كيف تحكي لأبنائك تجربتك في التعليم؟

يجلس الأب وهو مستلقٍ على ظهره لمشاهدة إحدى مباريات كرة القدم، ويدخل عليه طفله البالغ من العمر 9 عوام، ليخبره كيف سار يومه الدراسي، وما المشكلات التي واجهته، وكيف أن سائق الباص تأخر عليه بضع دقائق حتى كاد يفقد صوابه.

"أبي اليوم تحدثت لنا معلمة اللغة العربية عن احتفال العالم في الخامس من أكتوبر بيوم المعلم، فالمعلم هو  صانع أمجاد الأمم، وهو مفرخة العلماء والأطباء والطيارين والمهندسين والصيدليين وغيرهم من صفوة المجتمع الذين يقدمون خدمات جليلة للإنسانية، فلولا المعلم لما كان لكل هؤلاء وجود" انتهى حديث الابن.

يستفيق الأب من غفوته على وقع كلمات طفله، وما ردَّدته معلمته اليوم على مسامعه في ذكرى احتفاء العالم بيوم المعلم، ليصب جم غضبه في المعلم، فهو الجشع الذي يأخذ مئات الجنيهات كل شهر مقابل إعطاء الدروس، وهو معدوم الضمير الذي لا يراعي لقمة عيشه بعمله في المدارس فلا يعطي كل ما لديه.

يصمت الأب للحظات ويستذكر ذلك المعلم الذي كان يدرِّس له مادة اللغة الإنجليزية، عندما كان طفلًا صغيرًا، وفي صباح الشتاء القارس، كان يضرب من لا يكتب واجباته بالعصا، فتظل أصابعه عاجزة عن مسك القلم والكتابة حتى آخر اليوم.

يسترسل الأب في سرد وقائع عدة لهذا المعلم وغيره من المعلمين الذين كانوا سببًا في كرهه للمدرسة والتعليم عندما كان طفلًا صغيرًا، حتى إنه كان ينتظر بفارغ الصبر يوم الجمعة لقضاء إجازة الأسبوع، ليلعب ويمرح بعيدًا عن جو الكتابة والمذاكرة الكئيب.

تجاربك تشكل توجهات طفلك

بالنظر إلى الحوار المقتضب بين الأب وابنه، ماذا يُمكننا أن نستشف منه، وما الذي يمكننا توقعه من هذا الابن تجاه معلميه والمدرسة والعملية التعليمية برمتها؟

لا شكَّ بأن تجاربنا التي خضناها وننقلها لأطفالنا عبر الحكاية والقصص تؤثر فيهم كثيرًا، وتكوِّن توجهاتهم نحو الموضوع المثار، فحديث الأب بالأعلى عن معلميه عندما كان صغيرًا وكرهه الذهاب إلى المدرسة بسبب قسوة بعض المعلمين في استخدام العقاب، لا شكّك أنه يترك أثرًا سلبيًا على طفله تجاه المدرسة والمعلم والتعليم ككل.

ومن ثم ينشأ هذا الطفل على كره الدراسة والمدرسة والمعلم، ويشعر بوجود حواجز نفسية بينه وبين معلميه؛ بسبب الصورة التي كونها من حديث أبيه عن معلميه عندما كان صغيرًا، وفي النهاية نتساءل: لماذا يكره أطفالنا المدرسة؟ لماذا يشكو الأبناء من معلميهم؟

الأم التي تجلس مع صديقتها ليستذكرا أيام الدراسة والمدرسة، وبجوارها ابنتها، تتحدق أمامها كيف كانت تكره مادة الرياضيات بسبب صعوبة مسائلها ومعادلاتها، وكذلك مادة اللغة الإنجليزية التي كانت تجتازها بصعوبة بالغة، فقد كانت تعاني من حفظ الكلمات الجديدة، وترجمة المحادثات، حتى القواعد لم تكن تحبها، وأنها مادة الرسوب التي تلازمها في كل صف دراسي تنتقل إليه.

هذه الأم تطبع صورة سلبية في ذهن ابنتها دون أن تدري عن التعليم والمدرسة والدراسة والمواد الدراسية، ولذلك يجب علينا ألا نُفاجأ عندما نرى أطفالنا يكرهون المدرسة ويشكون من صعوبة بعض المواد الدراسية، أو يبكون عند الاستيقاظ مبكرًا رافضين الذهاب إلى المدرسة؛ لأننا للأسف نحن السبب في كل ما يحدث سواء كان بقصد أو دون قصد.

يوم المعلم

من الأشياء المبهجة وجود نماذج أخرى إيجابية في حديثها، أفكارها، خططها، تصورها للمستقبل، بحيث أن كلماتها تجعل من يسمعها يفيض بالتفاؤل والإيجابية، فكم من أب وأم يتحدثون عن تجاربهم في الدراسة والمدرسة عندما كانوا أطفالًا صغارًا، كم كانوا يحبون معلمة اللغة العربية والتربية الدينية، لقد كانت تعاملهم كما لو كانت والدتهم، تحنو عليهم، تقبلهم، تمزح معهم، تسأل عنهم إن تغيبوا.

لقد جعلتهم يحبون المدرسة والدراسة والتعليم، فقد كان مجرد رؤيتها من بعيد مبعثًا للهدوء والراحة والطمأنينة، فما بالنا إذا كانت تدرِّس لنا إحدى المواد، لنشعر بقربها ونتحاور معها، ونرى ابتسامتها الجميلة التي تجعلنا مقبلين على حب المذاكرة وتحصيل العلم.

في يوم الخامس من أكتوبر، حيث يحتفي العالم أجمع بالمعلم، يجلس الأب والأم، مع أطفالهم، ليتحدثوا إليهم عن فضل المعلم، وكيف أنه السبب في تقدم ونهضة الأمم، فلولا المعلم لما كان هناك الطبيب والمهندس وعالم الفلك ورائد الفضاء وغيرهم، فالمعلم سبب في وجود كل هؤلاء لخدمة الإنسانية جمعاء.

يحدثون أبناءهم عن احترام المعلم، ويذكرونهم بما ورد في حقهم، في القرآن الكريم والإنجيل والتوراة، وكيف أن الله عز وجل رفع من قدرهم ومكانتهم، فكل هذه الكلمات وغيرها تزيد من مكانة المعلم لدى طلابه، يجلونه، يحترمونه، يعدونه أبًا لهم، يتلون على مسامعهم أبيات شعرية وأحاديث نبوية وآيات قرآنية عن فضل المعلم ومنزلته.

القدوة الصالحة

إذا كنا نعاني معاشر الآباء والأمهات من غياب القدوة الصالحة لأبنائنا هذه الأيام التي تصدَّر فيها الممثلون والمطربون والراقصون ولاعبو الكرة المشهد، فقد آن الأوان لأن يأخذ المعلم حقه من التبجيل والتقدير من أفراد مجتمعه، وأن يستعيد سابق هيبته ومكانته، بأن نتحدث عنهم بإيجابية تجعل أبناءنا يتخذونهم قدوة ونموذجًا يحتذى لهم.

فلا يصح من الآباء والأمهات التقليل من شأن المعلمين والمعلمات أمام أطفالهم، فإذا كنا ننصح الزوجين بعدم إظهار خلافاتهم أمام أطفالهم حفاظًا على صحتهم النفسية، فكذلك المعلمون، يجب أن نتحدث عنهم بأسلوب طيب أمام أطفالنا، وإذا كان هناك نموذج سيئ، فلا يعني هذا التعميم على جميع المعلمين والمعلمات؛ لأن في ذلك ظلم لهم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة