قصيدة «عهد ضائع».. شعر فصحى

سكنتَ القلبَ وعدتَ، ليتك ما أتيتْ

تركتَ الجرحَ في روحي، فكيفَ إذن جفوتْ؟

وعودُ الأمسِ قد ضاعتْ كأنْ لم تكُ يومًا

وكيفَ العهدُ تذروهُ الرياحُ كما اشتهيتْ؟

زرعتَ الودَّ في دربي فكانَ الزهرُ شوكًا

فما جنيتُ سوى دمعٍ يراقُ لما جنيتْ

أأرثي ما تبقى من بقايا نبضِ قلبٍ؟

فإنك لم تزلْ يومًا صديقًا قد نَسيتْ

تركتَ الحبَّ في دربٍ يتيهُ بغيرِ نورٍ

وحينَ أتيتَ محتارًا، أكانَ لما انتهيتْ؟

فلا تعُدْ، فما للعهدِ في دنياكَ ميثاقْ

ولا وعدٌ سيبقى، مثلَما كنتَ ادّعيتْ!

خدعْتَ القلبَ بالأحلامِ حتى ظنَّ خيرًا

فأيقظْتَ الجراحَ بهِ وخلَّفتَ السعيرَا

أهيمُ اليومَ في صمتي، وفي الأعماقِ حزنٌ

كأنَّ الدمعَ يروي الأرضَ أشجانًا غزيرَا

أتنسى ما بنيناهُ بأحلامٍ نقية

وتلقي في المدى وعدًا كصبحٍ لن يُنيرَا؟

سأكتمُ ما تبقّى من حنينٍ في فؤادي

وأمضي، لن أعودَ إليكَ، دربُكَ صارَ غيرَا

كفاكَ اليومَ أعذارًا، فما للعهدِ معنى

إذا ما كنتَ تهوى الغدرَ، والصدقَ استصغرْتَهُ صغيرَا!

ألمْ تقسمْ بأنَّ الحبَّ يبقى لا يموتْ؟

فلمْ هجرتَ القلبَ وانطفأتَ مثلَ ما يمضي الخفوتْ؟

تركتَ الدربَ ممحوًّا كأنَّ العهدَ وهمٌ

كأنَّ الوصلَ ما كانَ، كأنَّ للشوقَ صوتْ!

زرعتَ الودَّ في روحي وأقسمتَ الوفاءَ

فكيفَ اليومَ أنساكَ وقلبِي فيكَ مواتْ؟

تقولُ: العمرُ لا يرجعْ، وذاكَ الحلمُ ولى

ولكنْ كيفَ تخدعني وتنسى أيامًا مضَتْ؟

إذا كانَ الهوى كذبًا، فلمْ عِشْنا سنينًا؟

ولمْ قد كنتَ لي دربًا، وأنتَ لغيرِيَ كنتْ؟

خذَلتَ العهدَ وانسحبتَ، كأنَّ الحبَّ ريحٌ

تمرُّ ولا تخلِّفُ غيرَ جرحٍ قد تثبَّتْ!

أيا مَن كنتَ لي يومًا ربيعًا في حياتي

لماذا صرتَ لي ليلًا يسدُّ النورَ عن ذاتي؟

وعودُ الأمسِ أينَ مضتْ؟ وهل أبقتْ لنا أثرًا؟

سوى طيفٍ يعذِّبني، وجرحٍ غائرِ للآتي

أراكَ اليومَ في عيني غريبًا لا أميِّزُهُ

فأينَ الودُّ؟ كيفَ جفا؟ وكيفَ تغيَّرتْ ذاتي؟

سأمضي دونَما رجعٍ، فقد ضاقتْ بيَ الطرقُ

وأحلامي التي بنيتُ، أحرقتها بشتاتي

فلا تعُدِ اعتذارًا لي، فقد فاتَ الأسى زمنٌ

وما عادتْ وعودُ الأمسِ تحيا في حكاياتي!

كذبْتَ وقلتَ: لن تخذلْ فؤادي ذاتَ يومِ

فكيفَ رميتَني وجعًا وسرتَ بلا همومِ؟

سرقتَ النورَ من عيني، وضيَّعتَ الأمانا

فهل أضحى الوفاءُ لديكَ ذكرى في غيومِ؟

رسمتُكَ في الدجى بدرًا، فخنْتَ النورَ عمدًا

وجئتَ اليومَ تسألُني: أهذا الحزنُ دوامِي؟

أتبكي الآنَ من ندمٍ؟ وهل يجدي بكاءٌ؟

إذا ما كنتَ قد هدَّمتَ أحلامي وأياميِ!

فلا تعُدِ السنينَ إليّ، قد أماتتْ وعودي

ولا تصغي إلى قلبي، فإني لستُ مدرك نوميِ!

رحلتَ كأنَّ قلبي لم يكنْ يومًا لديكَ

كأنَّ الوعدَ ما خطَّتْ يداكَ ولا يديكْ

كأنَّ الحبَّ لم يُنسَجْ كضوءٍ في الليالي

كأنَّ الدمعَ لم يجْرِ احتراقًا من جفاكْ

تركتَ العمرَ ذاويًا كزهرٍ ماتَ صمتًا

كأنَّ الشوقَ ما زارَ الدروبَ ولا دعاكْ

وقلتَ: الحظُّ كان قضيَّةً ضاعتْ هباءً

ولكنْ أنتَ من أطفأ الضياءَ ومن رجاكْ

أأرثي ما تبقَّى أم أُشيِّدُ جسرَ صبري؟

فلا عهدٌ يعيدُ الأمسَ، ألا حبٌّ سواكْ!

أما كنتَ الذي أقسمتَ أن تبقى بقربي

فكيفَ مضيتَ في صمتٍ وتركتَ القلبَ يُصلب؟

أما كنتَ الذي وعدتَ أن نبقى مدى العمرِ؟

فكيفَ غدرتَ بالعهدِ، وكيفَ غدوتَ تهرب؟

تُرى، هل كنتَ تعرفُ كم سهرتُ الليلَ وحدي؟

وكم خبَّأتُ أحزاني وقلتُ: غدًا ستُقْلب؟

ولكنْ لا غدٌ يأتي، ولا الآمالُ تصحو

فقد سوَّدتَ أيَّامي وقلبي باتَ متعب

سأكتمُ ما تبقّى من حنينٍ في ضلوعي

وأمضي حيثُ لا ذكرى، حيثُ النسيانُ أقرب!

سرابٌ كنتَ أم حلمًا تبدّدَ في الظلامِ؟

وهل كنتَ الحقيقةَ أم خداعًا في الكلامِ؟

خطوتَ إليّ مندفعًا كأنّ الوعدَ صادقْ

فكيفَ تركتَني وحدي رهينَةَ الأوهامِ؟

أتبني العهدَ ثم تذيبهُ كالموجِ يمضي؟

أتحلفُ أنّني نبضُك ثم تبيعُ أيامي؟

سأحيا بعدَ خذلانِك، سأمضي رغمَ جرحي

فلا تعنيكَ آهاتي، ولا يعنيكَ حُطامي

أنا أقوى من الأوجاعِ، من غدرِ الأماني

سأمحو عهدَك الواهي، وأُشعلُ ألفَ عامِ!

أما كنتَ الذي ناديتَ قلبي في اشتياقِ؟

أما كنتَ الذي أوحيتَ لي بحبِّ راقٍ؟

فكيفَ جعلتَ أيّامي تموتُ بلا رجوعٍ؟

وكيفَ تركتَني وحدي أسيرَ بلا رفاقِ؟

وعودُكَ لم تزلْ نقشًا على جدرانِ وهمي

كحلمٍ مرَّ في عيني وعادَ إلى احتراقِ

كأنَّي لم أكنْ يومًا لديكَ سوى سرابٍ

تمرُّ بهِ، وتنساهُ كذِكرى في انطلاقِ

سأمضي غيرَ ملتفتٍ، سأكتمُ ما تبقَّى

فلستَ سوى خيالٍ ضاعَ في ليلِ الفراقِ!

بنيتُ الحلمَ في عينيكَ بيتًا لا يزولُ

فظلَّ الحلمُ أوهامًا، كطيفٍ ما يطولُ

رسمتُكَ في ليالي العُمرِ نجمًا لا يخونُ

فكنتَ غروبَ أيّامي، وليلًا لا ينتهي لا يزولُ

وعاهدتَ الهوى وعدًا تُحيلُ بهِ الدروبَ

فكانَ الوعدُ أضغاثًا تموتُ ولا تقولُ

فلا تسألْ لماذا صرتَ ماضيًا في حياتي

ولا تندمْ، فإنَّ العهدَ في طيِّ الذهولُ

سأمضي دونَما ذكرى، فقد مُحيتْ يداكَ

كريحٍ مرّتِ الأيامُ بها، لا تستطيلُ!

ألمْ تكنْ قد وعدتني أنَّ الحبَّ هو الدربُ؟

فكيفَ تغيبُ عني والأملُ ضاعَ في المدى؟

ألمْ تكنْ قد رسمتَ لنا مستقبلًا مشرقًا؟

فكيفَ تنسيني الأحلامَ وتغرقني في الحزنِ؟

عهدٌ كنتَ تقسمُ بهِ أمامَ عينيّ

فأينَ هو اليومَ؟ هل تبخَّرَ في العتمةِ؟

قلبي الذي كانَ ملكًا بين يديك، غادرتهُ

وظننتَ أنَّ الخذلانَ سيلينُ كالحلمِ الكاذبِ

ألا تدري أنَّ الزمنَ لا يرحمُ إن تهاويت؟

وأنَّ الوعودَ الضائعة لا تعودُ كما كانتْ

سأمضي وحدي، وأتركُ في قلبي غصَّةً

فالعهدُ الضائعُ قد أودى بكلِّ ما كانَ يوما!

كنتَ النورَ في دربي، والظلَّ في سمائي

فكيفَ صارَ الظلامُ اليومَ يملأُ فراغي؟

أكنتَ وعدًا أم سرابًا؟ أكنتَ حلمًا في الليل؟

أم كنتَ خداعًا غابَ فجأةً عن سمعي وطريقي؟

أينَ العهدُ الذي أقسمتَ به؟ أينَ الوعدُ الصادقُ؟

أينَ الوعودُ التي رسمتَها في صفحةِ العمرِ؟

تركْتَ قلبي يُعاني، تركْتَ نفسي تذبلُ

فكيفَ لأشواقٍ كانتْ حيةً أن تموتَ بلا مبرر؟

فيا من كنتَ الأملَ ثم أضعتَ الحلمَ

اعلمْ أنَّ الخذلانَ لا يُغتفرُ، والعهدُ قد ضاعَ في الزمنِ

سأمضي دونَك، لا أحتاجُ إلى ذكراكَ،

فالعهدُ الضائعُ اليومَ قد فني، وسأمضي إلى الآفاقِ!

ألمْ تكُنْ وعدتَني بالأملِ والضياءِ؟

فكيفَ تحوَّلَ حلمي إلى ظلمةٍ في السماءِ؟

ألمْ تعهدْ أنَّ قلبك لي، وفيه أعيشُ؟

فكيفَ رحلتَ عني، وتركتني أغرقُ في الحنينِ؟

كلماتك كانتْ كالندى، لكنّها ذابتْ سريعًا

كأحلامٍ كانتْ جَميلةً، ثم صارتْ سرابًا بعيدًا

يا من زرعتَ في دربي الأملَ ثم تركتَ الجرحَ

كيفَ صرتَ الآنَ صورةً باهتةً في الذاكرة؟

سأمضي في دربٍ جديدٍ بلا ترددٍ أو أسى

فالعهدُ الضائعُ اليومَ كانَ مجردَ خرافةٍ في ما مضى 

لن ألتفت إليكَ بعد اليوم، ولا إلى ذكراكَ

سأعيشُ دونك، والخذلانُ صارَ أصدقَ من وعدِكْ!

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

عودا حميدا يا صاحب الآلام
مابىه شعرك من حزن يُغنى
عن الكلمات وممنا مابه ألما
وأحزان؟ مابين صمت وخزلان ؟!
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

كيف حالك استاذتي الإنسان بلا حزن ذكرى انسان يسعدني وجودك وكل الشكر والتقدير
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

اسعدنى حضورك
وعودة قلملك للمنصة
نعم أن لقلمك اشراقة
هاهنا 🙏🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

منكم نتعلم وبنصائحك نستفيد ولك الشكر وكل التقدير والاحترام أستاذتي يسعدني وجودك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

العفو بعض ما عندك وشكرا على الإطراء اللطيف يسعدني وجودك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.