هل يمكن للجيوش أن تنظّم الدول وتديرها؟ لا يؤخذ الموضوع بهذه السطحية؛ فنحن نتحدث عن دولة مملوكية كانت تتكون من مجموعة من الدواوين، منها ديوان الجيش وديوان الإنشاء وديوان الأوقاف الخاص بالإقطاعات التي كانت تخصص للدواوين حسب قوتها واحتياجاتها.
لذلك ضع في معلوماتك أن بتنظيم المماليك جيشهم؛ لإدارة دولتهم أصبح بالإمكان تنفيذ أوامر السلطان، ومن المؤكد أنها ليست كلها أوامر عسكرية تخص الجيش فحسب، بل إن غالبها كانت لتنظيم شؤون البلاد والعباد وإدارتهما، فهل تريد أن تعرف كيف نظم المماليك جيشهم لإدارة دولتهم؟
كيف نظم المماليك جيشهم لإدارة دولتهم؟
أشرنا في السطور السابقة إلى أن أهمية دور الدواوين مع كونها متداخلة ومتشابكة، وعلى الرغم من وجود ديوان خاص بالجيش، وديوان آخر خاص بالأوقاف، لكن العمل بين الديوانين كان مستمرًا لا يتوقف، فمن المعروف أن نفقات الجيش باهظة، لا سيما أن الجيش جهة مستهلكة، ولا تُدخل أي إيرادات للدولة باستثناء الغنائم التي يحصل عليها بعد الانتصار في كل معركة أو فتح البلاد الجديدة وضمها إلى الإمبراطورية المملوكية.
كانت تتحالف الدواوين كلها من أجل تجهيز الجيش في أوقات الحروب، والدفاع عن البلاد ضد أخطار المغول وأخطار الصليبيين التي كانت متكررة في أثناء حكم دولة المماليك.
فمثلًا يخصص ديوان الأوقاف إقطاعات الجيش من أجل الإنفاق على الاحتياجات التي تلزمه من رواتب الجنود والبنايات اللازمة والأسلحة والمعدات التي يحتاجون إليها سواء في التدريبات أم من أجل تدريب العبيد المستقدمين من الخارج، أم في الحروب، أم في الحملات التي كانوا يشنونها على الإمارات التي كانت تحدث فيها تمردات، أم التي تتعرض إلى هجوم من الخارج.
ونسأل سؤالًا آخر، هل نظم المماليك جيشهم لإدارة دولتهم؟ في الحقيقة نجد أن هذا الأمر حدث على نحو ظاهر جدًّا، فعندما نتحدث عن ظواهر كارثية مثل انتشار مرض الطاعون ينظم الجيش الأمور داخل الأسواق وفي مجالات الحياة كلها، وأيضًا كانت توجد فرق من الجيش تنتشر في البلاد، وتكون مسؤولة عن إدارة المعاملات بين الناس وإدارة شؤون الحياة عامة في حالات الحروب.
كيف أسهم نظام الإقطاع في تقوية دولة المماليك؟
استمدت دولة المماليك معظم قوتها من النظام العسكري الذي كان مفروضًا داخل البلاد، وأيضًا من الحملات والمعارك التي كانت تمارس خارج القطر، وإن ركزنا في تعريف الإقطاع فإنه من الصعب الوقوف على تعريف محدد لهذا المصطلح؛ لأن الإقطاع وجد من قديم الأزل، حتى إنه كان يوجد من أيام الدولة المصرية.
وأشهر أنواع الإقطاع، الإقطاع العسكري، وهو قطعة الأرض أو الزارع أو أي مصدر من مصادر الإنفاق التي كانت تخصص بالكامل أو جزء منها من أجل الأغراض العسكرية والإنفاق عليها، وعلى الرغم من أنه أسهم في تقوية دولة المماليك، فإنه شابته أوجه كثيرة من أوجه الفساد؛ وذلك بأن خصصت إقطاعات أكثر من الحاجة للجيش وللسلطنة، ما جعل مجموعة معينة من الطبقات في العصر المملوكي تعيش في بذخ وترف على حساب الطبقات المتوسطة والدنيا التي كانت تعاني أشد المعاناة غلاء المعيشة والوجود في الشوارع بلا مأوى، وتجلّى هذا الأمر في أوقات الحروب وأوقات انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة.
وقد أسهم نظام الإقطاع في تقوية دولة المماليك، وعلى الرغم ذلك كانت توجد طبقة تسمى طبقة الإقطاعيين؛ وهم مجموعة من كبار التجار وملاك الأراضي الذين كانوا يملكون الأراضي التابعة للنظام الإقطاعي، وكان يعمل العوام المصريون في هذه الأراضي في الزراعة، وفي كثير من الأحيان كان يعمل الفلاحون في هذه الأراضي بنظام السخرة، أي إنه يعمل وقتًا طويلًا في اليوم عملًا يفوق طاقات البشر، وفي الوقت نفسه لا يتقاضى الراتب المستحق، أو قد لا يحصل على أي راتب، ومن الممكن ألا تصرف له المؤن التي تعينه على العمل، أو يصرفها على أضيق الحدود، فلا يكفي ما يأكله ويشربه حجم المجهود المبذول في الأعمال الزراعية والفلاحة التي يمارسها في أرض الإقطاعيين طوال اليوم.
وكان النظام الإقطاعي من أنجح أنظمة إدارة الدولة وتخصيص المخصصات المالية والمادية لإقامة الدولة وإدارة شؤون البلاد والعباد في بداية عهد دولة المماليك البحرية، لكن ظهرت معالم الفساد في النظام الإقطاعي، فأصبح يعمل دون مصلحة الدولة؛ وهو من عوامل تفكك مفاصلها وانهيارها وعدم قدرتها على مواجهة العثمانيين عندما أتوا لغزو البلاد والسيطرة عليها.
نظام الإقطاع العسكري وتوزيع الأراضي في دولة المماليك
كان من الممكن أن يعمل الإقطاع العسكري في صالح الجيش المملوكي والبلاد عمومًا لو استغل استغلالًا صحيحًا دون أن يشوبه الفساد الذي شابه الفساد في عهد سلاطين المماليك وأعوانهم ممن كانوا يتعاملون مع البلاد على أنها فرصة للثراء الفاحش والحياة الباذخة والترف الذي لا حدود له.
وقد اقتُطع كثير من مخصصات الدولة بأسلوب فجٍّ جدًّا، ومن الأمور التي زادت المشكلات في الدولة المملوكية هي فرض الاستقطاع على المكوس والضرائب والجباية التي كانت تحصلها الدولة من التجار والفلاحين وآخرين من فئات الشعب، فقد رأى فيها العسكريون فرصة من أجل زيادة مخصصات الجيش.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.