إنك تعلم، يا فيودور، كم أن حظي بائس، وخطواتي ملعونة.
لقد كنت شاهدًا مرارًا وتكرارًا على تشكُّل ذلك الوحش الضخم الذي يحجب – كلما ظهر – شعاع الأمل الخافت الذي بالكاد استطعت بلوغ مشارفه، فيهشم في كل مرة الحلم، ويحبط كل ما استجمعته بشق الأنفس من عزيمةٍ وآمال.
نعم، يا فيودور، لقد كنت بالفعل شاهدًا، كما الآخرين.
إنه كلما بسطتُ جناحي، حلَّقت عاليًا فوق الجميع، وكنت الأقرب لانتزاع النجاح من بين يدي السماء – والحقيقة أني كنت في السابق أجزِم بذلك أيضًا – كان الجميع يراني أبلغ عنان السماء، ثم يخرج من العدم ما تسمونه الفشل، وأسميه الوحش.
يخرج من اللامكان ليلجم جناحي، فأسقط هاويًا بسرعة الضوء نحو الأرض، بل قاعها. ولما أرفع رأسي المحطم من قوة الارتطام لأنظر إلى السماء ونورها الذي كدت أمتزج به منذ حين، لم أكن أراها. كل ما استطعت رؤيته هو ذلك الوحش الأسود الذي كان يحجب كل رغبةٍ وأملٍ تجردتُ منهما في طريق العودة من القمة.
إنني لا أشبهكم، يا فيودور، ولحسن حظكم، فأنتم لا تشبهونني كذلك!
أنظر إلى أنطونيو وَفيكتور وَبير. البعض منهم لا يقدر على كتابة اسمه بشكل صحيح حتى! وعلى الرغم من الفقر الثقافي والمعرفي الذي يعيشونه، فإنك تكاد لا تراهم يحزنون على شيء، أو يستشعرون نقصًا في ذواتهم، ولا يتربص بهم وحش أبدًا! يرتعون في الجهل، وبه ينعمون.
لا أفهم كيف لهذا الأمر أن يكون ممكنًا، لكن مثل هؤلاء، يا فيودور، يشقّون السماء التي حدَّثتك عنها شقًّا، ويخترقونها ليغنموا كل المجد!
إلا أن المحيِّر أنهم في الأصل لم يُحلِّقوا من قبل قط، بل وليست لهم أجنحة! فكيف يعقل، يا صديقي، أن يكون الحظ حليفًا لأمثال هؤلاء، ويكون عدوًّا لي؟
لقد أضحى يلازمني افتراض كون النضج لعنة في حد ذاته، وصرت أعتقد أن كل مُدرِكٍ ملعون.
إنني، أيها الصديق العزيز، أصبحت شبه مقتنع بأن كل من ينظر للعالم برؤية أشمل، تنظر له الحياة بعين الوحش المفترس! فانطلاقًا من اللحظة التي تصادفك فيها المعرفة، تصبح مستهدَفًا، وعند اللحظة التي تقترب فيها من الهدف، تغدو أنت الهدف!
👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.