عانقته مزاحاً فارقته محالاً، هكذا أصبح إيماني بالتدخين دون الفرار من قبضته.
أنا ذاك الطفل الذي عاش طفولته يرتاد المسجد بكل أوقاته، بكل وقت يفتح أبوابه للمؤمنين لا من فجر، ولا ظهر، ولا عصر، ولا مغرب، وعشاء، حتى إني كنت أشعر بنقص كلما فاتتني فريضة لم أؤديها جماعة لأني كنت قويّ الإيمان، وأحبّ أن أحصل على سبع وعشرين حسنة في كل فريضة.
كنت أعيش في بلد بعيد كل البعد عن البلد الَّذي أعيش فيه حالياً، ذاك البلد حيث كان أبي يشتغل في الجندية، والذي عاهدته مرتدياً زياً أخضر اللون، كان أبي سلطوياً لا يعرف للضحك ولا للمزاح سبيلاً، كل الضغوطات النَّفسيَّة والجسدية اللَّذان كان يتعرَّض لهما ما فتئ وقت عودته يكون محملاً بثقل وعبء يفرغهم في هذا الطفل الصغير، لم يتغيَّر شيء من طفولتي، فقط محصور بين الدراسة وذلك باعتباري شخص ثقيل الفهم وكسول جداً، وأيضاً في قيام صلواتي وهذا كنت مجتهد فيه.
لكن أبي لم يكف يوماً عن ضربي بدون سبب أو ضربي لأتفه الأسباب، والآن حان وقت رحيلنا ولم يعد لنا شأناً في ذاك البلد، سنعود لمسقط رأس أبي، نعم أبي اشتاق لدياره، اشتاق لأبويه ولعائلته الكبيرة.
سنرحل، هذا البلد الأمين بعيد كل البعد على ذاك البلد من كل الجوانب، لا من ثقافة وتقاليد وأعراف، كل شيء مغاير على ما عاهدناه في صغرنا.
هذا البلد له طعم آخر، بلد المخدَّرات وتجارها الذين أحملهم مسؤوليَّة تخريب الشباب لا من عقولهم ولا من بدنهم، أنا الآخر ضحيتهم الجديدة، كنت في الخامس عشر من عمري حيث جلست مع أحد من عائلة أمي رفقة أبناء القرية، أغلبهم يتناول الحشيش والكل ملامحه تعمها السعادة، فكَّرت أن أجرب واحدًا من أحدهم دون أن يرفض طلبي، انتشيت منه بضع نثرات، حقاً ذاك جميل أكثر من أيّ شيء آخر.
أحسست في داخلي أنّي فعلت إنجازًا عظيمًا، سأصير كبيرًا لأن الكبار هم من يدخنون والصِّغار لا مجال لهم بيننا، دخنت سيجارة ملفوفة أخرى وتركنت جانب الحائط وأخذت أنثر وأنثر حتى شعرت بنعاس قويّ، غلبني النوم وما كان لي سبيل إلا العودة لمنزلي...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.