يعتقد أصحاب المصانع والشركات أن ما يلزم العامل لكي يعمل جيدًا هو أن يكون في قمة التركيز باستمرار، وأن يكون لديه الحماس والطموح اللذان يشحنان الوقود من أجل العمل بكفاءة عالية. فهل هذا فعلًا ما يحتاج إليه العامل من أجل زيادة الإنتاجية؟ أم ثمة وجه آخر لهذا الأمر؟
في ظل العالم المادي القاسي الذي نعيش فيه، نجد تأثير الظروف القاسية على صحة وإنتاجية العمال، وترى أن هذه العبارة الأخيرة تتنافى مع ما ذُكِر في بداية هذا المقال. فأين الحقيقة؟ يجب النظر إلى العمال على أنهم بشر وليسوا مجرد آلات تتحرك بلا إحساس.
تأثير الظروف القاسية في صحة وإنتاجية العمال
ظهرت مشكلات العمال بالتزامن مع الثورة الصناعية، فنحن نتحدث عن مشكلة عمرها يمتد لقرون، إذ كان العامل حينها هو حجر الزاوية الذي تقوم عليه كل العملية الصناعية. ولكن، تدخلت الآلة الآن أكثر مما سبق، ومع ذلك لم ينقص هذا من تأثير العامل في الصناعة في الأقل إلى هذه اللحظة، إذ يوجد كثير من المصانع التي توظف العاملين؛ لأنها ترى ذلك أوفر من الإنفاق على آلات ذاتية التشغيل، فقد لا تنتهي المهمة في هذه الحالة على تشغيل الآلة بعد شرائها، بل يجب توفير متخصصين قادرين على متابعة هذه الآلة وصيانتها باستمرار. لذلك، يجدون أنه من الأسهل الاعتماد على البشر.
وهنا تكمن المشكلة بالاعتماد على البشر بطريقة تجعلهم يعيشون في ضغوط تفوق طاقاتهم مهما كانت كبيرة، مع شحذ هممهم بالكلمات والوعود اللامعة وأيضًا التقديرات الزائفة، وفي خضم كل هذا يتغاضى أصحاب الأعمال والمصانع عن تأثير الظروف القاسية على صحة وإنتاجية العمال، ما قد يؤدي إلى الاحتراق الوظيفي، وهي استنفاد طاقة الفرد كاملة نتيجة كثرة الأعباء والأحمال المتراكمة عليه، والتي تفوق قدراته الشخصية.
أثبتت دراسات عدة أن عمل العمال في ظروف عمل قاسية وبشروط صعبة يؤثر مباشرة على الإنتاجية، فإن كان هؤلاء الأشخاص يضعون العامل في هذه الشروط الصعبة بنية زيادة الإنتاجية تماشيًا مع سياسة حلب الأبقار؛ وذلك سوف ينعكس على أرباحهم سلبيًّا بسبب تأثر الإنتاجية بظروف العمال؛ لأنهم يتأثرون نفسيًّا وصحيًّا بهذا الأمر. ومن ضمن أوجه تأثير الظروف القاسية على صحة وإنتاجية العمال ما سيذكر في السطور التالية.
عدم الالتزام بعدد الساعات المناسب للعمل
توجد مصانع عدة قديمًا وحديثًا أيضًا لا تضع شرطًا فيما يتعلق بالحد الأقصى لعدد ساعات العمل للعمال، بل إنه يوجد بعض المصانع توظف العمال لعدد من الساعات قد يصل إلى ثلاثة أيام متواصلة، فمن من البشر يستطيع تحمل كل هذا المجهود والضغط؟
لذلك، وفي معظم الأوقات لا يحدث الالتزام بعدد الساعات الرسمية للعمل، وهذا هو المؤثر الأول في الحالة الصحية والنفسية للعمال، وهو ما يؤثر في الإنتاجية ويجعلها تنخفض على نحو ملحوظ؛ لأن انخفاض الإنتاجية لكل فرد على حدة يعني انخفاض الإنتاجية الكلية للمصنع.
الإجازات
من أبسط حقوق العمال الحصول على إجازات كل فترة حتى يتمكنوا من مواصلة العمل، وهذا الأمر غير متاح في كثير من الأحيان، إذ لا يحصل العمال على القدر الكافي من الإجازات، ومن ثم تتأثر الصحة العامة للعمال، حتى إنه يوجد كثير من العمال الذين يضطرون إلى قطع إجازتهم بسبب احتياج العمل، وهذا يجعلنا ندخل إلى مشكلة أخرى وهي مشكلة نقص العمالة، فمن ضمن سياسة ترشيد النفقات تقليل عدد العمال، ما يؤثر سلبًا على العمال الذين يعملون فعلًا ويزيد الضغط عليهم.
وضع حد واضح لمتطلبات العمل
وهي من الأمور التي تفتقدها معظم المصانع التي تجرنا في النهاية إلى تأثير الظروف القاسية على صحة وإنتاجية العمال، وتكون السبب الرئيس فيها. فمثلًا، عندما يكون العامل مسؤولًا عن تشغيل آلة معينة، فإنه لن يكون مسؤولًا عن هذا العمل فقط، بل تنضم إلى مسؤوليته هذه مجموعة من المسؤوليات الأخرى. وهذا ما يزيد الضغط على العامل، ويعد أحد أشكال استغلال العمال في المصانع، وفي المقابل لا يحدث تقدير لهذا العامل على هذا العمل الزائد من الناحية المالية، إذ يتقاضى نفس الراتب دون أي زيادة، ما يؤثر بالطبع في الإنتاجية.
الاستغلال العمالي.. مسؤولية الشركات والمستهلكين
نضع كل ما ذكر في السطور السابقة تحت لواء الاستغلال العمالي. لذلك، تقع المشكلة أو المسؤولية في هذا الأمر على كل من الشركات التي توظف هؤلاء العمال، وأيضًا على المستهلكين. لا تتعجب من هذا الأمر يا صديقي العزيز؛ فإن كنت مستهلكًا يشتري منتجًا معينًا من شركة معينة تعلم جيدًا أنها تمارس الاستغلال العمالي، فمن ضمن المسؤولية الواقعة عليك ألا تشتري ما تريد من هذه الشركة وتبحث عن السلعة البديلة من مصدر آخر.
أما بالنسبة للشركات، فإن النقاط التالية تشرح المسؤولية الواقعة عليهم:
- تشغيل العمال في سن التشغيل الرسمي.
- عدم تشغيل الأطفال أو الأفراد في سن أقل من السن القانوني للعمل.
- تشغيل العمال في حدود عدد الساعات الرسمية، ويتم محاسبة العمال على أي ساعة زائدة عن العمل.
- توفير ظروف بيئية وصحية مناسبة لا تسبب لهم أمراضًا في المستقبل.
- حفظ كرامة العامل وإصدار العقوبات التي تتناسب مع حجم الخطأ.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.