وقف المدير فاردًا قامته في وسط الطابور الصباحيّ، التقط مايك الميكرفون، وكعادته ظلّ يخطب بكلماتٍ رنانة عن الأمانة والخلق القويم وعدم الكذب، لمَ لا.. فالكلام صنعة يزينه كما يزيّن شعرات رأسه بالكريم، ويهتم ببدلته الزاهية ذات رباط العنق الورديّ، ومنظر التلاميذ يزيد الموقف جلالًا، فهم واقفون في انتباهٍ تام في مربع ناقص ضلع، والمعلمون على رأس كل صف، والمدير مسترسل في حديثه، والكل منتبه فجأة أطلق من فيه كلمات كالرصاص صوب وتجاه الأستاذ / طه، واصفًا إيّاه بعدم الأمانة، وأنه لا يصلح أن يكون معلمًا، كل ذلك على مرأى ومسمع ما يزيد عن مائة معلم وألف تلميذ، صعق المعلم من كلامه، ولم يعرف السبب لكل ذلك، عمله يؤديه على أكمل وجه، بالإضافة أن تلاميذ فصله ممتازين، كما أنه أعلى مؤهلًا ومستوى ثقافي، كلام المدير الشديد ألجم فم الأستاذ على الرد، ظلّ يفكّر الأستاذ طه ما سبب ذلك الهجوم، أخيرًا تذكّر أنه الوحيد الذي لم يدخل دكان المدير، المدير يملك محلًا كبيرًا الأقمشة والملابس، ويشتري منه.
هنا أدرك المعلم السبب، في صباح اليوم التالي كتب الأستاذ طه مذكرة إلى مدير الإدارة يريد إنصافه وأخذ حقه ورد اعتباره أمام تلاميذه، على الفور أتى أكثر من محققٍ، لأن الإهانة كانت أمام مائة معلم وتلاميذ المدرسة، المحققون يطلبون المعلمين واحدًا تلو الآخر، وقبل أن يدخل المعلم تراه يمرّ على غرفة المدير، ثم بعد ذلك يصرح له بالدخول، ما يزيد على مائة ورقة تم كتابتها، والآن جاء دور الأستاذ طه في التحقيق، دخل وكله ثقة أن زملاءه سيؤيدون صدق كلامه لأن الإهانة كانت أمام الجميع في طابور الصباح. وفي منتصف الاستجواب كانت المفاجأة.
المائة معلم كلهم أنكروا الإهانة، وقالوا لم نسمع الإهانة، بل مدحوا في خلق المدير خطيب المنابر ذو لحية طويلة، كلامهم كان صدمة كبيرة، كيف يحدث ذلك، كل الزملاء كذبوا من أجل إرضاء المدير...
إذن سأطلب شهادة العمال فهم الأمل الوحيد، بعد خيبة أملي في رفقائي وجلسائي، ومن أقضي كل الوقت معهم، إذا من فضلك أيّها المحقق استجوب العمال، وبالفعل كان واحدًا منهم ذو ضمير حي، هنا ارتاح صدر المعلم طه، وردّت له ثقته بنفسه. لكن ماذا تفعل شهادة واحد، أمام مائة شهادة ضدها. قلب المعلم يمتلئ غيظًا، كيف لمن يدعى الفضيلة ويدعو إليها يكون إمام الكذب.
أفكارٌ متضاربة كثيرة تراود عقل الأستاذ، لكن في النهاية أنه أقرّ أمرًا سيكون مفاجأة للجميع، وفي طابور الصباح وأمام الجميع.
كان الأستاذ طه ذو لحية أيضًا يتمسك بالخلق والأمانة، لكنه قال سأخالف المدير، بعد انتظام طابور الصباح وبحضور المعلمين جميعهم، دخل الأستاذ طه الطابور والكل ينظر إليه، لقد تغيّر شكله وأزاح لحيته، وعندما رآه المدير اندهش! لم يستطع أن ينظر في عين الأستاذ طه ونظر إلى أسفل إلى الأرض..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.