تتميز العلاقة بين الآباء والأبناء بطابعها الشخصي والخاص جدًّا، وكلما كانت هذه العلاقة قوية ومتينة، كانت عملية التربية أسهل وأكثر متعة، خالية من المشكلات التي نسمع عنها بين الآباء والأبناء في مراحل لاحقة.
لعل كثيرًا من مشكلاتنا نحن الآباء والأمهات أصلها طريقة الحديث والتعبير وكيفية توصيل ما أريد لطفلي، والعكس صحيح. تقول إحدى الأمهات، كنت أمًّا طيبة قبل أن أنجب، كانت النسوة تأتي إليَّ ليسألنني ويأخذن برأيي في المشكلات التي تواجههن مع أطفالهن، إلى أن رُزقت بثلاث عاهات في البيت.
الحقيقة التي يجب أن يدركها الآباء والأمهات أن عملية التربية منهكة ومرهقة ومكلفة، تأخذ من وقتك وجهدك ومالك، هذا الصباح يشكو إليك أحد الأبناء بأنك قد ميزت إخوته عنه، وفي المساء يشتكي الأخ الأكبر بتفضيل الشقيق الأصغر عنه، والفتاة تشكو اعتداء شقيقها عليها، وهكذا طوال اليوم.
توجد مقولة جميلة تقول "عندما يكون شعور الأولاد صحيحًا يكون سلوكهم صحيحًا". وهذا يعني ضرورة تقبل الوالدين لمشاعر الأبناء أيًّا كانت، لأنهم وحدهم الذين يشعرون بها، دون استهزاء أو سخرية أو تقليل منها.
السؤال: كيف تساعد أطفالك على الشعور الصحيح؟
الجواب سهل وبسيط وموجز: أن تتقبل مشاعرهم كما هي. للأسف كثير من الوالدين لا يقبلون مشاعر أبنائهم، فتجده عندما يشكو إليه طفله ألمًا ما في بطنه، أو صداعًا في رأسه، أو قلقًا وتوترًا من قرب دخول المدرسة، وبدلًا من تفهم هذه المشاعر وإبداء التضامن معه وتطمينه، يقول له: أنت تقول ذلك لأنك غاضب.. الأمور تسير على ما يرام.. كل الأطفال في عمرك يقولون هذه الكلمات نفسها.. لا يوجد مبرر لقول ذلك.
مثل هذه المقولات من شأنها أن تجعل الطفل يتجاهل مشاعره شيئًا فشيئًا، لأن الرفض الدائم من قِبل الوالدين لمشاعر الأبناء من شأنه أن يجعلهم مشوَّشين، غير واثقين في مشاعرهم تجاه الأشياء والأشخاص.
الغريب أننا نحن الآباء والأمهات لا نرفض فقط مشاعر الأبناء، ولكننا نحاول فرض رؤيتنا عليهم بألا يثقوا في مدركاتهم، وبدلًا من ذلك يعتمدون على مدركاتنا نحن. لكن دعني أطلب منك أيها الأب وأيتها الأم، أن نبدِّل الأدوار، وأن تؤدي أنت دور الابن، ولتسأل نفسك: لنفترض أنك طفل وشعرت بالإرهاق والإجهاد والتعب أو حتى الملل، كيف توصل ذلك إلى الكبار المحيطين بك؟
الحقيقة أن كل واحد منا شخص مستقل بذاته وبمشاعره وأحاسيسه ومدركاته، يكون الجو حارًّا للبعض، ولكنه جميل بالنسبة للآخرين، قد يكون المسلسل الدرامي مملًّا ورتيبًا، في الوقت الذي ينال إعجاب واستحسان آخرين، قد تكون مباراة الأمس غاية في التشويق والإثارة، وقد يراها البعض أنها مملة ورتيبة.
هل يعني ذلك أنه يوجد أحد مخطئ؟
الجواب أن كل شخص صادق في مشاعره وأحاسيسه ومدركاته، كل واحد منا يشعر بما يشعر به حقيقة، والاختلاف سنة من سنن الحياة، ومن طبائع البشر ورحمة بالناس أجمعين.
بعض الآباء والأمهات قد يقبل فكرة أن يعبر الطفل عن رفضه شيئًا ما أو شخصًا ما بطريقة حادة وغاضبة، ولكن عندما يمسنا من قريب نرفض وندين ونهاجم، وربما وصل الأمر إلى حد التعنيف اللفظي والبدني.
تخيل أيها الأب وأيتها الأم، أن طفلك وفي أثناء حديثه معك أخبرك أنه لا يحب جدته أو جده، لأنهما يفضلان ابن عمه أو عمته عنه، ماذا سيكون رد فعلك؟ (أرجو كتابة الرد في التعليقات).
حتى نحن معاشر الآباء والأمهات منحازون في مشاعرنا طالما الأمر يمسنا من قريب أو بعيد، وهذا أمر غير حيادي، وغير مقبول في تربية الأبناء، إذا كنا نريد تربيتهم بحق على مبادئ وقيم ثابتة لا تتغير وأن نحترم وجهات نظرهم وآراءهم مهما كانت متطرفة، وأن ندربهم على التعبير الصحيح عما يختلج في صدورهم.
في المقابل، فإن منع الطفل أو إسكاته من التعبير عما بداخله، من شأنه أن يدفعه إلى التنفيس عن الكبت الذي بداخله في موقف ما ينفجر ويخرج كل ما في صدره، أو أن يبوح به لأحد الأصدقاء، أو يعبر عنه في بوست عبر حسابه على منصات التواصل الاجتماعي.
نحن الكبار وعندما نقع في أزمة أو مشكلة ما مع المدير في العمل، آخر شيء نود سماعه من الزملاء والمقربين هي النصيحة، أو وجهات نظر الآخرين، ولكننا نكون بأمس الحاجة لمن يبدي تعاطفه معنا ولو بكلمة، لأنه بالنهاية لا أحد يشعر بألمك.
هكذا أطفالنا يبحثون عمن يحنو عليهم، ويعبر لهم عن تضامنه معهم وإحساسه بما يشعرون به، يحتاج طفلك أن تصغي إليه جيدًا وأن تنتبه لكل كلمة يقولها، وعليك وأنت تستمتع له أن تبدي شعور التعاطف معه بتعبيرات وجهك ونظرة عينيك.
فكل ذلك من شأنه تعزيز ثقته بنفسه وبمشاعره وأحاسيسه ويزداد تقبله لنفسه، فضلًا عن زيادة قربه منك وصلته بك، فتكون له الأب والصديق، وما أحوجنا في علاقاتنا بأبنائنا لذلك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.