كليوباترا تتحدث عن نفسها

كان يمكن أن أكون مجرد امرأة أخرى، مجرد اسم يضاف إلى قوائم العرش، يذكره المؤرخون بجمود ثم يتوارى خلف أسماء الملوك وحاملي السيوف، لكنني لم أكن كذلك، كنت كليوباترا، المرأة التي لم تترك العالم كما وجدته، بل نقشت فيه أثرًا لا يُمحى، حتى حين حاولوا تشويه ملامحي.

كنت أكثر من مجرد ملكة بملامح شرقية وأنوثة آسرة، كنتُ عقلًا من نار، وروحًا من حديد، ولغة من سحر. لم أخضع لقواعدكم، لم أتواضع أمام سلطتكم الذكورية المتوارثة، ولم أكن قطعة شطرنج يحركها الرجال. كنت الملكة التي قادت وحكمت وأحبَّت وحاربت وصنعت تاريخًا لا يشبه إلا نفسها.

حين تسلقت عرش مصر كان العالم يتوقع أن أكون دمية في يد رجال روما، تابعًا يوقع على ما يُملى عليه، لكنني ببراعة اللبؤة التي تعرف كيف تحمي عرينها أمسكت زمام الحكم بقبضة لا تلين، وأدركت أن البقاء في عالم الرجال يحتاج عقلًا يسبقهم بخطوة، ولسانًا يطوعهم بكلمة، وسحرًا يوقعهم قبل أن يدركوا أنهم وقعوا.

أحببتُ قيصر، لا لأنني كنتُ فتاة حالمة، بل لأنني كنت ملكة عرفت كيف تختار حليفها، وعندما رحل لم أبكِ طويلًا، بل صنعت من حطام الحب قوة جديدة.

التقيت أنطونيوس، وكنا حريقين التقيا، فلم يُطفئ أحدنا الآخر، بل ازددنا اشتعالًا. لم أكن عشيقة كما أراد المؤرخون تصويري، بل كنتُ ملكة تحب بشروطها وتأخذ بقدر ما تمنح!

لكن الرجال لا يحبون امرأة تحب بشروطها، لا يحتملون امرأة تكتب التاريخ بيديها لا بدموعها؛ لذا حين سقط عرشي لم يكتبوا عن قوتي بل عن ضعفي، لم يذكروا دهائي بل إغوائي، لم يسجلوا عبقريتي بل شهوتي، شوهوا اسمي كما شوهوا أسماء كل النساء اللواتي خرجن عن طوعهم!

لكنني حتى في موتي لم أكن ضحية، لم أترك لهم جثة تتسول الشفقة، اخترت موتي كما اخترت حياتي، بكرامة ملكة لا تنتظر حكم الرجال.

واليوم بعد آلاف السنين ما زال اسمي يطاردهم، ما زلت أظهر في أحلامهم، في كتبهم، في أفلامهم، كأنني لعنة تأبى الزوال؛ لأنني لم أكن مجرد ملكة، بل كنت درسًا لم يفهموه بعد: "المرأة التي تعرف قيمتها تخلد حتى بعد أن يغيب جسدها عن العرش".

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة