حالة عجيبة من الذعر والهلع تجتاح أوساط الفتيات منذ فترة طويلة على إثر زيادة معدل العنوسة وارتفاع سن الزواج إلى حد غير مسبوق قد يتعدى الثلاثين وأحيانًا الأربعين من العمر ، وبمجرد اقتراب الفتاة من سن الثلاثين المرعب فإنها ترى وحش العنوسة يطاردها من كل صوب ؛ مهما كانت أنثى ناجحة أو متفوقة ، ومهما ادّعت أنها لا تفكر في الزواج وأنه لا يشغل بالها على الإطلاق إلا أن ثمة جزء فطري بداخلها يعلن ظهوره من وقت لآخر معلنًا احتجاجه على هذا الوضع ، جزء صغير هو ينزوي داخل ركن مظلم بقلبها يهفو إلى مشاعر الحب والأمان والاستقرار التي من المفترض أن يبثها الزواج .
لذا فقد صار الظفر بعريس في هذه الآونة بمثابة معجزة من السماء ، وأن تلقب الفتاة باللقب السحري ( مخطوبة ) يكفي لإعطاءها الأمان الكافي والاطمئنان أنها في سبيلها للفرار من دائرة العنوسة التي تلاحقها ، وبدأ الكابوس البشع يغادر حياتها تدريجيًا ، وهنا أصبح عليها الالتزام بدليل الخطوبة المتبع عادة أو ( كتالوج ) المخطوبين .
هذا الدليل يفرض على المخطوبة أن تصير واحدة أخرى بمجرد أن تحيط بإصبعها دبلة الخطوبة ، فنجدها فجأة صارت تعشق القمر والنجوم بعد أن كان الأول يذكرها بالمذؤوبين ومصاصي الدماء من أثر أفلام الرعب التي لابد أنها أكثرت من مشاهدتها إبان انتظارها العريس المنتظر ؛ وانطلقت الأغاني العاطفية من مكان ما بعد أن كانت تراها في السابق نوعًا من العبث والتفاهة و( السهوكة ) ؛ وصار رنين هاتفها المحمول المميز لاسم خطيبها يجعلها تهرع للإجابة بعد ما كان الصمت وهاتفها صديقان لا يفترقان ؛ وبات الفيلم الرومانسي الذي كان يثير ضجرها أكثر تأثيرًا عليها من أي حدث آخر يبعث على الحزن والتأمل .
ولو كانت الفتاة من نوعية فتيات هذه الأيام اللاتي يشاركن كل شيء على صفحة الفيس بوك من أول جرح إصبعها البسيط وتصويره مع شعور ( أشعر بالألم ) إلى نثر الأدعية الدينية في كل صوب على حسابها الشخصي في حالة سيطرة الحالة الإيمانية عليها ، هذه الفتاة بالذات – وهن أغلب الفتيات – تملأ الدنيا ضجيجًا وصخبًا لدى خطبتها ، ويمتليء حسابها الشخصي بالفقرات الرومانسية والأشعار والمقتبسات التي تدل على الحب العميق لخطيبها على غرار ( خطيبك هو الوحيد الذي يفهمك ) أو صورة من مسلسل تركي ما ولا مانع من الإشارة إلى خطيبها فيه والذي يبادلها هو الآخر بالتعليق ( ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي ) فتتبعه بتعليق مماثل يمتليء حبًا وعشقًا لتتناثر الورود والعصافير بين ربوع الفيس بوك ؛ طبعًا كل ذلك يتم بعد أن قامت بتغيير الحالة فور خطبتها من ( أعزب ) إلى ( مرتبط ) .
هذا هو السيناريو المحفوظ والكتالوج الذي اعتادت كل فتاة أن تسير عليه – أو معظمهن ، حتى لو كانت لا تطيق خطيبها وتفكر في الزواج للفرار من منزل أسرتها أو الفرار من العنوسة أو لأي سبب آخر ، لكنها تتصنع الحب والشوق لأن هذا السيناريو هو ما ترى الفتيات المخطوبات يفعلنه باستمرار حتى أصبح نوع من ( التابو ) المقدس الذي لو لم تفعله أي فتاة فهي حتمًا على غير وفاق مع خطيبها والواقع أن كل ذلك سيزول بمجرد الزواج ولن تستطيع الفتاة المواظبة عليه أكثرمن ذلك ، فالإنسان – أي إنسان – لا يمكنه التظاهر بشيء ما طيلة عمره ، المشكلة أننا نتصنع الحب ونعتصره من بين أضلعنا اعتصارًا ، نتظاهر بالرومانسة ونحن نعلم ذلك ، نفتعل الشوق والهيام العميق ونحن واعين أن هذا غير صحيح ، على الأقل ليس بهذه الدرجة ، وبعد الزواج بعدة أشهر يسأم المرء التصنع ويختفي الشوق الزائف والرومانسية المصطنعة ليحل محله الروتين والحياة الرتيبة بعد أن يرى كل من الزوجين الآخر على طبيعته بعد نزع القناع ، ونلقي الاتهامات على بعضنا بأنك لم تعد تحبني كالسابق ، وأنتِ لم تعودي للاهتمام بي ...
جرب أن تتعامل باعتدال ولا تستنزف جُل مشاعركِ من أجل كتالوج المخطوبين ، ليس من الضرورة أن تسير على خطاه بدقة ، فتعتصر مشاعرك كلها في فترة الخطوبة حتى لا تجد منها سوى بقايا بسيطة بعد الزواج ، لا تتسرع في إخراج كل مخزونك من الرومانسية والحب والشوق في الخطوبة حتى لا تفاجأ أن مخزونك انتهى أو كاد ، وقتها لن ترى الأمر مختلفًا بصورة كبيرة بعد الزواج ، بل وستقضي فترة الخطوبة كلها في راحة نفسية واستقرار لن يتبدلا ، حياة هادئة سوية بدون كذب على النفس .. بدون تصنع .. بدون ضغط .
كتالوج المخطوبين
ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.
ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.