يرى كثير من الناس الماديين البسطاء قليلي العقل والفهم والفقه والدين والدراية أنه لا يعيب الرجل إلا جيبه، ويقصدون قلة ماله، فهذه العبارة تدل على نظرة ضيقة مادية بحتة.
إنّ معادن الرجال لا تقاس بكثرة المال أو المكانة أو الجاه أو المنصب فحسب، فكم من أناس لم تزدهم كثرة المال إلا بخلاً ووضاعة، وكم أظهرت الحياة نفاسة معادن بعض الرجال رغم فقرهم وتواضع منزلتهم، وكم أناسٍ لم ترفعهم مناصبهم من خسة الجور والظلم والحقارة.
فالذي يعيب الرجل قلة تربيته، وقلة دينه، وقلة عقله، وقلة رجولته، فالمال لم ولن يجعل منك رجلاً، فالرجولة ليست أموالاً طائلة، ولا ملابس فاخرة، ولا عضلات مفتولة، ولا صورة وسيمة، ولا صوتاً عالياً أو قوة خارقة، الرجولة أدب، ودين، وتقوى، وعقل، واحتواء، واستيعاب، ومواقف، وصدق، ووضوح، وإخلاص، وبذل، وعطاء، وكرم، وشهامة، ونبل، ومروءة، "أن تولد ذكراً فهذا قدرك، أما أن تكون رجلاً فهذا صنع يديك".
فيُستدلُّ على الرجل بعقله وأعماله، وعلى أصله بدينه وتقواه، فالرجال معادن.
وإنّ المرء لا يمكن أن يوصف بأنه ذو معدن نفيس إلا إذا تحلّى بصفات الرجولة من الصدق، والكرم، والشجاعة، والوفاء، والحلم، والأناة، والمروءة، والشهامة، والنجدة، والنصرة، وتعلّقت نفسه بمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق، وابتعدت عن سفاسفها وصغائرها.
الرجل الحق يحب العمل، والجِد، والمثابرة، ويكره الكسل، والخمول، والراحة، بعيد النظر، ذو عقل وبصيرة، لا يجعل إلهه هواه، ولا يخضع لشهوات نفسه.
الرجل الحق يتحكم بانفعالاته، لا يتعلق بالدنيا تعلق المولع الجشِع، ولا يهملها إهمال الجاهل المفرط.
الرجل الحق من يتفانى في رعاية من يعول.
وإن أكثر ما يكشف معادن الرجال ويظهر الرجولة لديهم هو ما تخفي صدورهم ونفوسهم من أصالة أو خسَّة، وما تحمله شخصيتهم من قيم ومبادئ أو مصالح، ومطامع، ومنافع مادّيّة بحتة وقت الشدائد والمحن والملمّات.
وصدق الشاعر الحكيم إذ يقول:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقي
وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْدًا وَلَكِنْ عرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي
ولم يكن الرجال الذين يتميزون بالمعدن النفيس والأصالة قد اتصفوا بذلك بمحض الصدفة، بل هي أولاً وقبل كل شيء ثمرة فطرة إلهية سليمة، تمت رعايتها بالتربية على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، والتمسُّك بالقيم، والمبادئ الفاضلة، وتغذيتها بالغذاء اللازم من العلم، والفقه، والآداب، وذلك بالرعاية الدقيقة، وتهذيب النفس من علل الأخلاق، وأمراض القلوب، وما يُخلُّ بالمروء والرجولة، والصبر على مخالفة النفس والهوى، والمثابرة على الالتزام بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، والتأسِّي بهدي القرآن، وخُلق المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ولقد أكَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أن أكرم الناس في دين الله الإسلام هو أتقاهم لله، وذلك بنص قول الله تعالى في محكم التنزيل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات/ الآية13.
وأخيراً فإن الكريمَ الأصيلَ النفيسَ من الرجال هو مغلاق للشر مفتاح للخير.
قال صلوات ربي وسلامه عليه: (خير الناس أنفعهم للناس).
Feb 1, 2022
احسنت واجدت باركك الله فيك
Feb 3, 2022
وبارك الله لك وفيك أستاذنا الفاضل .. اخبارك وأخبار العراق الحبيب ..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.