أحد مميزات منصة جوك هو اهتمامها بتقديم ملخص أي كتاب بمختلف أنواعه، والكتب المختلفة سواء كانت روائية، تاريخية، أم حتى رياضية.
وقد قدم جوك العديد من النماذج الرائعة منها، حياة الرائعة رضوى عاشور، وملخصات كتب دكتور محمد طه "الخروج عن النص"، و"علاقات خطرة"، كذلك الرواية التاريخية الرائعة ثلاثية غرناطة، والرواية الكلاسيكية "بوليانا"، وكثير غيرها.
اقرأ ايضاً من كتاب "متعة أن تكون في الثلاثين".. تعرف على 7 مشاهير لاقوا النجاح بعد سن الثلاثين
طقوس الحجر الصحي
أعاد فيروس كورونا –كوفيد 19- تشكيل نسق حياتنا وخلق طقوس تلائم وضع الحجر الصحي، نعيش في هذا المقال مع دفنه صومان –روائية وعالمة اجتماع– طقوس الحجر الصحي وكتابة المقالات من الشرفة الخلفية لمنزلها الكائن في "أثنيا".
الشرفات الأمامية عكس الشرفات الخلفية
"أقضي الظهيرة على الشرفة الخلفية منذ عدة أسابيع حيث الواجهات الخلفية للبنايات يتوسطها فناء بمنتصفه شجرة ليمون نرى بالواجهات المطلة على الفناء: رفوف البطاطس والبصل، وشرفات المطابخ الممتلئة بعربات التسوق.
ونوافذ غرف النوم وستائرها من التل تحجب النوافذ الخشبية أشعة الشمس من النفاذ"، هكذا استهلت، ذكرت دفنه صومان في مقالها بموقع http://okumakiyigelir.com.
وحكت أن الشرفات الأمامية على عكس الشرفات الخلفية نرى عبرها أشجار الصنوبر والسرو والكافور وأغصان مزهرة بالكرز الأسود التي تصل حد السماء حيث تمتد للطابق الثاني للبناية.
اقرأ ايضاً ملخص كتاب "مرح الآلهة ".. 40 يوماً في الهند وأساطير لا يمكنك أن تصدقها
دفنة الصومان الشرفة الخلفية
تفضل دفنه صومان الشرفة الخلفية حيث تلائم ضجرها إذ تجد في براح الفناء ترياقًا لانقباضة صدرها، وتحب القطط أيضًا الشرفة الخلفية ربما لسقوط شمس الظهيرة عليها، تشير دفنه صومان إلى الخصوصية التي تُسدل الوجهات الخلفية الستار عليها.
فترصد من خلال شرفتها الخلفية حيوات جيرانها: "فحين ألتفت لأعلى أجد الفتاة الصغيرة التي تسكن الطابق الثالث، وقد خرجت من شرفة غرفة نومها وفرت حال رؤيتها لي، وتفتح جارتي المقابلة لي ستائرها التل صباحًا وتضع وسادات الأريكة فوق الشرفة".
يصير المنزل أمامي ككتاب مفتوح من شرفته الخلفية وحتى الأمامية، منزلها عتيق حيث الخزانات والمكتبة ووسادات الكرز الضخمة المهترِئة والبالية، تعيش تلك السيدة العجوز بمفردها.
وبرغم من أننا نسكن مقابل بعضنا البعض إلا أنني لأول مرة أقول لها "ياساس" الأسبوع الماضي حينما كنت أغلق النافذة"، وتعني "ياساس" أهلًا وسهلًا باللغة اليونانية.
اقرأ ايضاً نظرة تأمل في كتاب فن الكلام للدكتور إيهاب فكري
دفنة صومان
أضافت دفنة صومان: "أقيم بأثينا حيث المطابخ المطلة على نفس الفناء والوجهات الخلفية للغرف.
بني هذا العقار عام 1968م معظم السكان من عائلات المالكين أصحاب الأراضي التي بني عليها، يقيمون هنا منذ 1968م كعائلة أمي؛ لا أجد إقامتهم بنفس البناية الكائنة بـ"غايرت تبه" منذ 1968م غريبًا في شيء".
"يندهش أصدقائي الأمريكان من ارتباطنا بالسكن داخل منزل محاط بأربع جدران، فبرغم من أنهم ينشؤون في منازل ذات طابقين قريبة من الأرض إلا أنهم يمكنهم الانتقال للجهة الأخرى من القارة عندما يبلغون عمر الـ 18.
ويعيشون بشقة في بناية لكنه سكن مؤقت فبأحلامهم منزل آخر، يمكن أن يبذلوا عمرهم كله لتحقيق هذا الحلم، أما أحلام أطفال البناية مجرد الانتقال إلى بناية أخرى".
اقرأ ايضاً كل ما تود معرفته عن كتاب اليهود واليهودية والصهيونية الموسوعي لعبد الوهاب المسيري
الجيران وكتابة المقالات من كتاب الشرفة الخلفية
تواصل رصدها لجيرانها: "أبتهج عندما أرى الفتاة تضحك حينما تراني وتفر فورًا، تنبعث روائح طعام مختلفة من كل طابق، وتتسلل رائحة السمك المقلي اليوم لمنازلنا، لا بد أن هناك حرفيين يعملون في طابق ما".
"أسمع من يصرخ بهم دومًا في الصباح الساعة الحادية عشر، ألتفت لأرى من هذا الذي يصرخ ولماذا، فألتقي بجاري النحيل "زبرجت" الذي يعيش وحيدًا يعلق بيد ملابسه، وبيده الأخرى يدُخن سيجارة، لا نتبادل التحية، فنحن مختلفان".
اقرأ ايضاً كتاب "أسرار عقل المليونير".. اقرأ الأن
أحداث من كتاب الشرفة الخلفية
تسكن بالأسفل بطابق المدخل العلوي معلمة غناء.. أسمع عزف البيانو والمقطوعات الموسيقية، سوبرانو، كمان، نغمات تصاعدية وتنازلية لـ، لـ، لـ. لديها كلبان، يحجبان الشرفة الأمامية عندما يأتي الطلاب.
لا تنتهي ضجتهما، ينبحان على كل الكلاب التي تمر من أمامهما، فيما مضى تركت المعلمة وزوجها الكلاب وذهبا إلى عطلة عندما كانت الفرصة سانحة للسفر خارج المدينة عبر السيارة أو القطار أو حتى الطائرة.
كان الكلبان عاجزين بالشرفة، وجدنا بنهاية ذلك الأسبوع تحديدًا يوم الاثنين ورقة بمرآة المصعد كُتب عليها "سوف أقوم باستدعاء الشرطة إذا أسأت مجددًا للكلاب".
تضيف دفنة إنها تكتب هذا لكونها كاتبة؛ فالإنسان هو منبع إلهامها، وتشير إلى ضرورة انخراطها وسط الناس ومشاهدتهم حتى وإن لم تنبس بأي كلمة معهم، تكفيها مشاهدتهم وتدوين مدى انعكاس هذا على عالمها الخاص وإلى أي مدى تُذكرها تلك اللحظات بما تحمله بذاكرتها، أول رشفة للقهوة.. مداعبة الرياح لشعرها وبعثرته وهي فوق دراجتها.
هل تغيرت حياة دفنة صومال في الحجر الصحي؟
أردفت: "يقولون لم يتغير أي شيء بيومي، لا أزال أكتب حتى بعد توقف السفر لاسطنبول يمكن أن أبدأ رواية جديدة، فكرت في البداية بذلك، فكنت قبل الحجر الصحي أقضي 90% من وقتي في أثينا بالقراءة والكتابة في المنزل.
أستيقظ صباحًا في السابعة وأحيانًا كنت أستيقظ قبل ذلك، أمارس اليوغا ثم أتناول فطوري وأركب دراجتي، أتجول بأكروبوليس وبلاقا، وسوق السمك، وإكزارشيا، وميدان سنتغما حيث المقاهي التي أتردد عليها بجميع أنحاء المدينة، أجلس هناك أقرأ الكتب.
أدوّن ملاحظاتي وحين أتعب أترك القلم وأشاهد الناس حولي، أعود للمنزل بعد الظهيرة أتناول الغداء وأنتقل للمكتب، فترددي بمفردي على المقاهي هو سر إلهامي في كتابة المقالات، أما الآن أجلس برفقة القطط في الشرفة حتى الظهيرة، لا أرغب بفعل شيء.
أنظر للشرفات الخلفية وأمشط شعر القطط، سرعان ما يتشتت انتباهي عند قراءة سطرين منزعجة، فشريان إلهامي مسدود، تذكر دفنة أنه قد مر عدة أسابيع، تعلمتْ خلالهم عدة أمور، فثبات الإنسان يأتي من توقفه عن فعل الأشياء.
فلا يمكن للشخص أن يقول: "لأجلس عدة ساعات على الشرفة وأنتقل للمكتب لأدون بعض الملاحظات، ينبغي عليه أولا الإمساك بالقلم حتى وإن لم يرغب بذلك".
كيف تقوم بكتابة أي كتاب؟
وتضيف أنها لا تستخدم الحاسوب فتأخذ ورقة وقلم وتجلس حتى وإن لم ينطو عقلها على أي قصة أو فكرة، تسافر عبر ذاكرتها لعام 1987م حيث أُلغيت جميع العطلات الصيفية في سبيل السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية نحو ثلاثة أسابيع.
ومن ثم أُلغيت كل النشاطات الصيفية التي كانت تقوم بها: تمارين التنس، السباحة، المخيم، تعرب عن تعجبها بما تفعل بمفردها في اسطنبول الحارة في الطابق الثامن للبناية الكائنة في "غايرت تبه".
لا أترك القلم من يدي، أضبط الساعة على 24 دقيقة كيلا أتركه، أخبر نفسي أنني يمكنني التحمل 24 دقيقة، أحث نفسي على الكتابة، فالمقال يتألف من جمل، أحكي مشهدًا، أتذكر يومًا من الماضي، أتساءل هل عشت هذا اليوم؟ هل قرأت هذا الكتاب؟
يُزيل تعاقب الجمل هذا الركود، ويتسلل الوحي من تلك الشقوق والفجوات، أتذكر هنا أن هناك الكثير من الشرايين تمد إلهامي بالحياة، البشر وعلاقاتهم، الأدب، أضبط الساعة مجددًا على 24 دقيقة، الهواتف مغلقة، حان وقت القراءة المتواصلة، أقرأ "كريك وأويكس" لمارجريت أتوود.
كتاب يبعث الأمل في نفس دفنة صومال
أقرأ الكتب التي أحبها مرة ولا أتركها أبدًا، أقرأ للمرة الثانية "خزي" لـ ج.م. كوتزي، وحينما يضيق صدري أفتح مجموعة "شرمين ياشار" القصصية "اجلب الخبز وأنت قادم".
عندما تنتهي الـ24 دقيقة أُعيد ضبط الساعة مجددًا، أروض انتباهي بخطوات بسيطة، كلمات قليلة، وعود متواضعة، أهنئ نفسي عند تمكني من إصدار قصة بشهر واحد، أداعب شعري.
تتبادر الشرفة الخلفية إلى ذهني حيث المنازل العشرة المطلة عليها، تُلهمني بعشر قصص، يمكن أن أشاهد الناس من مكان نومي.
أشاهد فراغهم حتى وإن لم يخرجوا للشرفة، فللفراغ لغة أيضًا، تحكي لي تمايل الوسادات بالفراغات الموجودة بحبل الغسيل،مصابيح الشرفة المضيئة بالنهار، أقرأ الفراغ وأسمع شجار زوج لا أعلم لغة حديثهم، فيختلط علي الأمر أهذا شجار حقيقي؟
تجمع الخالة أولجا الليمون من شجر الفناء، أما حفيدها ممسك بتلابيب تنورتها، لا يكف عن إطلاق الأسئلة، يخرج زبرجت سيجارته مساء يجمع ملابسه، تنتقل أشعة الشمس للشرفة الأمامية، وأنتقل أنا بدوري أيضًا إليها لرؤية حديقتنا متلألئة تحت غروب الشمس، أنتقل بشغف النظر بعيون الآخرين وأسمع بأذنهم، ورؤية ضوء أثنيا الأسطورية منذ هوميروس.
أمسك قلمي صباح اليوم التالي وأبدأ في الكتابة حتى يتسلل الإلهام من خلال الشقوق، ثم يخرج هذا المقال إلى النور.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.