في سنة 1963، قَدَّمَ عالِم الرياضيات الأمريكي إدوارد لورينز نظرية الفراشة أو ما تُعرف أيضًا بفوضى الكون.
اقرأ أيضاً أثر الفراشة Butterfly Effect ونظرية الفوضي Chaos Theory
قوى الطبيعة في عالم فوضوي.. تأثير الفراشة
رأى لورينز أن أي تغييرات صغيرة قد تؤدي إلى نتائج كبيرة، وبذلك عندما تتحرك الفراشة فإنها تضع جزيئات من الهواء في الحركة، من شأنها تحريك جزيئات أخرى من الهواء، وعلى هذا تتحرك مزيد من جزيئات الهواء القادرة في نهاية المطاف على التأثير في الجانب الآخر من الكوكب.
ويُمكن الاستدلال الرمزي على نظريته بالمقولة الشهيرة «رفرفة فراشة بغابة الأمازون يمكن أن يتسبب بإعصار في ولاية تكساس بعدها بأسابيع عوض طقس هادئ».
وثمة أمثلة تاريخية كثيرة تفسِّر نظرية تأثير الفراشة، منها مثلًا، اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند في ٢٨ يونيو ١٩١٤ الذي سيؤدي فيما بعد إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، فحدث بسيط تجلَّى في اغتيال شخص سيؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي ستشعل الحرب العالمية الأولى بعد شهر.
فإذا وضعنا فرضية استبدال الفراشة بجائحة كوفيد-١٩ التي خرجت للتو من نطاقها الإقليمي في ووهان، وشملت العالَم لتأخذ صورة الجائحة، سيتضح أن نظرية الفراشة توضح أن علم الأنطولوجيا في العالَم يتميز بوجود مجموعة من الأعداد المعروفة وغير المعروفة من الأنظمة المتباينة في الشكل، والبنية، وغيرها من المكونات المرئية وغير المرئية، وبذلك تتطور الأنظمة باستمرار وتكون شديدة الحساسية للظروف الأولية التي هي نفسها مُعرضة للتحول المستمر.
اقرأ أيضاً بين نظرية الفراشة والسفر عبر الزمن.. مسلسل "الصفارة" يكتسح الدراما الهزلية
كوفيد 19 وتأثير نظرية الفراشة
التساؤل هنا هل يُنبهنا كوفيد-١٩ بأن الجهات الفاعِلة غير البشرية قوية للغاية، وأكثر قوةً من الدول -حتى القوى العظمى- التي تُحدَّد مصالحها من حيث القوة؟
إن الجائحة تمثل أزمة جوهرية للسياسة العالمية وأزمة معرفية للعلاقات الدولية، ولا سيما التقليد السائد للواقعية الدولية.
والواقعية -التي جُرِّدت من أساسياتها البنيوية الدنيا والحداثية في شكل ما أسماه ماكس فيبر النوع المثالي- تعني أن الدول ذات أهمية مطلقة في السياسة العالمية. قد توجد فواعل أخرى، ولكنها لا تمثل سوى قليل من الضوضاء أو خطأ في المعادلة التقليدية لبنية النظام الدولي.
فالدول توجه سلوكها بالمصلحة القومية المحددة من حيث القوة، وﻻ سيما القوة العسكرية. هذه هي المتطلبات الهيكلية للبقاء في عالَم ذي نكهة هوبزوية وعدائي لدولة الأمن القومي.
اقرأ أيضاً تأثير الفراشة.. التغيرات الناتجة عن نظرية الفوضى
الجهات الفاعلة الغير بشرية وتأثيرها على الكون
قد يعترض الواقعيون على أن الجهات الفاعِلة غير البشرية ليست جهات فاعِلة بل هي قوى، قوى الطبيعة. على سبيل المثال، ناقش ثوسيديديس الطاعون وآثاره على أثينا وإسبارطة في خِضَمِّ الحرب البيلوبونيزية والمجتمع بهذه الطريقة السياقية.
وبالمثل، فإن الجائحة اليوم بمنزلة عاصفة بيولوجية، وكارثة طبيعية غير متوقعة. ومن الناحية النظرية، فإن الجهات الفاعلة غير البشرية هي مجرد خلفية مادية لحسابات المصلحة والقوة؛ بل هي مجرد خلفية مادية للعمليات التي تقوم بها هذه الجهات.
كما أن الأبعاد الاجتماعية والنفسية للفواعل غير المرئية تقتضي وجود حل فورى للتخلص من حالة الطبيعة التي تحدث عنها توماس هوبز في كتابه «الليفياثان» أو «الوحش الأسطوري» فهي ليست شيئًا عنيفًا شهدته الأزمنة الغابرة، بل هي شيء يمكن أن يحدث في أية لحظة، فعندما تنهار كل سُبل الاستقرار نكون بصدد الفوضى.
حالة الطبيعة عند توماس هوبز
إن حالة الطبيعة لم تكن بالطبع –وفقًا لتوماس هوبز– مكانًا جميلًا وهو ما عبر عنه بقوله: في مثل هذه الحالة، لا مكان للصناعة؛ لأن ثمارها غير مؤكدة، ومن ثم، لا ثقافة للأرض، لا ملاحة، ولا استخدامات للسلع التي يمكن جلبها عن طريق البحر، ولا منشآت سلعية.
لعلنا لم نصل بعد إلى حالة الطبيعة الهوبزوية على نحو كاملٍ، لكننا بدأنا أيضًا في رؤية مظاهر أولية لما أطلقه هوبز «حرب الجميع ضد الجميع» مُمثلة في تلك الدول التي وقفت في مواجهة بعضها بعضًا في السوق العالمية وعدم التعاون في سبيل إيجاد لقاح فعال لمثل تلك الجائحة.
لحُسن الحظ، يُنبهنا توماس هوبز أننا غير محكوم علينا بالفشل، وأن بإمكاننا الفرار والنجاة من حالة الطبيعة، لكن وسيلتنا الوحيدة للبقاء تتمثل في التعاون الاجتماعي؛ فرغم تراجيدياتها وتعاستها، فإن حالة الطبيعة هي أيضًا حالة للمساواة، وتلك هي الحالة التي نعايشها الآن.
تعامل الجنس البشري مع الكون
نحن الجنس البشري حاليًا نتسم بالهشاشة على قدم المساواة، وللجائحة قدرة وقوة عظيمة لتحقيق العدالة لفئات بشرية معينة. بعبارة أخرى، إذا أردنا الفرار من حالة الطبيعة الهوبزوية فنحن في حاجة إلى صياغة عقد اجتماعي Social Contract جديد أي اتفاقية ذات منافع متبادلة يوافق بمقتضاها الجميع على التضحية على المدى القصير، انطلاقًا من مبدأ أساسي مؤداه أن الجميع سينجو بهذه التضحية على المدى البعيد.
ولكي نتجاوز أزمة الجائحة علينا الالتزام بمستوى غير مسبوق من التضحية والثقة والتعاون الاجتماعي، لكن هل في ظل الأحداث الراهنة والتنافس في السعي إلى خلق لقاحات وبيعها لتحقيق مكاسب يمكن تحقيق مثل ذلك التعاون؟
فالحياة في ظل الحظر، والحفاظ على قدر من التباعد الاجتماعي، والعزلة الطوعية أو الإجبارية التي تُمثل تهديدًا لكينونة طائفة عديدة من البشر «الانبساطيين» كل ذلك يُمثل تضحية كبيرة لهم، وفرصة أكبر لطائفة أخرى من البشر «الانطوائيين»، وغيرها من التحديات التي تُنذر بانهيار نُظم اجتماعية.
لكن علينا في كل الأحوال أن نثق في الإجراءات التي ينصح بها خبراء الصحة العامة؛ لأن هذه الإجراءات لن تؤتي ثمارها إلا إذا التزم الجميع بها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.