كيف أصبحت الهند نموذجًا مدهشًا في تكنولوجيا المعلومات؟

لا يخفى على المهتمين بمجال تكنولوجيا المعلومات ذلك النجاح الكبير الذي حققته دولة الهند في السنوات الماضية، وهو ما يدعو إلى الدهشة ويطرح كثيرًا من التساؤلات عن الدولة التي كانت تعاني البطالة والفقر والمشكلات الداخلية وتدني مستوى المعيشة في النصف الثاني من القرن العشرين، فكيف استطاعت الهند أن تحقق هذا التقدم الكبير والملحوظ في أحد أصعب المجالات التنافسية على مستوى العالم؟

سؤال نحاول الإجابة عنه خلال هذا المقال الذي يتناول تجربة الهند في مجال تكنولوجيا المعلومات، لعلنا نستفيد منها ونفهم كيف يمكن إحداث التغييرات الكبيرة بوجه عام وفي مجال تكنولوجيا المعلومات بوجه خاص.

الهند وتكنولوجيا المعلومات

أصبحت دولة الهند من الدول المعروفة عالميًّا بتقدمها في مجالات تكنولوجيا المعلومات، كما أصبحت ميدانًا لعدد من الشركات الكبرى والمؤسسات العالمية التي تعمل في مجالات البرمجة، وهو ما يعود لعوامل عدة، منها ما يخص الهند مثل العامل البشري، ومنها ما يعود لأمور تنظيمية وخطط طويلة وقصيرة المدى، إضافة إلى عدد من الإصلاحات الجذرية التي قامت بها دولة الهند في النصف الثاني من القرن العشرين وربما بدأت تجني ثمارها على نحو ملحوظ، ويظهر أثرها الواضح في مجال تكنولوجيا المعلومات، وعلى هذا نحاول إبراز بعض الأسباب التي أدت إلى هذا التفوق الكبير الذي جعل الهند لاعبًا كبيرًا في سوق تكنولوجيا المعلومات:

البنية التحتية الرقمية في الهند

أدركت دولة الهند أن البنية التحتية الرقمية هي الأساس في تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات، وهو ما يعتمد بدرجة كبيرة على شبكة الإنترنت وسعتها وجودتها واستقرارها وسرعتها، لذا أنشأت دولة الهند بنية تحتية هائلة، وعملت على تحسينها باستمرار في السنوات الأخيرة، فقد أصبحت شبكة الإنترنت في الهند تضاهي شبكات الإنترنت في أكثر دول العالم تقدمًا من ناحية سعة تداول البيانات وجودة الاتصالات في كل مكان في الهند، إضافة إلى اتجاه الدولة لتغطية كل المناطق النائية.

أنشأت الهند بنية تحتية رقمية هائلة وعملت على تحسينها باستمرار في السنوات الأخيرة

أصبح عدد مستخدمي الإنترنت في دولة الهند أكثر من 900 مليون مواطن، وهو ما وضعها في المركز الثاني على قائمة مستخدمي الإنترنت في العالم بعد دولة الصين، وكانت دولة الهند قد أطلقت مشروعها الرقمي عام 2015 من أجل توفير خدمة الإنترنت السريع، وبذلك أصبحت كل الخدمات الحكومية متاحة للمواطنين رقميًّا، وحرصت دولة الهند على توفير شبكة الجيل الرابع باستقرار وتكلفة منخفضة، وهي الآن تعمل ضمن الجيل الخامس، وهو ما يساعد على خلق بيئة عمل مناسبة وداعمة لتنمية صناعات تكنولوجيا المعلومات.

التعليم في الهند

لا نحتاج أن نؤكد أن أهمية التعليم في بناء أو تقدم أو إحداث تطور في أي مجال وفي أي مكان، وهو ما عملت عليه دولة الهند منذ سبعينيات القرن الماضي مع عدد من الإصلاحات والتحسينات في السنوات الماضية، لا سيما في مجال التعليم المهني، إذ استهدفت دولة الهند دفع الشباب الهندي إلى تعلم عدد من المهارات المهنية الخاصة بمجال تكنولوجيا المعلومات، وتضمنت المناهج التعليمية كل التطورات الآنية في مجالات التقنيات وعلوم الحاسب، وهو ما ظهر في عدد من الجامعات والمعاهد الهندية التي تقدم برامج ذات جودة عالية في البرمجيات والهندسة وعلوم الحاسب، ما مكَّن الطلاب الهنود من اكتساب المهارات الحديثة ومواكبة سوق العمل.

تضمنت المناهج التعليمية في الهند التطورات الآنية في مجالات التقنيات وعلوم الحاسب

كذلك اتخذت الحكومة الهندية خطوة عملاقة عام 2016 عندما دعمت أكثر من 23 معهدًا متخصصًا في علوم الحاسب وتكنولوجيا المعلومات، وأنفقت على هذا المشروع ما يقرب من مليار دولار، وهو المشروع الذي استفاد منه أكثر من 11 مليون طالب هندي، كما تضمنت الخطة التي وضعتها دولة الهند في هذا الأمر إنفاق ما يقرب من عشرة مليارات دولار بحلول العام القادم.

القوى العاملة في الهند

نظرًا لكونها أكثر دول العالم سكانًا، فإن دولة الهند غنية بالقوى العاملة، إضافة إلى الجهود التي تقوم بها الدولة لإضفاء صفة الجاهزية والمرونة على نسبة كبيرة من القوى العاملة الموجودة في البلاد لجعلها على مستوى عالٍ من التنافسية، فضلًا على ميزة كبيرة تتمتع بها الهند وهي قلة التكلفة الخاصة بالعمالة، مع الاستعداد الكبير لدى العامل الهندي للتكيُّف مع كل التطورات والتغيرات والأنظمة والإدارات، وزيادة على التعاون الكبير بين الهنود بعضهم بعضًا بالاستفادة من الخبرات الهندية السابقة.

تدعم الهند العمالة الهندية بنشر المحتوى التعليمي والتدريبي على مواقع التواصل الاجتماعي مجانًا

كذلك فإن دولة الهند تدعم العمالة الهندية بنشر المحتوى التعليمي والتدريبي على مواقع التواصل الاجتماعي مجانيًّا، وتمويلها لعدد من البرامج التدريبية للطلاب والخريجين وكبار السن، وهو ما يمنح قاعدة الأيدي العاملة الهندية كثيرًا من الزخم والمواكبة والتنافسية بطريقة تجعل المنافسة بين الهنود بعضهم بعضًا قوية وكافية لظهور كفاءات كبيرة وأفكار مدهشة واستعداد كبير للعمل وتحقيق الطفرات المتتالية.

اللغة الإنجليزية في الهند

من الأمور الرائعة في بيئة العمل الهندية أن نسبة كبيرة من الهنود يجيدون اللغة الإنجليزية التي تُعد لغة العمل الرئيسة في معظم مجالات التكنولوجيا والاتصالات، لذا فإن الشركات والمؤسسات العالمية التي تتعامل مع العمالة الهندية أو تفكر في دخول سوق العمل الهندي لا تجد أي مشكلة في بدء المشروعات والاستثمارات، ولا تحتاج إلى إعادة تدريب العمال وإكسابهم اللغة الإنجليزية، ويساعد هذا الأمر على تعامل الهنود أنفسهم مع المستوردين والمصدرين والمتعاملين في سوق تكنولوجيا المعلومات داخل وخارج الهند.

الاستثمارات الأجنبية في الهند

استطاعت دولة الهند اجتذاب نسبة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ وفرت للشركات العالمية مناخًا رائعًا للاستثمار في مجالات التكنولوجيا، وهو ما أسهم في صناعة تلك الطفرة التي تعيشها الهند في مجال تكنولوجيا المعلومات الذي أثر في مستوى دخل الفرد في الهند، فقد بلغت أرباح سوق تكنولوجيا المعلومات والبيانات في الهند نحو 2.17 مليار دولار في العام الماضي، مع توقعات بمضاعفة ذلك الرقم في السنوات الخمس القادمة.

استطاعت الهند اجتذاب نسبة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات

كما اتجهت الهند إلى توفير خدمات (استئجار الكفاءات ووسائل وخدمات التكنولوجيا) لجميع الشركات العالمية بأسعار تنافسية، ما جعل الهند تحتل نحو 55% من سوق خدمات (التعهيد العالمي) الذي تحصل منه على نحو 300 مليار دولار في العام، طبقًا لإحصاءات عام 2024.

ويُعد هذا النجاح الكبير نتيجة منطقية للاهتمام الكبير الذي توفره دولة الهند لصناعة تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت تمثل نسبة كبيرة في الناتج المحلي الهندي. وهو ما يتطلب كثيرًا من العمل على صُعُد عدة، مثل البنية التحتية الرقمية، والقوى العاملة المؤهلة، والتعليم القوي، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والاهتمام بتعليم اللغة الإنجليزية.

وهو ما يدفعنا إلى دراسة النموذج الهندي في مجال تكنولوجيا المعلومات ومحاولة التعلم والاستفادة منه في عالمنا العربي الذي يعاني كثيرًا في مجال البنية التحتية، والأزمات المالية، ومشكلات التعليم، وعدم جاهزية القوى العاملة، وهي الأمور نفسها التي كانت تعانيها الهند في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لكنها استطاعت تجاوز تلك الأزمات لتصبح أحد عمالقة الاقتصاد العالمي وأحد النماذج المذهلة في مجال تكنولوجيا المعلومات.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن الحديث عن أسباب نجاح الهند في مجال تكنولوجيا المعلومات، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة