في عمق التراث المصري، تتجلى علاقة المصريين بالأولياء الصالحين وآل بيت النبي علاقة ممتدة عبر القرون، تحمل بين طياتها مزيجًا من الحب والتقديس والبحث عن البركة. ومنذ القدم ارتبط الوجدان الشعبي بفكرة "المدد"، ذلك النور الروحي الذي يستمده المؤمن من الصالحين، سواء أكانوا من آل البيت أم من أولياء الله الذين أخلصوا لله في أعمالهم فوهبهم مكانة بين الناس، فصاروا رمزًا للحكمة والرحمة.
عدد الأولياء في مصر
لا يوجد رقم محدد يمكن حصر أولياء مصر فيه، لكن الموروث الشعبي يؤكد أن مصر تحوي قرابة 6000 وليٍّ، من أشهرهم:
- السيد البدوي في طنطا
- الإمام الشافعي وسيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة في القاهرة
- المرسي أبو العباس في الإسكندرية
- سيدي إبراهيم الدسوقي في كفر الشيخ
- سيدي عبد الرحيم القناوي في قنا
- سيدي أبو الحجاج الأقصري
هؤلاء وغيرهم صارت مقاماتهم منارات روحية، ومزارات يقصدها المحبون في مختلف المناسبات، لا سيما في "الموالد" التي تُعد جزءًا من التراث الشعبي.
المدد: بين المفهوم الصحيح وسوء الفهم
يتردد في الأوساط الصوفية والشارع المصري مصطلح "المدد"، وهو مفهوم روحي يعني التوسل إلى الله ببركة عباده الصالحين، والاستعانة بدعائهم وتوجيههم. لكنه عند بعض الطوائف تأوَّل إلى ما يشبه الاستغاثة المطلقة بالأولياء؛ ما جعله محل انتقاد شديد من بعض المثقفين وتيارات دينية أخرى.
الموالد: احتفال شعبي أم بدعة؟
يُعد "المولد" واحدًا من أبرز العادات المرتبطة بالأولياء، فتتحول ساحات المقامات إلى مهرجانات شعبية تتداخل فيها الروحانيات مع الفلكلور المصري، من حلقات الذكر إلى المدائح النبوية إلى عروض التحطيب والتنورة حتى بائعي الحلوى ولعب الأطفال.
يرفض بعضنا هذه الموالد بعدِّها "بدعة"، في حين يرى آخرون أنها تعبير عن الفرح بذكرى هؤلاء الصالحين، تمامًا كما نفرح بالمناسبات الدينية الأخرى.
دور الدولة في دعم الفكر الصوفي الصحيح
مع تصاعد الفكر المتطرف، بدأت الدولة المصرية في دعم الخطاب الصوفي المعتدل، بواسطة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف التي عملت على تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة، والحد من الممارسات الخرافية، دون المساس بجوهر التصوف القائم على التزكية والتسامح والروحانية.
وقد تمثل هذا الدعم في:
- تنظيم الموالد تنظيمًا حضاريًّا.
- التشديد على الفكر الصوفي المعتدل.
- إبراز دور الأولياء في نشر الإسلام الصحيح.
الأولياء في السينما والدراما
تناولت السينما والتليفزيون فكرة الأولياء والصوفية في كثير من الأعمال، مثل:
- الولي الطيب، وهو فيلم قديم تناول كرامات الأولياء.
- شيخ العرب همام الذي جسد دور القائد الصوفي في الصعيد.
- مسلسل سوق العصر الذي أشار إلى الفكر الصوفي ضمن أحداثه.
- العارف بالله مسلسل عن الإمام الشافعي.
- فيلم المولد لعادل إمام الذي استعرض أجواء الموالد الشعبية.
- وفي الأدب، تكررت الإشارة إلى الأولياء في أعمال نجيب محفوظ، ويوسف زيدان، وعبد الحكيم قاسم، وغيرهم.
الزيارة لا تتم إلا بدعوة
من المعتقدات الشعبية أن "زيارة الأولياء لا تحدث إلا إذا أرادوك"، بمعنى أن الولي قد "ينادي" أحد محبيه فيراه في المنام، أو يجد نفسه مدفوعًا على نحو غامض إلى زيارة ضريحه. هذه الفكرة لها جذور في الموروث الصوفي، فيقال إن أولياء الله أحياء في قبورهم، يسمعون من يحييهم، ويستجيب الله لدعائهم.
شعر "أيها المُعرض عنا"
يُروى أن الإمام البوصيري قال في مدحه للنبي ﷺ:
"أيها المُعرض عنا... إن إعراضك منا
لو أردناك وجدنا... إننا نبغي رضاكا"
وهو تعبير صوفي عن فكرة القرب والبعد الروحي، فلا يصل المحب إلا بإذن المحبوب.
بين العقل والروحانية
إن التصوف ليس خرافة، ولا تغييبًا للوعي، وإنما هو مدرسة روحية تهدف إلى تهذيب النفس، والتقرب إلى الله بالمحبة والذكر.
إنها مصر، بلد الأولياء، وموطن الروحانيات، حيث لا تزال كلمات الدراويش تتردد في الأزقة: "مدد يا سيدنا الحسين... مدد يا سيدي البدوي...". لكن المدد الحقيقي ليس من الأضرحة، بل من الله.
احسنتي النشر
تناول عقلاني لموضوع حارق فظاهرة الاولياء الصالحين تنتشر باشكال مختلفة في كافة المجتمعات لكنها اكثر رسوخا في مجتمعاتنا الاسلامية
معطيات مهمة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.