كتاب جديد نضعه بين يدي القارئ لمؤلفه يوسف زيدان، والذي يتناول فيه مسألة ذات حساسية عالية في الأوساط الدينية عموماً سواءً اليهودية، أم المسيحية، أم الإسلامية، وهي مسألة العنف وارتباطه الوثيق بالدين والسياسة.
ففي المقدمة يتناول المؤلف جملة من الأقوال التي من المفيد أن يشير إليها حسب وصف المؤلف قبل الدخول إلى الفصول.
أراء المؤلف في الديانات الثلاثة
القول الأول في سماوية الدين بالضرورة
حيث يعتبر المؤلف أن تسمية الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية بالسماوية ليس دقيقاً، بل ديانات رسالية (رسولية)؛ لأنها أتت إلى الناس برسالة من السماء.
القول الثاني في أن الديانات الثلاث واحدة
هنا يرى المؤلف أن الديانات الثلاث هي ديانة واحدة وجوهرها واحد، ولكنها ظهرت بتجليات عديدة عبر الزمان.
القول الثالث في فحوى مقارنة الأديان
حيث يؤكد المؤلف أن الكتاب ليس مقارنة بين الأديان بالمعنى التقليدي.
القول الرابع في المنهج
حيث إن الكتاب كما يراه المؤلف هو عبارة عن مقاربة بين الديانات الرسالية الثلاث، وهي القاعدة الأساسية التي تقوم عليها فصول الكتاب.
القول الخامس في الفرضيات الأساسية التي تنطلق منها الرؤى في فصول الكتاب
من هذه الفرضيات أن التراث العربي والإسلامي لا يمكن فهمه دون النظر المتعمق في الأصول العميقة لهذا التراث الإنساني الهائل، هناك أيضاً القول في تداخل الدوائر، وقول في ضبط المفردات، وقول في فحوى اللاهوت العربي.
وكلها عبارة عن مقدمات تساعد القارئ على رسم تصور كامل للمنهجية المتبعة في هذا الكتاب، والغاية المثلى التي يرجوها المؤلف في وصفه، وتوضيحٍ لبعض المفردات الهامة إضافة لتاريخها كيلا يحدث لغط لدى القارئ.
الفصل الأول: جذور الإشكال؛ الله والأنبياء في التوراة
أسفار موسى الخمسة التي بدأ بها العهد القديم هي أسفار التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية، وتعد حجر الزاوية في الديانات المسيحية، وتعترف بها المسيحية اعترافاً كاملاً، بينما ينظر لها الإسلام بعين القلق دون أن يرفضها تماماً على أساس أنها صحيحة الأصل محرفة النص.
يضيف المؤلف أن ما يهمنا منها الآن هي الحقيقة التي تقول بأن الديانات كانت تنظر إلى الإله المختفي واهب الحياة والرحمة، بينما عندما جاءت اليهودية قدمت إشكالاً مهماً في صفات الله، فتارةً يظهر داعياً للخير، وتارةً ينشر الرعب لحساب اليهود.
فتارة يتحدث العهد القديم عن عقاب أهل مصر جميعاً لأجل اليهود، والطوفان الذي أباد البشرية كلها ماعدا نوح، كلها طبعاً في سبيل خدمة شعب الله المختار اليهود.
ستجد أيضًا على منصة جوك أنقذ قلبك، ملخص كتاب استرجع قلبك
الفصل الثاني: الحل، المسيح من الثيولوجيا إلى الكريستولوجيا
اليهود الآن ينتظرون المخلص لهم (المسيا أو الماشيح)، ظهرت دعوات كثيرة قبل وبعد نبي الله عيسى كلها تدعي النبوة، ولكن النهاية كانت لهم واحدة، في فلسطين ظهر شاب من أم يهودية (مريم) حسب الاعتقاد اليهودي القائل بأن أي نبي يجب أن يكون يهودياً، وأي يهودي يجب أن تكون أمه يهودية.
لقد طلبوا من المسيح الخروج والتراجع عن أقواله رغم أنهم رأوا من آياته بشفائه لابنة المرأة الكنعانية، وغلام الضابط الروماني (قائد المئة)، لقد ذاقوا ذرعاً من هرطقاته، وسيدعون الروم لصلبه.
لقد ذهب إلى الفداء الأعظم، وصلب ومات لمدة ثلاثة أيام حسب الاعتقاد المسيحي، وأمر أتباعه المعروفين مسيحياً بالرسل، وإسلامياً بالحواريين أن ينتشروا في الأرض ويبشروا بالخلاص.
يضيف المؤلف أنه مع كثرة الأناجيل التي في أيدي الناس اختلط الإيمان في الوسط المسيحي بين من يعتبر أن المسيح هو ابن الله، أو صورة الله، أو الله نفسه، بينما ذهب غيرهم للقول بأنه رسول من الله.
يقول المؤلف: لأن كل ما هو إلهي (ثيولوجي) قد أمسى متعلقاً بالمسيح، أي صار كريستولوجياً فإن المشكلة الكبرى في اليهودية (صفات الله) لم تعد مطروحة، وإنما صار الإيمان القويم (الأرثوذكسي) إيماناً بالمسيح الذي هو الله، وصار التشكيك في ألوهيته التامة تعني الكفر بعينه أو هو بحسب الاصطلاح المسيحي هرطقة.
الفصل الثالث: النبوة والبنوة، فهم الديانة شرقاً وغرباً
يتناول المؤلف في هذا الفصل التسلسل الديني لمناطق شرق فلسطين وغربها بينما اعتبر أن التشابه بين التثليث في الديانات الموجودة في مصر (إيزيس، وحورس، وأوزيريس) مع الديانة المسيحية قد ساعد على انتشارها في الأراضي المصرية لتصير لاحقاً المعقل الأول والأساس للمسيحية الأرثوذكسية، والقبطية.
وأيضاً في اليونان القديمة نرى كثيراً من آلهة جبل الأوليمب يغرمون بنساء من بني الإنسان، ويعاشروهن فيلدن لهم أنصاف آلهة، ومن هنا لم يكن غريباً على المسيحية في مصر واليونان أن تصير مؤمنة إيماناً قويماً بأن المسيح هو الله.
لكن الأمر على حد وصف المؤلف كان على العكس تماماً في شبه الجزيرة العربية، والهلال الخصيب، فقد كانت الديانات السابقة للمسيحية تُعلي من مرتبة الآلهة، وتفارقهم عن عالم البشر، وبالتالي كان الملك في الحضارات العراقية القديمة على سبيل المثال هو الذي يتلقى الأوامر من الإله، لذلك قدم حمورابي للإنسانية أول قوانين مكتوبة زاعماً أنه تلقاها من الآلهة وحياً.
ومنه يعتبر المؤلف أن النبوة منشأها الهلال الخصيب، والبنوة منشأها مصر واليونان.
ستجد أيضًا على منصة جوك ملخص كتاب قوة العادات
الفصل الرابع: جدل الهرطقة والأرثوذكسية، الاختلاف القديم بين عقليتين
مع الصراع القائم بين النبوة والبنوة كان لا بد من ظهور فكر هرطوقي بنظر الكنيسة الأرثوذكسية، فالخلاف في القرون الأولى وإن لم يتحول إلى حرب بين المؤمنين والهراطقة إلا أنه كان يتمحور حول محور واحد فقط وهو طبيعة المسيح.
ظهرت الكثير من الأفكار التي عدتها الكنيسة الأرثوذكسية القبطية هرطقة، وكان منشؤها هو الشرق، مثل الأبيونية وهي جماعة يهودية عاشت في بادية الشام، وكانت تعتبر (الماشيح، أو المسيا) محض نبي كالأنبياء خصه الله بالمعجزات، وبولس السميساطي الذي عاش في القرن الثالث الميلادي شمال الشام كان أسقفاً لأنطاكية سنة 260م.
وخُلع بسبب اعتقاده ببشرية المسيح، ولكن الملكة زنوبيا كانت تحميه، واختارته نائباً لها، وبعد أن هُزمت مملكة تدمر أمام روما تم نفيه وعزله مرة ثانية، ولا يُعرف مصير بولس السيمساطي بعد ذلك.
كما يذكر لنا المؤلف مجموعة من الشخصيات الدينية التي عدتها الكنيسة الأرثوذكسية على المدى الطويل بالهراطقة مثل لوقيانوس، وآريوس، الذي تعتبره المسيحية الهرطوقي الأعظم، مكدوفيوس وأبوليناريوس إضافة إلى نسطور.
يقول المؤلف: "يمكن القول إجمالاً إن المسيحية ديانة قد عرفت من يوم انتشارها طفرات عنف تولدت وتطورت حتى أدى الحال إلى انفجار أنهار الدم في أرض الله بسبب الفهم المتناقض للديانة".
الفصل الخامس: الحل القرآني، إعادة بناء التصورات
كان الحل القرآني حسب رأي المؤلف في نقطتين جوهريتين:
أولهما: أحسن القصص
حيث جاء القصص القرآني راقياً في لغته مترقياً القارئ والسامع إلى حضرة علوية لا يشوبها لفظ رديء ولا معنى غير لائق بالله ورسوله، حيث ذكر القرآن قصص الأنبياء جميعاً دون أن يذكر بحقهم نقيصة واحدة على عكس التوراة التي صورت سلوكيات غريبة للأنبياء لا تليق بعموم البشر، سواء قصة نبي الله إبراهيم أو يهوذا أو لوط أو حتى سليمان..
ثانيهما: إن القرآن أنهى الجدل في حقيقة المسيح وأمه القديسة
فأمه المرأة التي أحصنت فرجها، وأوصل جبريل النفحة الإلهية الخالقة إلى مريم فحملت بالمسيح، ورفض القرآن رفضاً قاطعاً أي تشبيه للمسيح أو روح القدس بالله تعالى.
ستجد أيضًا على منصة جوك ملخص كتاب: الفوز بقيادة العالم
الفصل السادس: كلام الإسلام، الوصلة الشامية العراقية
يتناول المؤلف في هذا الفصل ما يسمى بعلم الكلام ومختلف تسمياته كعلم أصول الدين والفقه الأكبر، ظهرت بواكير هذا العلم في القرن الأول الهجري وتحديداً في النصف الثاني منه وذلك عقب انتشار الإسلام في البلاد المحيطة بجزيرة العرب، يُعرفه ابن خلدون بأنه علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المنحرفين في الاعتقادات.
يعتبر المؤلف أن آباء المتكلمين في هذا العلم هم المعتزلة العقلانيون، ومن بعدهم الأشاعرة، وهناك بدايات سابقة فردية انطلق منها علم الكلام ذاته، مثل معبد الجهني الذي دارت آراؤه الكلامية وهرطقاته حول نقطة وحيدة وهي نفي القدر، وسمي لاحقاً مذهبه بالقدرية.
وغيلان الدمشقي الذي قام مذهبه الكلامي على الحرية الإنسانية، فصار يخالف في الوقت ذاته ما كان الأمويون يؤكدونه في الجبرية، إضافة إلى الجعد بن درهم الذي نفى صفات الكلام عن الله، والجهم بن صفوان الذي يعتبر الخطر الأكبر في علم الكلام، ويعتبر الجد المؤسس للمعتزلة، وقال بخلق القرآن، وأن الله في الأمكنة كلها.
يصل بنا المؤلف إلى عهد الاستشهاد وكيف انتهى المطاف بمن كانوا آباء المتكلمين بأبشع طرق القتل والتعذيب، فالجهم بن صفوان قتله الأمير مسلم بن أحوز بأصبهان لأسباب سياسية بحتة، أما الجعد بن درهم فقتله الأمير خالد بن عبد الله القسري ذبحاً مع أول أيام العيد في المسجد، وغيلان الدمشقي الذي قتله الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك فقطع له يده ورجله ثم عندما أصر على كلامه صلبه على باب دمشق.
ستجد أيضًا على منصة جوك عرض ملخص كتاب: القواعد الثمانية والأربعون للسلطة
الفصل السابع: اللاهوت والملكوت، أطر التدين ودوائره
الجوهر في اليهودية والمسيحية والإسلام واحد حسب وصف المؤلف، وعمق النسق الديني الرسالي يمتاز بسمات عامة وبنيات نظرية أساسية، في هذا الفصل ينظر المؤلف إلى المسألة من زاوية التدين لا الدين، أي من الزاوية التي يتعبد بها الناس ويفهمون من خلالها الدين.
الإنابة: الله تعالى في اليهودية والإسلام والمسيحية واحد متعال بطبيعته عن العالم المخلوق، لله دوماً عند المتدين نائب وممثل إنساني وناطق بلسانه العالي.
في اليهودية صاحب الشريعة هو موسى، يتلوه في الرتبة هارون وخليفته يوشع بن نون، أما في المسيحية السيد المسيح ناب عن الأب حيناً من الزمان، ثم الحواريون ويأتي بعدهم البابوات والأساقفة والكهنة، وهؤلاء جميعاً إذ ينطقون بالإنجيل فهم ينوبون عن الله.
وكان للإسلام نواب عن الله، فقد يكون النائب صحابياً أو تابعاً أو تابع التابع، كما يعتبر الحاكم في الإسلام هو ظل الله في الأرض ولا جدال عند الحكام في هذا الأمر، هذا النائب السياسي الإسلامي أما في الإطار الشرعي فهناك الإمام عند أهل السنة، والإمام المعصوم عند الشيعة.
الإبادة: الكتب المقدسة المسيحية هي كتب أعمال ووقائع فعلية، فالصورة الإلهية التي اعتمدتها الديانة المسيحية هي الصورة أو الصيغة التوراتية القديمة، ولا يجوز في العقيدة المسيحية الفصل بين العهدين القديم والحديث، ونظرت المسيحية إلى عنف الرب التوراتي أنه قدوسية إلهية.
أما اليهودية فهي بعد الفتح الأول على يد يوشع بن نون ينظرون اليوم لفلسطين أنها الأرض التي وعدهم بها الله؛ لذلك يتفننون في إخلائها من سكانها، واليوم يعتقد اليهود أن الأرض يسكنها غير أبناء الرب، فكيف يتحقق الوعد دون محو وإبادة..
أما في الإسلام فلم يتطرق المسلمون كثيراً للإبادة الإلهية، ورجحوا صفات الجمال الإلهي على صفات الجلال.
ينتهي المؤلف في هذا الفصل إلى الخروج وهو الخروج المبني على أساس ديني، وأول خروج كان خروج إبراهيم وابن أخيه لوط، والخروج الأشهر هو خروج موسى باليهود من مصر، ومن ثم خروج المسيح على اليهود.
ثم جاء الإسلام الذي عُرفت فيه وعلم تاريخه بجماعات الخوارج التي تصورت إيماناً خاصاً بها، وتأولت النص القرآني حسبما فهموه، فقتلوا الصحابة، ومن بعدهم استمروا في الخروج على الحكام.
يؤكد المؤلف على أن الخروج اختص بالديانات السماوية الثلاث؛ لأن خروجهم كان بدعوة القداسة، ومنه كان الخروج يرتكز على الدين، أما بالنسبة للثورات فهي نزوع إنساني يبنى على أسس واقعية، وتسعى لرد الظلم واقتناص السلطة.
ستجد أيضًا على منصة جوك ملخص كتاب الرجال من المريخ و النساء من الزهرة
الخاتمة والفوائد المهمة
وفقاً للرؤية التي عرضها المؤلف فهو يورد في الخاتمة بعض الخلاصات العامة على هيئة أقوال:
القول الأول في سبب ظهور علم الكلام
ويؤكد فيه المؤلف أن علم الكلام أو اللاهوت ليس علماً إسلامياً بحتاً، بل هو امتداد للاهوت اليهودي والمسيحي، وخاصة أن هذا العلم جاء نتيجة محاولات المسلمين إثبات وجود الله من عدمه في البلاد التي كانوا يفتحونها.
يؤكد المؤلف على أن اللاهوت هو سمة موروثة خاصة في البلاد العربية في منطقة الهلال الخصيب.
القول الثاني في مسألة التأثير والتأثر
لقد حاول بعض المستشرقين نفي صفة الإبداع عن العرب المسلمين، وبالتالي القول بأن علم الكلام الإسلامي هو علم مسيحي بحت، وأن بعض آباء المتكلمين الأوائل أخذوا كل أفكارهم عن المسيحية واليهودية.
يقول المؤلف: "أعتقد من جانبي أن هذا الاضطراب، بل هذه الحيرة الاستشراقية في مسألة التأثير والتأثر بين التراث المسيحي وعلم الكلام هو أمر يعود إلى النقطتين الآتيتين التي غفلت عنهما الدراسات الاستشراقية التي تصورت هذا الموضوع:
لم يستطع هؤلاء الباحثون الكبار مقاومة الإغراء للمقارنة بين الفكر الكنسي من جهة والنظريات الكلامية المكتملة من جهة أخرى، وبالتالي غفلوا عن أساس النظريات الكلامية.
إن علم الكلام لم ينشأ في منطقة الشام والعراق اعتباطاً إنما بسبب أن المسلمين والعرب والمسيحيين يشكلون دوائر متداخلة، مع العلم أن المسلمين كانوا في الأساس مسيحيين في المنطقة".
صلة الدين بالسياسة إن الفصل بين السياسة والدين سيبقى دوماً محض توهم تبدده الحقائق التاريخية العقائدية للديانات الرسالية الثلاث التي امتزج فيها الدين بالسياسة امتزاجاً شديداً.
يعتبر كتاب "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني" من الكتب المثيرة للجدل لما مسّه من أساس ديني لدى الديانات السماوية الثلاث، ورغم أن الكتاب مبني على أسس علمية تاريخية إلا أن الكثير من أتباع الديانات كان لهم مآخذ عديدة على الكتاب، وقد يكون السبب الأول والأهم هو التبعية والتسليم بأن أي فكرة دينية هي صحيحة حتى لو أثبتت خطأها.
ستجد أيضًا على منصة جوك ملخص كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعاليات لستيفن كوفي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.