كيف تكون كتابة الرواية الجيدة؟ وهل من قواعد محددة للحكم على عمل أدبي بالجودة؟ نحن نعرف أن الأذواق تختلف، وليس شرطاً أن يعجبني كتاباً يعجب الجميع، هناك الكثير من المنشورات على مجموعات القراءة من أشخاص لم يستطيعوا استساغة روايات نجيب محفوظ مثلاً، هناك أدباء لا يحبون ماركيز، شخصياً لا يعجبني هوراكي موراكامي ولم أتمكن من استكمال رواية لمارجريت أتوود، هل هذا يعني أن أعمالهم الأدبية ليست "جيدة"؟
ما معيار كتابة الرواية الجيدة ؟
الحقيقة أن الأمر كما قلنا يخضع أولاً لذوق المتلقي، لهذا تكون نصيحتي الأولى لأي شخص يطلب مني إرشادات للكتابة، أن يكتب لنفسه أولاً، فلن يُعجب الجميع بكتابته، ولن يحظى على رضا الجميع.
أحب قراءة النقد السلبي لأعمالي قبل الإيجابي، وأضع دائماً علامات إعجاب على المراجعات ذات التقييم الأقل لرواياتي. لا يعني هذا أنني أوافقهم أو أن ما يقولونه هو بالضرورة صحيح، لكني أقدر شجاعة التعبير عن الرأي، وأقدر كذلك اختلاف الأذواق.
لكن وعلى الرغم من ذلك، هناك نقاط أساسية يجب أن تكون موجودة ليصبح العمل الأدبي جيداً، الاستمتاع بالتأكيد ضمن النقاط الأولى، سواء كانت رواية أو كتاب Nonfiction، المتعة واجبة لضمان استمرار القارىء في القراءة، والمتعة لا تعني الميل إلى التفاهة أو الاعتماد على التشويق، بل يعني وبكل بساطة السلاسة والإيضاح، وتمتع الكاتب بميزان حساس يحافظ على الإيقاع، وفي رأيي المتعة تكمن في شعور القارىء أن الكاتب لا يتعالى على النص، ولا يتعمد التعقيد أو الغموض.
هناك روايات كُتبت خصيصاً للمتعة، أنا شخصيا أحب متابعة كل روايات غيوم ميسو وستيفن كنغ وباولا هوكينز، لكني لا أستطيع وضعهم في نفس الخانة مع خوان خوسيه مياس أو أرونداتي روي أو إريكا يونغ او أليس مونرو، والغريب أن إجراء مقارنة بين هؤلاء الكتاب قد يجعلنا قادرين على فهم النقطة التالية وهي الفكرة، هل الفكرة كافية لتكون الرواية جيدة؟
من يقرأ لغيوم ميسو سينبهر حتماً بالأفكار الجديدة، ستيفن كنغ هو ملك الأفكار، دان براون كذلك، حتى لو ابتعدنا عن الروايات التشويقية واتجهنا إلى التجريبية مثل روايات الفونس كروش مثلاً، هذه أفكار بكر ومختلفة وغير مكررة، لكن هل هي ما تجعل الرواية جيدة فقط؟
في قصص مياس نجد العادي وقد تحول إلى غير عادي، في مجموعة "الأشياء تنادينا"، تدور معظم القصص حول فكرة العلاقات الأبوية والأمومية، أحداث عادية في بيوت عادية وزمن عادي، لكنها تظل في نفس الوقت غير عادية، لأن الكاتب استطاع تأمل التفاصيل الفريدة لأي حدث واقعي.
الكاتب هنا يحمل عدسة مكبرة، هو لا يكتفي بوصف المشهد وكأنه يحكي فيلماً شاهده في السينما لصديق، بل يتأمل يما يختفي وراء كل شيء، وراء نظرات البطل، ما يدور في عقله، كيف يشعر، كيف يمكن أن يتماس ما يشعر به مع المتلقي، كيف يمكن أن يتمكن الكاتب من دفع القارىء للتقمص، من أن يضع نفسه مكان الشخصيات، أن يشعر بما يشعرون به، ويفكر فيما يفكرون فيه.
الفرق بين الرواية الجيدة والممتعة
هنا يتضح الفرق بين الأدب الجيد والكتابة المشهدية، بين الرواية كما يجب أن تكون وبين الحكاية التي تُقرأ قراءة المرة الواحدة، بين رواية قد تكون ذات فكرة مكررة، مثل فكرة انفصال الوالدين مثلاً في رواية أربطة لدومينيكو ستارنونه، لكنها مكتوبة بطريقة فريدة لم تُكتب من قبل، وبين رواية ذات فكرة مبتكرة مثل رجل قادر على التحول والانتقال عبر الزمان والمكان، كُتبت من على السطح.
في رواية "الحياة السرية للأشجار" للكاتب التشيلي أليخاندرو سامبرا، لا يحدث أي شيء، البطل يجلس في غرفته في انتظار فيرونيكا زوجته التي يبدو أنها لن تعود، في الغرفة المجاورة تنام ابنة زوجته، هذا كل شيء.
لكن في فصلين وعدد قليل من الصفحات، يمنحنا تعريفاً حقيقياً لما يجب أن تكون عليه الرواية، لما يجب أن يفعله الكاتب من طرح أسئلة، واستكشاف العالم، ليس العالم بأكمله قدر العالم الصغير لإنسان واحد هو رمز للبشر جميعاً، الكاتب يكتفي بإشعال جذوة نار في عقل من يقرأ، جذوة لن تنطفىء أبداً لأنك بعد الانتهاء ربما تفكر أن هذه قصة عادية، لكنك لن تتوقف عن التفكير في تفاصيلها، الشعور الغامض بأنك مكشوف أو شفاف، وأن الهواء يمس أوردتك وشرايينك ودمائك، وأنك تعرف عن الحياة أكثر بكثير عما كنت قبل القراءة.
يقول ريموند تشاندلر إن الشيء الأكثر دوامًا في الكتابة هو الأسلوب، وهو الاستثمار الأكثر قيمة الذي يمكن للكاتب أن يجريه مع زمنه. وهو يؤتي ثماره ببطء، سيسخر منه وكيل أعمالك، وسيسيء الناشر فهمه، وسيستلزم الأمر أن تقنع أناسًا لم يسبق لك أن قابلتهم على الإطلاق، وبمعدلات بطيئة، تقنعهم بأن الكاتب الذي يضع بصمته الفردية على نمط كتابته هو دائمًا من يؤتي ثمره ويكتب له الاستمرار.
الفرق بين الرواية والفيلم
وإذا تحدثنا عن الفرق بين الرواية والفيلم نجد أن الرواية تعتمد على الكلمات في بناء العوالم وتصوير المشاعر، مما يمنح القارئ فرصة للغوص في خياله واستكشاف التفاصيل بحرية. على الجانب الآخر، الفيلم يجسد القصة عبر الصورة والصوت، مما يجعله تجربة حسية مباشرة تُترجم الأفكار إلى مشاهد مرئية. الرواية غالبًا ما تكون طويلة ومليئة بالتفاصيل، بينما يختصر الفيلم القصة ليُناسب زمن العرض. كما أن الرواية تسمح بتعدد وجهات النظر والتأملات الداخلية، بينما يركّز الفيلم على الإيقاع السريع والإبهار البصري لجذب المشاهد.
أفلام مقتبسة من روايات
السينما المصرية تألقت في تقديم العديد من الأفلام المقتبسة من روايات أدبية شهيرة مما ساهم في إثراء المشهد الفني. من أبرز هذه الأعمال، فيلم "بين القصرين" المأخوذ عن ثلاثية نجيب محفوظ، والذي أضاء جوانب من الحياة المصرية في حقبة زمنية مميزة. كذلك فيلم "أنا حرة" المستوحى من رواية إحسان عبد القدوس، حيث يعكس صراع المرأة مع القيود الاجتماعية. أما فيلم "الكرنك"، فقدم معالجة سينمائية رائعة لرواية محفوظ، مسلطًا الضوء على قضايا سياسية واجتماعية حساسة. هذه الأفلام لم تكن مجرد نقل للأحداث، بل أضافت بُعدًا بصريًا ودراميًا، جعل الروايات تتجدد بروح سينمائية مبدعة.
تبقى كتابة الرواية الجيدة مزيجًا من الموهبة، والمثابرة، والالتزام ببعض القواعد الأدبية التي تضمن جودة العمل. ومع ذلك فإن الإبداع لا يُقيَّد دائمًا بالضوابط، فالرواية الناجحة هي تلك التي تلامس القارئ وتترك أثرًا في نفسه، سواء التزمت بالقواعد أم تجاوزتها بذكاء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.