كيف أثر حفر قناة السويس في مصر والعالم اقتصاديًا؟

قناة السويس أهم ممر ملاحي في العالم على مر التاريخ، تنبع أهميتها من الربط بين العالم، يبدأ تاريخ منذ عهد المصريين القدماء في حكم سنوسرت الثالث، إلى أن تجدد ظهورها مرة أخرى في العصر الحديث في عهد محمد سعيد باشا إلى أن انتهى حفرها في عهد الخديوي إسماعيل الذي احتفل بافتتاح قناة السويس في حفل دعا له الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن في أوروبا لحضور في 17 نوفمبر 1869.

اليوم نبحر بين التاريخ والجغرافيا والاقتصاد؛ لنتعرف أكثر على حكاية ذلك الممر الملاحي ولماذا هو مهم.

تاريخ القناة 

أول من فكَّر بإنشاء قناة لربط البحار ببعضها هم المصريون القدماء، فقد تمت أول محاولة في عهد الملك "سنوسرت الثالث" الذي أنشأ قناة "سيزوستوريس" في عام 1874 قبل الميلاد، وكانت فكرتها تقوم على ربط نهر النيل بالبحر الأحمر، ورُدمت تلك القناة وأُعيد حفرها وردمها مرات عدة في عهد الفراعنة والفرس والبطالمة، وفي عهد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأخيرًا في عهد "هارون الرشيد". 

إلى أن جاءت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وقتها أراد نابليون حفر قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط، ولكن نتيجة لخطأ هندسي في الحسابات والقياسات أُلغيت الفكرة، فقد ظنوا خطأً أن البحر الأحمر أعلى منسوبًا من المتوسط؛ ما جعلهم يظنون أن تلك القناة سوف تغرق مصر كلها، إلى أن جاءت مجموعة مهندسين فرنسيين وأعادوا القياس، واتضح أن البحرين متساويان، وطلبوا من "محمد علي" والي مصر آنذاك أن يحفروا القناة مجددًا، لكن محمد علي اشترط أن تضمن القوى العظمى حيادية القناة، وأيضًا أن يكون حفر القناة بتمويل مصري حتى تصبح ملكًا لمصر بالكامل، لكن المهندسين الفرنسيين رفضوا.

أراد نابليون حفر قناة تربط البحر الأحمر بالمتوسط ولكن نتيجة خطأ هندسي في الحسابات أُلغيت الفكرة

ولكن كل ذلك تغير في عام 1854 عندما جاء إلى مصر "فريدناند دي لسبس" وكان يعمل في الماضي مربيًا لابن محمد علي "محمد سعيد باشا"، وبعد وصوله لمصر بأيام أصبح "سعيد باشا" والي مصر، وقابل صديقه القديم بترحاب شديد، وسرعان ما وافق على مشروع القناة وأضاع ما كان يخطط له والده. ليس هذا فحسب، بل منحه امتياز حفر وتشغيل القناة مدة 99 عامًا، على أن تحصل مصر على نسبة قدرها 15% من أرباح القناة.

وبدأ العمل في القناة في إبريل من عام 1859 وإن شئت الدقة، فيمكنك تسميتها "المعاناة"؛ فقد عمل في حفر القناة أكثر من مليون عامل غالبيتهم العظمى من المصريين، وقد تُوفي في أعمال الحفر أكثر من 120 ألف عامل بسبب الظروف القاسية التي كانوا يعملون بها من قلة الطعام ومياه الشرب والرعاية الصحية، وعدم توفير ملابس مناسبة، والتعذيب لمن يفكر لحظة بالهرب!

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن عاملًا يحفر في الصحراء ولا يجد سوى رغيف خبز مقدد يتغذى عليه. وبعد عشر سنوات من معاناة المصريين في شق الصحراء من أجل رغبة "أفندينا" تم الانتهاء من الحفر في 17 أغسطس من عام 1869، وافتتحت القناة في 17 نوفمبر من العام نفسه، في حفل مهيب تكلف أكثر من مليون ونصف مليون جنيه، ولا نقول مليون ونصف بمقاييس اليوم، لا بل بمقاييس القرن التاسع عشر، فقد كان الجنيه المصري عام 1836 يساوي 8 جرامات ونصف ذهب، وبعض الروايات تقول إن تكلفة الحفر وصلت إلى 2 مليون و400 ألف جنيه مصري من مأكل ومشرب واحتفالات وحرير وسجاد نفيس وما إلى ذلك من مظاهر البذخ.

ما النتائج المترتبة على حفر قناة السويس؟

ترتب على حفر قناة السويس في مصر عدة نتائج، منها مثلًا: 

  1. حصول مصر على 15% فقط من الأرباح الخاصة بالقناة، وبعدها مرَّت مصر بأزمة مالية اضطرتها لبيع حصتها الباقية في عام 1875 وبيع أصول الأرباح، أي بصريح العبارة، في ست سنوات خسرت مصر الـ 15% المتبقية -التي كانت قليلة أصلًا- وخسرت الأرباح الخاصة بالقناة.
  2. بعدها تقدمت الشركة صاحبة الامتياز بعرض لتمديد الامتياز 40 عامًا أخرى، فبدلًا من أن ينتهي الامتياز في عام 1969، سينتهي في عام 2008، ولكن ذلك العرض أثار غضب المصريين العارم، وقوبل بالرفض، وعلى رأس الرافضين والداعين للرفض "محمد فريد".
  3. قيام الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر" بتأميم قناة السويس، أي أصبحت القناة ملكًا لمصر والمصريين؛ ما نتج عنه "العدوان الثلاثي" أو "حرب 1956". 
  4. وأخيرًا أهم نتيجتين، وهما تقصير المسافات البحرية للسفن، وزيادة الدخل والعملة الصعبة لمصر.

ما أهمية قناة السويس للاقتصاد المصري والعالمي؟

تعود ميزة قناة السويس إلى الموقع الجغرافي، فمصر توجد في قلب العالم، وبربطها بين قارتي آسيا وأوروبا قرَّبت المسافات على نحو كبير جدًّا، فإذا أردت أن تنتقل مثلًا من مدينة "جدة" السعودية إلى ميناء "بيرايوس" اليوناني، فإذا اتخذت طريق "رأس الرجاء الصالح" فستقطع نحو 11207 أميال بحرية، أما إذا أخذت طريق قناة السويس، فستقطع فقط 1316 ميلًا بحريًّا، بتوفير قدره 88% من مسافة الرحلة.

الموقع الجغرافي المميز لقناة السويس وربطها بين قارتي آسيا وأوروبا قرَّب المسافات على نحو كبير

هل تتخيل عزيزي القارئ أنك ستوفر نحو 9891 ميلًا بحريا بمجرد مرورك من قناة السويس! وفي لغة التجارة إذا ذكرنا الأميال المقطوعة، فذلك يعني وقتًا أطول لوصول البضائع؛ ما قد يعرض البضائع للتلف، ووقودًا أكثر في الرحلة، وكمية أكبر من الغذاء لطاقم السفينة، وتكاليف تشغيل أعلى للسفن، كل ذلك يمكن تلافيه بقرار المرور من قناة السويس.

أما لمصر، فقناة السويس هي الدجاجة التي تبيض ذهبًا، فهي تقدم لمصر كثيرًا من المزايا، منها مثلًا، توفير فرص عمل للشباب، وجذب الاستثمارات الخارجية والخدمات اللوجستية في منطقة القناة، وأخيرًا الإيرادات والرسوم نتيجة المرور من القناة، فقد بلغت في عام 2022 نحو 9.4 مليار دولار في أعلى إيراد في تاريخ القناة.

"رب ضرة نافعة" هكذا نقول، ولا نجد أنسب من ذلك لكي نقوله على إنشاء قناة السويس، فلولا العمال المصريون الذين حفروا القناة بمجهوداتهم، لما نالت مصر تلك الإيرادات من ذلك الممر المائي. 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة