أي الفريقين أخطر على المجتمع... المذعورون حد الهوس والهلع، أم المستهترون حد الهبل و الدلع؟
كان هذا هو السؤال الذي طرحته على متابعيني بمواقع التواصل الاجتماعي. وقد تبيَّنَ من إجاباتهم الإجماع على أن كليهما خطر، بينما تباينت إجاباتهم حول أيهما الأشد خطورة.
و تباين الآراء أمرٌ طبيعي؛ حيث تختلف باختلاف نشأة كل منا ببيئته الخاصة و مستوى و نوعية التعليم الذي تلقّاه والتجارب التي مرّ بها و بالتالي خبراته المتفردة، وكل ذلك يعني ثقافته و بنائه الداخلي الذي تَشَكّلَ على مدار عمره، و الذي يمثل الأساس في توجيه منظور كل شخص و بلورة منطقه الخاص.
يرى البعض أن تأثير المستهترين هو الأكثر خطورة، من حيث إمكان تزايد فرص انتقال المرض بسبب جهلهم وعدم مبالاتهم باتخاذ الإجراءات الوقائية الكافية،
بينما يرى آخرون أن أولئك المبالغين في الخوف من المرض هم الأخطر؛ حيث أن تأثيرهم السلبي يتركز في بث حالةٍ من الرعب وروح اليأس والإحباط والانهزامية والاستسلام في المجتمع، هذا بالإضافة إلى سلوكياتهم الشرائية المجنونة وغير المتزنة لتخزين أكبر قدر ممكن من السلع ومهمات الوقاية من المرض، وهو ما يخلق طلباً وهمياً متزايداً على تلك السلع، يؤدي بالتبعية إلى ندرتها في السوق، وبالتالي إلى ارتفاع غير مُبَرر في أسعارها، وخلق سوق سوداء لا يستطيع أن يجاريها غالب الشعب من البسطاء، ومن ثَمَّ تقوض اقتصاد وأمن الدولة ككل.
إن كلا الفريقين يتبعان، مع الأسف، سلوك القطيع بصورةٍ أو بأخرى. و رغم أن هذا الوصف يُطلق بالأساس على السلوك الحيواني عند الفرار من الحيوانات المفترسة للاحتماء ببعضها البعض، إلا أنه يُستخدم أيضًا للتعبير عن السلوك التلقائي ل (معظم) البشر عند وقوع الأزمات والأحداث الكبرى مثل: تعاملات البورصة والتظاهرات الجماهيرية... حيث يدخل الفرد مع جماعةٍ ما ويتطبع بسلوكها ويحاكي تصرفات المجموعة دون كثيرٍ من تخطيطٍ أو تفكير؛ سعيًا إلى الفرار بنفسه من الخطر أو تجنبه أو الحد من تأثيره، بل ولتسكين وخز ضميره في كثيرٍ من الأحيان (ما كل الناس بتعمل كده، إشمعنى أنا). وبينما يكون ظاهر القطيع كوحدةٍ واحدةٍ يسلك أفرادها نفسَ السلوك ويحاكون تصرفات بعضهم البعض، إلا أنه في حقيقة الأمر كل فردٍ منهم لا يخدم إلا مصالحه ويشبع رغباته الشخصية.
إنه سلوك أناني مقيت غير مسؤول، تتساوى فيه كل شعوب الأرض، بغض النظر عن ادعاء التقدم، إلا من رحم ربي.
إن كلا الفريقين واقعيْن ما بين الإفراط وهو الإسراف وتجاوز الحد، والتفريط وهو التقصير وتضييع الأمر، وكلاهما يؤثران بسلوكهما سلباً و يشكلان خطورةً كبيرةً على المجتمع وعلى الدولة بشكل عام. لذا فلا بد من رفع مستوى الوعي الجماعي، أخذًا بالأسباب؛ تجنبًا للأخطاء التي وقعت فيها العديد من الدول، من حيث الاستهتار والتساهل الشديد في بداية الأمر؛ والذي أدى إلى الانفجار في معدل انتشار فيروس كورونا، وتعرضها لانهيار النظام الصحي.
صحيح أن تسارع الأحداث في بعض الدول مخيف، خاصةً في إيطاليا وأسبانيا وإيران، إلا أنه يلفتنا بشدة نحو أهمية أخذ الأمر على محمل الجد؛ تجنباً لتكرار تلك السيناريوهات ببلادنا لا قدر الله، وأن نأخذ بقوةٍ على أيدي المستهترين، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "فإن يتركوهم وما أرادوا؛ هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم؛ نجوا و نجوا جميعًا"
خلاصة القول: إن كل الأوبئة على مر العصور قد اندثرت بعد حين، ولم يبق لها أثرٌ إلا في كُتُبِ التاريخ... وكذلك هذه الكورونا، مهما استمرَّ وجودها و طال، فحتمًا مصيرُها إلى زوال.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
تسجيل دخول إنشاء حساب جديد
استمتعت بالمقال ، شكرا لك