الدقيقة مدة قصيرة من الزمن، يقف فيها على أوقات لعبه وخروجه ومع من يلعب أو يخرج، وغيرها من التفاصيل التي تهمه قبل تنفيذ الجريمة والفعل الشائن.
عادةً ما يلجأ مرتكب هذه الجريمة إلى إغراء الطفل أو الضحية بشيء ما يحبه، سواء كان طعامًا أو مشروبًا أو هدايا يحبها، ويحاول التقرب منه واللعب معه.
تبدأ محاولات التحرش بالطفل بطلب رؤية أعضائه التناسلية ولمسها ومقارنتها بأعضاء الكبير الذي يتحرش به، الذي يحاول إقناع الضحية بأن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة، وقتما تنتهي سوف يحضر له الحلوى التي يحبها.
هذا نوع من أنواع التحرش يتسم بالرقة نوعًا ما، في المقابل هناك نوعية أخرى من المتحرشين يلجؤون لأساليب العنف والتهديد من أجل استجابة الطفل لمطالبه، فيرضخ له، لا سيما إذا كان الطفل قد نشأ في بيت تسوده الخلافات والمشادات والشجار المتواصل بين الأب والأم، فيولد في نفسه الخوف، ما يجعله أكثر عرضه للقبول خوفًا من العقاب والتهديد.
على عكس الطفل الذي ينشأ في بيئة سوية يسودها الحب والاحترام المتبادل بين الوالدين، والصراحة والوضوح في العلاقات واحترام الآراء حتى وإن خالفت رأي الوالدين، في هذه الحالة، وإذا ما تعرض الطفل لأي نوع من الاستغلال، فإنه يلجأ لأبويه لكي يحكي لهما ما تعرض له.
ومع أنَّ التحرش سواء حدث برقة أو بعنف يترك أثرًا نفسيًّا بالغًا في نفس الطفل عندما يكبر، لكن وقع التحرش العنيف والقاسي وتحت لغة التهديد يخلف صدمة كبيرة في نفس الطفل لا يمكن الفكاك منها بسهولة.
المتحرش يشبه إلى كثيرًا الشخص المدمن، لا يكتفي بمجرد اللمس والمداعبة، بل يتحول الأمر بالتدريج إلى ممارسة فعلية، وهو ما يمثل خطورة بالغة على الأطفال خاصة ما دون سن المدرسة، إذ ليس بإمكانهم التعبير أو الإفصاح عما تعرضوا له.
يحاول المتحرش بشتى الطرق والوسائل أن يبقي ما حدث سرًّا لا يعرفه أحد، ولذلك تجده يبتز الطفل ويخيفه ويحذره من مغبة كشف السر، فيفتضح أمره وتصبح وصمة عار تلاحقه طوال حياته، فضلًا على العقوبة التي سيتلقاها من والديه حال افتضاح أمره.
بل قد يصل الأمر إلى درجة تهديد الطفل بإيذاء من يحب، كشقيقه أو صديقه أو حتى أحد والديه، إن أحد علم بما حدث، وهو ما يدفع الطفل إلى الكتمان وعدم البوح بما حدث له.
تُشير الدراسات إلى أن غالبية الأطفال الذين يتعرضون للتحرش لا يفشون السر طوال حياتهم، بل إنهم وعندما يكبرون يشعرون بالخزي والعار ويحاولون نسيانه ووضعه في منطقة عدم الوعي، ولا يكشف عنها إلا إذا وصل لمرحلة نفسية سيئة تدفعه إلى الطبيب النفسي الذي يبوح معه بما حدث له في وقت طفولته، ليكتشف بعدها الطبيب أن تجارب الطفولة المؤلمة هي السبب الرئيس لكل المشكلات النفسية التي يعاني منها هذا الشخص.
لماذا يتحرش؟
لا شكَّ بأن غياب الوازع الديني أو ضعفه لدى المتحرش، العامل الأول وراء إقدامه على هذه الجريمة، فضلًا عن غياب المربي الصالح في البيت، في ظل انشغال الوالدين عن الأبناء، فالأب خارج البيت طوال اليوم بحثًا عن لقمة العيش، والأم إن لم تكن عاملة، لكنها تقضي جل وقتها في أعمال البيت والحديث مع الصديقات، فمن أين تأتي التربية السليمة؟
ترك الطفل بالساعات أمام الشاشات بأنواعها المختلفة وتعرضه للمحتويات الإباحية والجنسية منذ صغره وإدمانه لها عند كبره، ومحاولة تجربة ما يراه مع غيره، تدفعه إلى التفكير بالتحرش، ولكون الأطفال لا يمكنهم التحدث عما يتعرضون له، دائمًا ما يكونوا الهدف الأول لأمثال هؤلاء.
لذلك عندما نحذر الأمهات من ترك الطفل بالساعات أمام الشاشات، ليس فقط لأضراره الصحية واللغوية، وإضاعة الوقت في عمل غير ذي فائدة، لكنه أيضًا خوفًا من مشاهدة الطفل لمحتوى عنيف أو إباحي، بأسلوب يؤدي إلى إدمانه مشاهدة هذه النوعية من المحتويات، فينحرف عند كبره ويمارس أفعالًا شائنة بحق الآخرين.
من الدوافع الأخرى للمتحرش هو إشباع الرغبة الجنسية في ظل غياب البدائل، أو تجربة الجنس قبل ممارسته الفعلية مع المرأة، وقد يكون بسبب تعرض الطفل لخبرة جنسية سيئة في طفولته، وقد يكون محاولة إلحاق الأذى بالطفل بدافع انتقامي.
أيضًا من بين الأسباب للتحرش محاولة إثبات الذات والشعور بالقوة والسيطرة وذلك في شخصية ضعيفة مثل الطفل.
الفراغ والبطالة وعدم إشغال الطفل بما يفيد، من الأسباب القوية لهذه الممارسات الشاذة، فضلًا على العزلة والانطواء التي تدفعه إلى التفكير في أشياء غير مألوفة.
في هذا السياق تحديدًا، ننصح الوالدين بإشغال وقت الطفل بما يفيد، بحيث لا يجد وقتًا خاليًا للتفكير في أشياء غير مألوفة، لا سيما في وقت إجازة نهاية العام التي تمتد شهورًا طويلة. لكن كثيرًا من الآباء يصرون على جلوس ابنهم في البيت ويرفضون خروجهم للعمل بدعوى الخوف عليهم.
توجد عوامل أخرى تدفع المتحرش إلى الإقدام على ارتكاب هذه الأفعال المشينة التي ترفضها الشريعة والمجتمع ويعاقب عليها القانون، مثل الإدمان للمخدرات والكحوليات ومشاهدة الأفلام الإباحية. فضلًا على سلبية المجتمع المدني وعدم تحركه للحفاظ على حقوق الأطفال الذين يتعرضون لهذه الأفعال المشينة، وعدم التوعية اللازمة للأسر التي يتعرض أطفالها لهذه الأفعال ويخشون افتضاح أمر أطفالهم، ما يجعلهم عرضة للابتزاز مرات ومرات.
عوامل خاصة بالطفل
في المقابل، هناك بعض الأشياء التي تسهل وقوع الطفل ضحية للتحرش من الكبار، مثل تربية الطفل منذ صغره على الطاعة العمياء، والخضوع والاستسلام أمام ما يطلبه الكبار، ما يجعله يستسلم أمام محاولة الإيقاع به ويجعله فريسة سهلة لمرتكبها.
غياب التربية الجنسية وجهل الطفل التام بها، إذ تبدأ تربية الطفل جنسيًّا منذ الصغر، بتدريبه وتعليمه عدم كشف عورته أمام أحد، وأن يغير ملابسه في غرفته بعد إحكام غلقها، وغيرها من الأمور التي تناسب المرحلة العمرية للطفل.
من الأخطاء التي يقع فيها الوالدين تحديدًا، هي تربية الطفل على الثقة العمياء في الكبار الذين حوله، وعدم إعطاء احتمال واحد للخطأ.
عوامل أخرى
وجود عوامل أخرى مساعدة من شأنها تهيئة المجال أمام وقوع هذه الأفعال المشينة، ولا يجب الاستهتار بها، كأن يكون هناك فصل بين الجنسين في أمكنة النوم، إذا لم يكن الذكور في غرفة والإناث في غرفة أخرى، فعلى الأقل كل منهما يكون له سريره الخاص به في نفس الغرفة.
حدوث الطلاق بين الزوجين وتشتت الأبناء، والفقر وما يستتبعه من وجود إغراءات مادية كالهدايا والملابس والحلوى وغيرها، والتربية الأسرية القاسية والعنيفة، كلها أسباب أخرى وعوامل تساعد على وقوع مثل هذه الأفعال المشينة بحق الأطفال.
توجد مقولة جميلة تقول: "من آمن العقاب، أساء الأدب" لذلك فإن تطبيق القانون على الجناة، من شأنه أن يجعله عبرة لمن يفكر في فعل هذا الأمر وتحقيق الانضباط داخل المجتمع.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات والمعنيين بالطفولة، شاركونا أراءكم في التعليقات حول أسباب التحرش وكيفية التصدي لهذه الجريمة وحماية الأطفال.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.