إذا أردت أن تشاهد تجربة حية لدولة استطاعت النهوض بعد هزيمة مذلة ودمار شديد وعزلة كبيرة، فأنت تحتاج إلى قراءة هذا المقال عن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؛ لتتعرف إلى المسار والإجراءات التي اتخذها الشعب الألماني للخروج من نفق الهزيمة إلى قمة النجاح والقوة، وهو ما يحتاج منك إلى الانتباه والتركيز في قراءة السطور التالية.
اقرأ أيضاً الحرب العالمية الأولى.. أسبابها وأحداثها
حال ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
في البداية يجب أن تعرف أن حال الشعب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية كان هو الأسوأ في تاريخه، فقد انخفض الغذاء، وتناقصت الثروة، وتراجع الإنتاج، إضافة إلى الثروة البشرية التي أصابها كثير من الدمار، فقد كان الرجال بين 18 و35 عامًا معظمهم قد قتلوا أو أصيبوا بإعاقات في أثناء الحرب، حين كان على من تبقى أن يسهم في إعادة بناء الدولة.
يتجلى الوضع في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في صورة نقص كبير في المنتجات وحصار شديد من دول الحلفاء، لم يمنح المواطن الألماني سوى نحو 1500 سعر حراري من الطعام في اليوم، إضافة إلى فقدان العملة قيمتها حتى إن الألمان لجؤوا إلى مقايضة المنتجات والخدمات بدلًا من استخدام العملة.
كانت ألمانيا في حالة من الانقسام نتيجة احتلال أربعة دول لها، حتى أصبح القسم الشرقي يمثل دولة اشتراكية، والقسم الغربي يمثل دولة ديمقراطية، وقسمت العاصمة برلين بجدار هو الأشهر في التاريخ الحديث والمعروف بجدار برلين.
كانت بداية ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بتكاتف الشعب الألماني؛ لإعادة بناء البلاد ورفع الروح المعنوية لدى ما تبقى من الجنود ومشاركة المرأة الألمانية أسوة بالرجال ورفع شعارات على البيوت والجدران تؤكد أنه (لا يوجد مستحيل أمام ألمانيا)، إضافة إلى اتجاه الشعب الألماني إلى العمل، ورفض الحديث عن أسباب الحرب ونتائجها، وعن أخطاء الماضي؛ لتبدأ آلة العمل الألمانية بوقود من الهمة والتكاتف الكبير، يمكنك مشاهدته في الفيديوهات المنتشرة على يوتيوب التي تصور ملحمة الشعب الألماني في الخروج من هذا النفق المظلم.
اقرأ أيضاً ما هي أسباب الحرب العالمية الثانية؟
اقتصاد ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
توجهت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية إلى تغيير العملة بعدّه إجراءً اقتصاديًا للقضاء على السوق السوداء، وكذلك لتقليل العملة المتداولة ورفع قيمتها، وإكسابها الثقة الكبيرة بين التجار والمستثمرين، وهو ما صنع تأثيرًا كبيرًا في السوق الألمانية والاقتصاد الألماني عمومًا.
في عام 1953 أسقطت مجموعة من الدول شاركت في اتفاقية لندن مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا وإسبانيا وباكستان واليونان نصف ديون ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والمقدرة بنحو 15 مليارًا من إجماليٍ وصل إلى 30 مليار مارك ألماني، ثم أسقطت مجموعة من الدول ديونها على ألمانيا، ومنها مصر والأرجنتين والكاميرون، وهو ما أعطى الاقتصاد الألماني القدرة الكبيرة على النهوض والعمل لبناء الدولة من الداخل.
كان للولايات المتحدة الأمريكية دورٌ كبيرٌ في نهوض ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية باعتماد خطة مارشال التي وضعت للدول الأوروبية المهزومة في الحرب العالمية الثانية وعلى رأسها ألمانيا، وهو ما استغلته ألمانيا لإعادة بناء الاقتصاد بعد إسقاط الديون والمشاركة بفعالية في التكامل التجاري الأوروبي بعد عودتها إلى السوق الأوروبية.
مع انتعاش الاقتصاد الألماني وابتعاد مواعيد الأقساط والديون وربطها بفائض الإنتاج استطاعت ألمانيا الاتجاه إلى سياسات اقتصادية متعددة؛ لتعزيز الاستثمار والنمو بتشجيع مجموعة من الصناعات الرئيسة، مثل السيارات والتكنولوجيا والصناعات التحويلية التي وفرت كثيرًا من فرص العمل بالإضافة إلى رفع القدرة التنافسية لدى المنتج الألماني الذي استطاع الدخول إلى السوق الأوروبية بكفاءة عالية مرة أخرى.
مع هذه الإجراءات بدأت ألمانيا أيضًا تحاول الدخول في تكتلات اقتصادية خارجية مثل الاتحاد الأوروبي ومحاولة الاستفادة من العلاقات والخبرات والموارد لدى الدول الأخرى، بالإضافة إلى تحسين نظام التعليم وتطوير البرامج التعليمية التي تمنح الشباب الفرصة في الحصول على تعليم وتدريب جيد بما يتناسب مع متطلبات هذه المرحلة من أجل إعادة ألمانيا إلى ما كانت عليه.
اقرأ أيضاً حروب الإنسان ضد الإنسانية
علاقات ألمانيا بعد الحرب
عززت ألمانيا أيضًا العلاقات وبنت الثقة بالدول الأخرى باعتمادها برامج التفاهم والحوار والعمل المشترك والاعتراف بالخطأ وتبادل الزيارات على المستوى الرسمي والشعبي، ما كان له أثرٌ كبيرٌ في عودة ألمانيا إلى المجتمع الأوروبي بقوة توازيًا مع النجاحات الاقتصادية الكبيرة التي تحققها ألمانيا الغربية في ذلك الوقت.
في عام 1989 حدث تحول رهيب حينما سمحت حكومة ألمانيا الشرقية لسكانها بحرية الذهاب إلى ألمانيا الغربية، وهو ما أدى بدوره إلى نزوح عدد من العائلات إلى ألمانيا الغربية.
ما كان مؤشرًا على سقوط النظام الألماني الشرقي الذي أدى بدوره إلى توحيد شطري ألمانيا بعد ذلك، وهدم ما يعرف بجدار برلين الذي كان يفصل بين ألمانيا الغربية التي تتمتع بالنمو والتطور الكبير وألمانيا الشرقية التي كانت تعاني قلة الحريات وضعف الدخل وقلة نصيب الفرد؛ لتبدأ ألمانيا مرحلة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية بعدها دولة موحدة، ونموذجًا يحتذى به، فهي دولة استطاعت أن تخرج من نفق الهزيمة المظلم إلى قمة النجاح والتطور والقوة والمنافسة.
وفي آخر حديثنا عن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية نرجو أن يكون هذا المقال قد قدم إليك المتعة والإضافة.
ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقالة عبر مواقع التواصل؛ لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.