كيف انتشرت ظاهرة «قط oia» الطريفة عالميًّا؟

انتشرت في السنوات الأخيرة مقاطع فيديو طريفة لقط يدعى (قط أو آ إي إي) الذي يعيد إنتاج أشهر وأهم الأغنيات العالمية، لكن بأسلوبه الخاص. 

فكرة عبقرية: لا ندري إذا كانت محض صدفة من مبتكر هذا الـ(meme)، فهل كان يخطط ليلقى كل هذا الرواج؟

 يبدو أن هذه الأصوات تتوافق مع التفضيلات السمعية البشرية، ما يدفعنا إلى التساؤل عن الأسس الفونيتيكية والسايكولوجية التي تجعل من هذه التراكيب ممتعة للأذن.

ويهدف هذا المقال إلى دراسة العوامل الفونيتكية (الصوتية) والرنينية والسايكو-أكوستيكية (علم النفس السمعي) التي تجعل هذه الأصوات جذابة، إضافة إلى تحليل تأثيرها في التفاعل الثقافي، وانتشارها الواسع. 

التركيبة الصوتية (آ أو إي)

1. إنتاج الحروف المتحركة والاهتزازات الصوتية

يُنتَج صوت الهمزة (ء) في اللغة العربية بانقطاع مؤقت لتدفق الهواء عند الحنجرة، ما يؤدي إلى توقف لحظي للصوت قبل إطلاقه مجددًا، أما الحركات الطويلة مثل (آ) و(أو) و(إي) فتتميز بانفتاح مجرى الهواء، ما يسمح بانتشار الترددات الصوتية الغنية، وهو ما يُفسّر تأثيرها القوي في السمع. 

  • (آ) (/ʔaː/): صوت منخفض ومفتوح ذو ترددات أساسية قوية، يُعطي إحساسًا بالدفء والاستقرار. 
  • (أو) (/ʔoː/): صوت وسطي خلفي مستدير، يتميز بعمق أكبر، ما يجعله هادئًا ومريحًا للأذن. 
  • (إي) (/ʔiː/): صوت أمامي عالي التردد، يتميز بنبرة حادة وجاذبة للانتباه. 

يُشابه توزيع هذه الترددات الطبيعية رنين القناة الصوتية البشرية، ما يجعلها مريحة عند السماع، إضافة إلى أن التباين بين الأصوات المفتوحة والمستديرة يضفي عليها ديناميكية سمعية تزيد من جاذبيتها. 

تذكر البحوث الصوتية أن كل حرف متحرك يمتلك ترددات رنانة خاصة به تُسمى "الفورمانت"

2. العوامل النفسية والصوتية في انتشار هذه الأغنيات 

الترددات الرنانة والتناغم الصوتي:

تشير البحوث الصوتية إلى أن كل حرف متحرك يمتلك ترددات رنانة خاصة به، تُعرف بـ(الفورمانت - Formants): 

  • الترددات المنخفضة كما في (آ) تُعطي إحساسًا بالاستقرار والدفء. 
  • الترددات المتوسطة كما في (أو) تُنتج نغمة متوازنة ومريحة. 
  • الترددات العالية كما في (إي) تُثير الانتباه وتعزز الطاقة الصوتية. 

هذا التنوع في الترددات يحاكي الأنماط النغمية الطبيعية في الكلام البشري والموسيقى، ما يزيد من تذكرها وسهولة تكرارها. 

3. الاستجابة العاطفية والتكيّف البيولوجي

تشير دراسات علم النفس السمعي إلى أن بعض الأصوات تُحفّز استجابات عاطفية غريزية، فالرضع على سبيل المثال ينجذبون إلى الأصوات الحادة مثل (إي)، في حين تمنحهم الأصوات العميقة مثل (آ) شعورًا بالطمأنينة؛ لذلك فإن تركيبة (آ) أو (إي) تحاكي هذه الاستجابات الطبيعية، ما يجعلها ممتعة وغير مزعجة للمستمعين. 

4. الإيقاع والتأثير الموسيقي

تتميز هذه الأصوات ببنية إيقاعية تكرارية تُشبه التراتيل الدينية والتلاوات الشعائرية التي تُستخدم في العلاج بالموسيقى، فالتكرار والإيقاع الرتيب يُولّد تأثيرًا مغناطيسيًّا يجعلها جذابة للسمع، وهو عامل أساسي في انتشار المحتوى (الأو-ءا-ئي) عبر منصات التواصل.

دور هذه الظاهرة في تعزيز التقارب الثقافي

لعل أهم ظاهرة ترتبط بهذا الـ(meme) الرائج تكمن في الطريقة التي تُحوّل بها الكلمات إلى مجرد أصوات وإيقاعات، دون الحاجة إلى معنى محدد، هذا التأثير يُشبه التوجهات الموسيقية الحديثة التي تعتمد على الأصوات والإحساس اللحني أكثر من الكلمات ذاتها، ما يُمكّن الأشخاص من مختلف اللغات والثقافات من الاستمتاع بالمحتوى نفسه دون حواجز لغوية.

في عالم تُعد فيه اللغة أحيانًا عاملًا يُعيق التفاهم، فإن هذه الظاهرة الصوتية تُقدم نموذجًا بديلًا للتفاعل، فالمعاني لا تهم بقدر ما يُهم الانسجام الصوتي والتأثير الموسيقي، ومن هذا المنطلق يُمكن عد هذه التوجهات الصوتية أداة لتعزيز التقارب الثقافي عبر الموسيقى بالتركيز على العنصر اللحني المشترك بدلًا من المعاني المختلفة بين اللغات. 

رغم أن اللغة تعد عائقًا أحيانًا فإن الظاهرة الصوتية (قط أو آ إي إي) تقدم نموذجًا بديلًا للتفاعل

إن الانتشار الواسع لنمط (أو) - (آ) - (إي) في إعادة إنتاج الأغنيات ليس مجرد صدفة، بل يستند إلى مبادئ علمية في الفونيات والرنين الصوتي وعلم النفس السمعي، فالكيفية التي تُنتج بها هذه الأصوات إلى جانب تأثيرها العاطفي تجعلها محبوبة وسهلة التكرار، فضلًا على ذلك فإن قدرتها على تجاوز الحواجز اللغوية والتركيز على الموسيقى بعدها وسيلة للتواصل تُبرز قيمتها في التقارب الثقافي.

ويبرز تأثير العولمة، وتجسد تأثير الدومينو الذي يتجلى في مختلف الشطحات التي قد يبدو بعضها غريبًا، على سبيل المثال السلوك الذي انتشر في جائحة (كوفيد 19) عام 2020، وهو اندفاع الناس إلى الانضمام إلى مجموعات افتراضية ذات محتوى سخيف، أثبت أن الحاجة الإنسانية للّهو تتخطى كل الحسابات، فقد انضم الناس على اختلاف انتماءاتهم المهنية وطبقاتهم الاجتماعية إلى مجموعة تدعى (We pretend we are ants).

والسؤال المطروح الآن: هل يساعد العلم صانعي المحتوى على إنتاج مواد أكثر قابلية للانتشار؟

المصادر

  • Boersma, P., & Weenink, D. (2001). *Praat, a system for doing phonetics by computer*. Glot International, 5(9/10), 341-345.  
  • Chomsky, N., & Halle, M. (1968). *The Sound Pattern of English*. Harper & Row.  
  • Ladefoged, P. (2001). *A Course in Phonetics*. Heinle & Heinle.  
  • Stevens, K. N. (1998). *Acoustic Phonetics*. MIT Press.  
  • Patel, A. D. (2008). *Music, Language, and the Brain*. Oxford University Press.
  • Juslin, P. N., & Sloboda, J. A. (Eds.). (2010). *Handbook of Music and Emotion: Theory, Research, Applications*. Oxford University Press.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

لأول مرة اعرف انتشار هذه القطة عالمياً.. مشكورة يا كوثر على المعلومات
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة