كشمير قضية الصراع الهندي الباكستاني وإحدى أخطر بؤر الصراع الجيوسياسي في العالم منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، والنزاع الملتهب في جنوب القارة الآسيوية، في ملف العلاقات بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان، منذ انفصالهما عام 1947، وما تمخض عنه لاحقًا بانفصال بنغلاديش عن باكستان، لتظل كشمير الشرارة الأخطر في ملف الصراع بين نيودلهي وإسلام أباد التي تنظر إليها الأخيرة على أنها حائط الصد للدفاع عن أمنها القومي، في حين تخشى الهند الدعوة لحركات انفصالية، لو سمح لسكان الإقليم ذي الغالبية المسلمة بحق تقرير المصير.
حدود ملتهبة وصراع يحبس أنفاس العالم بأجمعه، ومع تجدد طلقات الرصاص وأصوات المدافع، تُطرح التساؤلات: هل يأتي يوم وتنتهي هذه المعركة؟ أم أن النار لا تزال تحت الرماد في انتظار شرارة جديدة؟
يتعمق هذا المقال في جذور الأزمة التاريخية بين الهند وباكستان، وتطوراته عبر العقود، مرورًا بمراحل التصعيد العسكرية والمخاطر النووية المحتملة، وصولًا إلى التداعيات الإنسانية والجيوسياسية، ويلقي الضوء على مصير شعب كشمير الذي لطالما كان رهينة في صراع لا يملك زمام أمره، ومحاولات التسوية ومستقبل هذا الصراع الشائك.
تاريخ النزاع على كشمير منذ عام 1947
بدأ الصدام بين المسلمين والهندوس منذ الاستعمار البريطاني للهند، وعلى الرغم من تعاون الهنود المسلمين والهندوس في حرب استقلال الهند سنة 1857، ضد البريطانيين؛ فإن خيوط القومية بين الهندوس والمسلمين بدأت تظهر مع تأسيس حزب المؤتمر والرابطة الإسلامية، ومع ضعف الحكومة الاستعمارية -بريطانيا- بدأ الصراع بين المسلمين والهندوس يطفو على السطح، خصوصًا بعد تصريح الرابطة الإسلامية برغبتها في إقامة وطن مستقل للمسلمين عام 1937.

مع فشل الحزبين في التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، ومع انسحاب المستعمر البريطاني سنة 1947، انفصلت باكستان عن الهند، وأصبحت دولة مستقلة، أعقبها هجرة كبيرة للمسلمين إليها، بينما ظل الهندوس في الهند، وكعادة المحتل، وبعد أن أوجد الفرقة بين المسلمين والهندوس، ترك حرية الاختيار لجامو وكشمير لتقرير المصير، في الوقت الذي أراد هاري سينج مهراجا كشمير الهندوسي في ذلك الوقت استقلال الإقليم، قبل أن يوافق على الانضمام إلى الهند مقابل تقديم الحماية له من الجارة الباكستانية، لتبدأ من هنا شرارة الحرب الهندية الباكستانية الأولى (1947-1948) التي استمرت عامًا كاملًا.
في أغسطس من عام 1965 اندلعت الحرب مجددًا بين الجارتين النوويتين فيما يُعرف بالحرب الهندية الباكستانية الثانية، قبل أن يتدخل مجلس الأمن الدولي لوقف القتال في 20 سبتمبر من العام نفسه، وانسحاب القوات إلى خطوط وقف إطلاق النار، لتدخل بعدها قضية الإقليم مرحلة من الجمود، حتى توقيع اتفاقية سيملا عام 1972 لتسود حالة من الهدوء النسبي.
حين تصير الجغرافيا قدرًا.. كشمير ساحة الحرب الباردة في آسيا
كشمير وادٍ خلاب ومتنوع عرقيًّا في جبال الهيمالايا، يقع على مساحة 242 ألف كيلو متر مربع، ويقطنه أكثر من 18 مليون نسمة، 90% منهم مسلمون، مقابل 8% هندوس، و2% بوذيون وسيخ، ويتمتع بموقع إستراتيجي جنوب ووسط القارة الآسيوية، ويمر عبره نهر السند أكبر أنهار القارة الآسيوية، وتضم تركيبته السكانية المغول والترك والأفغان وغيرهم، بلغات مختلفة كالكشميرية، والهندية، ويستخدمون الحروف العربية في كتاباتهم.
أما كشمير الهندية المعروف باسم جامو وكشمير ولداخ فتضم 10 ملايين نسمة، موزعين بين جامو وكشمير الخاضعة للهند، في حين يقطن نحو 5 ملايين نسمة كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية المعروف باسم آزاد كشمير (كشمير الحرة)، إضافة إلى 1.8 مليون نسمة في إقليم جيلجيت-بالتستان التي تتمتع بالحكم الذاتي.
يحده من الشمال الشرقي، منطقة شينجيانج الأويغورية ذاتية الحكم، ومن الشرق منطقة التبت ذاتية الحكم، وكلاهما جزء من الصين، ومن الجنوب ولايتا هيماشال والبنجاب الهنديتين، ومن الغرب باكستان، ومن الشمال الغربي أفغانستان.
على الرغم من تعهد الهند بمنح الإقليم حق تقرير المصير، منذ ضم جامو سنة 1947، بموجب قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مثل قرار مجلس الأمن رقم 47، فإن هذا لم يحدث حتى يومنا هذا، فالهند تحتج بوثيقة المهراجا سينج، والتي بموجبها اكتسب الهند ثلثي الإقليم، في حين تعده باكستان امتدادًا طبيعيًا لها.
وبينما يسعى كل طرف إلى ضم الإقليم لسيادته، ربما يرغب الكشميريون في خيار ثالث، يتمثل في الاستقلال التام عن البلدين، وهو خيار لا يحظى بتأييد الهند وباكستان على السواء.
كشمير.. جنة معلّقة على فوهة بندقية
يحظى الإقليم بأهمية كبيرة بالنسبة للهند من عدة وجوه، إذ يعد نقطة أمنية حيوية أمام التهديدات الصينية والباكستانية، وينظر إليه على أنه حاجز طبيعي يحول دون امتداد فلسفة الحكم الباكستانية القائمة على الأسس الدينية، خاصة أن غالبية السكان من المسلمين، فضلًا على الأهمية الاقتصادية والدفاعية للإقليم، ولطالما حرص مودي خلال خطاباته السياسية على تأكيد التزامه بإنهاء عهد تهميش واستبعاد القومية الهندوسية من دوائر صنع القرار، لا سيما بعد قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير.

أما باكستان، فالإقليم بالنسبة لها ليس مجرد قطعة أرض، بل وريد، قطعه يعني نهاية الحياة، كونه منطقة حيوية لأمنها القومي، ووجود طرق وشبكة سكك حديدية تعبرها في سرحد وشمال شرق البنجاب، إضافة إلى جريان 3 أنهار رئيسة (السند، جليم، جناب) التي تعد أوديتها شريان الحياة في باكستان، فضلًا على الأهمية الاقتصادية والجغرافية التي جعلت كشمير بغالبيتها المسلمة جزءًا من باكستان.
من المصافحة إلى الصدام.. رحلة العلاقات بين نيودلهي وإسلام أباد
منذ تنصيب ناريندرا مودي رئيسًا للوزراء في الهند عام 2014 شهدت العلاقات بين البلدين تطورات مهمة، ففي مايو من العام نفسه، قام رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف بزيارة تاريخية إلى الهند لحضور حفل تنصيب مودي، أعقبها زيارة مودي إلى لاهور الباكستانية في ديسمبر من عام 2015، تم خلالها مناقشة قضايا متعددة، بما في ذلك تعزيز التجارة والاستثمارات وقضايا الأمن بين البلدين.
في سبتمبر 2016 تدهورت العلاقات بعد هجوم أوري المسلح على قاعدة عسكرية هندية الذي أسفر عن مقتل عدد كبير من الجنود الهنود، ووجهت أصابع الاتهام لإسلام أباد، وجمدت محادثات السلام بين الجانبين، واستمرت العلاقات على هذا النحو من التوتر والتصعيد المتقطع حتى فبراير من عام 2021 عندما وقّع الجانبان هدنة.
هجوم باهالغام.. شرارة تصعيد جديد في كشمير
في الثاني والعشرين من إبريل الماضي 2025 شهدت منطقة باهالغام السياحية هجومًا دمويًا، أسفر عن مقتل 27 شخصًا معظمهم من المدنيين، وجهت الهند أصابع الاتهام لإسلام أباد، وهو ما نفته باكستان، متهمة الهند بالتذرع لشن حملة عسكرية تستهدف المدنيين في إقليم كشمير الباكستانية، واتخذت الهند إجراءات صارمة، تمثلت في تعليق معاهدة مياه نهر السند، التي تنظم تقاسم مياه الأنهار بين البلدين، وإغلاق معبر واغاه - أتاري الحدودي مع باكستان، وطرد الدبلوماسيين من نيودلهي، وإلغاء تأشيرات المواطنين الباكستانيين، وتقليص العلاقات التجارية والدبلوماسية.

الرد الباكستاني لم يتأخر كثيرًا، إذ أعلنت إسلام أباد مجموعة من الإجراءات الانتقامية، منها تعليق التجارة وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الهندية، وإلغاء التأشيرات للمواطنين الهنود، وأعلنت استعدادها للرد على أي هجوم هندي، وعدت تعليق اتفاقية المياه عملًا عدائيًا.
تطور الصراع مؤخرًا ليشمل قصفًا مدفعيًا وجويًا، ألحق أضرارًا كبيرة بالمنشآت الدينية والمدنية في كلا المعسكرين، قبل أن يتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويعلن التوصل لاتفاق فوري لوقف إطلاق النار.
الهند وباكستان.. ميزان القوة
تحتل الهند المرتبة الرابعة عالميًا في دليل القوة العسكرية حسب بعض التصنيفات مثل مؤشر "جلوبال فاير باور" لعام 2024، ولكن هذه التصنيفات متغيرة، بجيش قوامه 1.4 مليون مجند، و4600 دبابة، وأكثر من 9 آلاف قطعة مدفعية.
أما جيش باكستان فيأتي في المرتبة الـ12 عالميًا، بجيش يزيد على 700 ألف جندي ونحو 3700 دبابة و4600 قطعة مدفعية.
وبعيدًا عن القوة التقليدية، يمتلك البلدان عددًا متقاربًا من الرؤوس النووية يقدر بـ180 رأسًا نوويًا لكل منهما، وفقًا لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2023، والرقم 180 قد يكون مبالغًا فيه قليلاً أو يشير إلى تقديرات أخرى، ولعل هذا ما يحبس أنفاس العالم.
الهند وباكستان.. على حافة حرب نووية من أجل وادٍ مسلوب
في عام 2019 نشرت مجلة «Science Advances» دراسة تحاكي سيناريو حرب نووية بين الهند وباكستان، باستخدام 100 إلى 150 رأسًا نوويًا لكل طرف، تستهدف المدن الكبرى والمناطق الصناعية، وتوقعت النتائج مقتل 50 إلى 125 مليون شخص خلال الأيام الأولى نتيجة الانفجارات والحرارة والإشعاع، والسبب الكثافة السكانية في مدن مثل مومباي ودلهي وكراتشي، وهي الأهداف المحتملة في هذه الحرب.
وخلصت دراسة أخرى لرابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية إلى نتائج لا تقل تشاؤمًا، إذ قدرت مقتل 20 مليون شخص مباشرة إذا اشتعلت حرب بين الهند وباكستان، الموت لن يكون مقتصرًا على تلك البقاع، بل سينتشر إلى أنحاء العالم، وفق دراسة لمجلة (Nature) أشارت إلى أن الدخان الناتج عن الحرائق النووية قد يتسبب في شتاء نووي إقليمي، يقلل إنتاج الغذاء، ويؤدي إلى مجاعة تسحق المليارات من الناس عالميًا.
على شفا الهاوية النووية.. تصعيد خطر يحبس أنفاس العالم
التصعيد الأخير بين الهند وباكستان هو الأخطر منذ ربع قرن، والعالم اليوم بات على شفا حرب، قد تتحقق فيه حرب نووية ضحيتها ملايين الأبرياء.

يد على الزناد وأخرى جاهزة للتفاوض التهدئة
يقول الخبراء إن المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان، وكلاهما مسلح بأسلحة نووية، تنطوي على خطر التصعيد السريع الذي قد يصعب احتواؤه، وبينما يقول هؤلاء إن الهند غير مقيدة إلى حد بعيد بأي ضغط عالمي للحد من رد فعلها، وقد أصبحت أسرع في استعراض عضلاتها في السنوات الأخيرة مع نمو قوتها الدبلوماسية والاقتصادية.
يرى محللون أن الهند قد تكون مقيدة بخطر كشف جيش لا يزال قيد التحول، وهو ما دفع مودي إلى اختيار خيار أكثر دقة، مثل غارات جوية محدودة، أو غارات للقوات الخاصة بالقرب من الحدود مع باكستان، ما يهدئ الغضب العام، ويقلل خطر وقوع حوادث محرجة، ويتجنب التصعيد الانتقامي.
كشمير.. شعب رهينة في صراع لا يملكه
على مدار المواجهات العسكرية السابقة بين الهند وباكستان منذ عقود مضت على إقليم كشمير، ذلك الوادي الخلاب في جبال الهيمالايا، المحصور بين البلدين، نادرًا ما كان للكشميريين رأي في تقرير مصيرهم، ففي الوقت الذي يشتعل فيه الصراع بين القوتين النوويتين على السيطرة والنفوذ، لا يملك المواطن الكشميري إلا أن يكون ضحية لهذا الصراع، بعد أن صارت أرضه ساحة لتصفية الحسابات، كونه مسلوب الإرادة والتمثيل الحقيقي.
فبعد أكثر من 7 عقود على الحرب بين الهند وباكستان، لا يزال الصوت الكشميري مغيبًا في المحافل الدولية، التي اكتفت دولها بالتنديد تارة، وبالدعوة للتهدئة والحوار تارة أخرى، غير عابئين بالضحايا المدنيين من الجانبين، وعلى مائدة التفاوض يجلس الهندي والباكستاني، وربما الوسيط الدولي، بينما يغيب عنها الشعب الكشميري الذي فقد حق تقرير مصيره.

مستقبل الصراع بين الهند وباكستان على إقليم كشمير
بالنظر إلى تاريخ الصراع بين الجانبين حول الإقليم منذ الانفصال في عام 1947، تبدو الحلول السلمية تحديًا صعب المنال، وإن بقيت بعض الحلول المقترحة والتي من شأنها تهدئة التوتر بين الجانبين، عبر طاولة الحوار والتفاوض، وربما إمكانية النظر بعين الاعتبار في منح الإقليم درجة أعلى من الحكم الذاتي، وتوسعة صلاحيات الحكومة المحلية، وتمكين السكان من صنع قرارات تخدم مصالحهم، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، مع الأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة التي تعود بالنفع على الجانبين.
كل ذلك يتطلب تعاونًا جادًا وإرادة سياسية قوية من البلدين، مع دور أكثر فاعلية للمجتمع الدولي، بتعزيز الحوار والاستقرار والتنمية في المنطقة، وعلى الرغم من أجواء التصعيد تلك، فإن الإجراءات في كلا المعسكرين لا تزال محكومة بقيود صناع القرار ولا تتجاوز الخطوط الحمراء.
أما السيناريوهات الأسوأ، فلا تعدو أن تكون اشتباكات حدودية على طول خط السيطرة، أو اللجوء إلى التفجيرات الإرهابية التي يكون ضحيتها المدنيون في كلا الجانبين، وقد تلجأ أي من الدولتين وخاصة باكستان إلى الرد على إجراءات التصعيد، بإسقاط بعض المقاتلات كما حدث مؤخرًا.
يظل نزاع كشمير جرحًا غائرًا في جسد شبه القارة الهندية، ومصدر تهديد دائم للسلم والأمن الإقليمي والدولي. وفي حين تتأرجح العلاقات بين الهند وباكستان بين التهدئة والتصعيد، يبقى مصير الشعب الكشميري معلقًا، وحقه في تقرير المصير مهدرًا. إن التوصل إلى حل عادل ودائم يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، وإشراكًا فعليًا للكشميريين في تحديد مستقبلهم، وتجاوز منطق القوة والعداء التاريخي نحو آفاق التعاون والتنمية المشتركة، وإلا فإن شبح الحرب، بما في ذلك النووية، سيظل مخيمًا على هذه (الجنة المعلقة على فوهة بندقية).
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.