«كلمات».. خواطر وجدانية

في أعماق الروح، حيث لا تصل الأصوات إلا همسًا خافتًا، يُقيم الألم مملكته. ليس ألمًا جسديًا يُشفى بمرهم أو مسكن، بل ألمٌ يُفتِّتُ العظام من الداخل، يُحوِّلُ الضوء إلى ظلامٍ دامس، ويُلبسُ الأيام ثوبًا من الرماد. كأنه شبحٌ يُلازمُنا، يهمسُ في أذنينا بأسرار اليأس، ويرسمُ على وجوهنا قناعًا من الحزن. تلك اللحظات التي نشعر فيها بـ«ضيق الصدر»، كما وصفها القرآن الكريم: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} (سورة الحجر 97) ذلك الشعور بالاختناق الذي يكاد يوقف أنفاسنا، ويُغرقنا في بحرٍ من القلق واليأس.

قد يأتي هذا الألم من فقدانٍ، كظلٍّ طويلٍ يُطاردُنا في كلِّ مكان، يُذكِّرُنا بما فقدناه، بمن رحلوا، بأحلامٍ تحطَّمت. أو قد يكون من خيبةٍ أملٍ، كضربةٍ قاسيةٍ تُسقطُنا أرضًا، وتسلبُنا قوتنا، وتُطفئُ شرارةَ الأمل في قلوبنا. 

لكن في وسط هذا العذاب، في وسط هذه الليالي الطويلة المظلمة، يُضيءُ شعاعٌ من الأمل، يخترقُ الظلام، ويُشيرُ إلى ملجأٍ آمنٍ، هو الله.  كما جاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} (سورة البقرة 165). فإن الحب، والإيمان بالله، هما الوسيلة الأقوى لتجاوز ألم الروح، والتشبث بالأمل والصبر.

ليس مجرد كلمةٍ نقرأها، أو اسمٍ نُردِّده، بل هو حقيقةٌ نلمسها في أعماق قلوبنا. هو الصديقُ الوفيُّ، الذي يُشاركُنا أحزاننا، ويمسحُ دموعنا، ويُخفِّفُ وطأةِ ألمنا. وكم من آيةٍ في القرآن تُطمئن القلب المُتعب، وتُبشِّرُ بالفرج والخلاص بعد الشدة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (سورة الشرح 6).

اللجوءُ إليه ليس استسلامًا، بل هو ثقةٌ عميقةٌ، هو اعترافٌ بقصورنا، بضعفنا، وبأننا نحتاجُ إلى قوّةٍ تُعانقُنا، تُدفِّئُنا، وتُعيدُ إلينا بهجةَ الحياة. إنه كأنَّنا نُلقِي بأنفسنا في أحضانِ بحرٍ واسعٍ، نعلمُ أنَّه سيحتضنُنا، وسيُنقِّينا من أوجاعنا، وسيُعيدُ إلينا سلامنا الداخلي. فالله هو {رَبُّ الْعَالَمِينَ} (سورة الفاتحة 2) هو الرحمن الرحيم، هو المُستجيب للدعاء، هو الذي يُخفِّف عنَّا الضُّرَّ والبلاء.

في تلك اللحظات، يُصبحُ الدعاءُ كالماءِ العذبِ على أرضٍ مُتعبة، يُنعشُها، ويُعيدُ إليها الحياة. كلُّ كلمةٍ تُخرجُها شفتانا، كلُّ همسٍ يُصدرهُ قلبنا، يُخفِّفُ ثقلَ الألم، ويزرعُ في أنفسنا بذورَ الأمل. نشعرُ وكأنَّنا نُعيدُ بناءَ أنفسنا، قطعةً قطعةً، بمساعدةٍ إلهيةٍ، بقدرةٍ لا تُقاوَم. ففي التسليم لِقضاء الله وقدره، نجد الراحة والسكينة التي تُخفِّف ألم الروح وتُعيد إلينا الطمأنينة والأمل.

فألمُ الروح، بمرارته، يُعلِّمُنا درسًا قيِّمًا، درسَ التواضع، والاعتماد على الله، وإدراكِ عظمته. إنه يُنقِّي أنفسنا، ويُقوِّي إيماننا، ويُلهمنا مواصلةَ رحلتنا نحو النور، نحو أملٍ جديدٍ، نحو حياةٍ مُفعمةٍ بالحبِّ والسلام.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة