لقد شهد العالم تطورات تكنولوجية متلاحقة مهدت الطريق لبداية عهد جديد يسميه المؤرخون عصر تكنولوجيا المعلومات، والثورة التي شهدت ولادة أهم ابتكارات العقل البشري.
وأبرز خصائص هذا العصر هو «الكمبيوتر»، وهو نتاج التقدم العلمي المعاصر، وإحدى الركائز التي توجه هذا التقدم.
أسهم المنطق الرياضي بصورة فعالة في بناء وتطوير علوم الكمبيوتر المختلفة مثل الأجهزة والذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات ولغات البرمجة... إلخ، وكلها تشهد بأنها مشتقة من موضوعات المنطق الرياضي، وهو أحد أهم مجالات المعرفة التي لا يمكن عدها بمعزل عن الاتجاهات المعرفية الحالية والمستقبلية، ولا يمكن اختزالها أو طمسها للتعامل مع الأسئلة الجزئية المنفصلة عن بعضها البعض، ولكن يجب دمج المعرفة المنطقية بتطبيقاتها المتعددة.
قد يعجبك أيضًا
جوك تكنولوجيا | أرقام سناب شات الجنونية.. الهند وأمريكا ربع مليار.. والسعودية الأول عربيًّا
تاريخ منطق الكمبيوتر:
كان «الكمبيوتر» حلمًا في أذهان علماء الرياضيات والمنطق، ثم أصبح حقيقة ملموسة تهدف إلى تنفيذ إجراءات حسابية معقدة في وقت قصير وبدقة شديدة.
كان للمناطقة والرياضيين دور كبير في بنائها وتطويرها. بدأت علاقة المنطق وأهميته بالكمبيوتر منذ عشرين أو ثلاثين عامًا.
على الرغم من أن تطبيقات المنطق ليست مهمة في علوم الكمبيوتر كما كانت في الرياضيات، يعتقد البعض أن المنطق أكثر أهمية في علوم الكمبيوتر من دوره في الرياضيات؛ لأن أجزاء كبيرة من علوم الكمبيوتر هي تطبيقات للمناهج المنطقية في أشكالها المختلفة.
قد يكون هذا هو ما دفع البعض إلى القول إن «المنطق هو أساس الحوسبة»، وأن أسس علم الحاسوب وأطره غير صحيحة دون الاعتماد على علم المنطق.
تنتمي تطبيقات منطق «جورج بول» في الكمبيوتر إلى نوع أكثر عمومية، وهو «الاتجاه التطبيقي للعلم المنطقي»، وهو أحد أهم فروع المعرفة البشرية.
قد يعجبك أيضًا البيانات والمعلومات... المكوِّنات الماديَّة... البرمجيات... العنصر البشري... ومكوِّنات نظام الكمبيوتر
مفهوم الاتجاه التطبيقي للعلم المنطقي:
للوهلة الأولى، اختلف العقلانيون في تطوير تعريف عام للاتجاه التطبيقي لعلم المنطق؛ وهذا لأن أحد أكثر الخصائص المحددة للتعريف العلمي الصحيح هو أنه يُقدَّم على أنه تعريف شامل -وهذا ما يسمى تعريفًا بحد كامل- أي يجمع جميع أعضاء المعرَّف معًا، وفي في الوقت نفسه يمنع إدراج الأفراد المتباينين الآخرين في التعريف.
هذا الفهم، على الأقل، لا ينطبق على تعريفات الاتجاه التطبيقي للعلم المنطقي. على الرغم من ذلك، عمل بعض المناطقة جاهدين للتوصل إلى تعريفات محددة، لعل أهمها:
· تطبيق المقاربات المنطقية والرياضية على المشكلات الأساسية التي تتجاوز المجالات التقليدية للمنطق الرياضي. علم الحاسوب هو المجال الرئيس للتطبيق، ولكن توجد أيضًا تطبيقات مهمة في مجالات أخرى.
· امتداد لحدود المنطق لتشمل التغيير وعدم اليقين وقابلية الخطأ وما إلى ذلك. بعيدًا عن كونه دراسة لمقترحات الأسود والأبيض الثابتة الموجودة في ذهن شخص واحد، فإن المنطق التطبيقي يهدف إلى دراسة الاتصال من خلال اللون الرمادي. وبالتالي، فإن المنطق التطبيقي هو إعادة بناء لدراسة الأساسيات.
· اهتمامه الأساسي بمسائل الفكر الإنساني. لذلك، فهو وثيق الصلة بموضوعات الذكاء الاصطناعي والعلوم المعرفية... إلخ، والعلوم التي يتركز اهتمامها على دراسة الفكر الإنساني.
· يتقاطع المنطق التطبيقي مع كثير من الدراسات التي لها في حد ذاتها صعوباتها ومزاياها
قد يعجبك أيضًا ذاكرة الوصول العشوائي (ram)
علاقة المنطق بعلوم الكمبيوتر
يُعد علم الحاسوب من أهم العلوم الرياضية الشكلية الاستنتاجية في دراسة الاستدلال الصحيح، والذي استخدم بشكل متكرر نظريات المنطق الرياضي لصياغة أفكاره الرئيسة.
تفاعلت النظريات المنطقية مع علوم الحاسب بطريقة مثمرة وجادة، وأصبح هذا التفاعل بينهما محفزًا ساهم من خلاله المنطق في تطوير علوم الحاسب، وكانت هذه العلاقة بداية تعاون علمي وثيق بينهما حتى ذلك الوقت.
أشارت بعض كتابات المنطق إلى وجود علاقة وثيقة بين المنطق وعلوم الكمبيوتر، وبالمثل، ذكرت بعض الكتابات المتخصصة في علوم الحاسب إمكانية جلب أسس العمل والتصميم والبناء لبرامج هذه العلوم إلى أصول منطقية، دون التطرق لأي من تفاصيل هذه العلاقة، ودون التعامل مع الباحث. والتحليل هو الحلقة المفقودة بين النظرية والتطبيق وهي «كيفية التطبيق».
تتميز المعالجة المنطقية لعلوم الكمبيوتر بأبعادها المختلفة. ويمكن تطبيق مناهج المنطق بنجاح في علوم الكمبيوتر، من دورها في بناء الأجهزة، من خلال تطوير برمجياتها، إلى الروبوت، وكلها تتحول إلى أن تقوم على المنطق.
وبالتالي، يلعب المنطق الدور نفسه في علوم الكمبيوتر مثل الحساب في الفيزياء. وهو مؤسس ومطور تكنولوجيا المعلومات.
قد يعجبك أيضًا التحقيق في تأثير وقت الشاشة على فترة الانتباه
نظام الأرقام الثنائية:
بدأ تطوير الحاسوب بصناعة الآلات الحاسبة حتى وصل للحاسوب الرقمي، ولأنه رقمي كان لا بد من تحويل كل ما يغذيه إلى أرقام.
الرقمنة هي إحدى سمات حضارة اليوم. لغة الكمبيوتر التي يتحدث بها -عندما يتلقى البيانات ويعالجها ويعبر عن النتيجة- ليست مثل اللغات البشرية؛ لأن إذا كان الأمر كذلك، فيمكننا التحدث مباشرة إلى الكمبيوتر.
وهذا ما يسمى نظام الأعداد الثنائية الذي ابتكره عالم الرياضيات والمنطق «جوتفريد لايبز» لتمثيل الفكر المنطقي -القائم على (الحقيقة والخطأ)، (الوجود والعدم)، (1 و صفر)- وهو ركيزة أساسية في الكمبيوتر. وهو في الوقت نفسه أبسط تعبير عن وجهي الحقيقة.
البساطة هي موضوع يجمع بين المنطق والرياضيات، وعندما ولد الحاسب جاء لإشباع الحاجات المنطقية والرياضية على حد سواء، بالإضافة إلى الاحتياجات الإجرائية، وطوَّر الكمبيوتر اللغة والأداء عبر أجياله المتعاقبة.
ولكن في الأساس بقيت فكرة بنائها العقلي -الذي يقوم عليه البناء الفني- تمثيل المعرفة في إطار قواعد التفكير المنطقي من خلال مجموعة من الصيغ، فهي تساوي (1) في حالة اكتمال وسلامة عناصر الاستدلال، وتساوي (صفرًا) في الحالات المقابلة.
ما يفصل بين الإنسان والحاسوب هو مسار مستمر من الطبقات التي تحركنا -ننتقل من الإنسان إلى الكمبيوتر- من الواقع الخارجي إلى التفاصيل الداخلية لنظام المعلومات الذي يعالجها، ودائمًا إلى ما هو أكثر تجريدًا حتى ذلك.
يقودنا إلى الوجهة النهائية لجميع البرامج، وهو ثنائية « الصفر والواحد».
المرجع:
عصام الدين، أحمد، (2021م)، منطق الكمبيوتر: بحث في علاقة منطق جورج بول بالهاردوير، مجلة جامعة مصر للدراسات الإنسانية (العلوم الاجتماعية والإنسانية) المجلد الأول، العدد الأول، يناير 2021م. ص ص : 274-268
قد يعجبك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.