في قديم الزمان كان يعيش في بعض البلاد الباردة فتى اسمه "ليث"، كان "ليث" فتًى كريمًا وديعًا يحب أهله وقبيلته، في أحد الأيام، قال له أبوه: "يا ليث، لقد بلغت السادسة عشرة من عمرك، فأنت الآن رجل، وعليك أن ترافق رجال القبيلة في رحلات صيدهم، فالقبيلة كما تعلم تعيش على الصيد."
خرج"ليث" مع أبيه ورجال القبيلة الآخرين إلى الصيد، لكنه لم يصطد شيئًا، في الواقع لم يكن بركة يسدد سهامه إلى الحيوانات أبًدا، وكان يتعمد أن تقع السهام قريبًا منها لا عليها، ووجد رفاقه الفتيان في ذلك تسلية، فاجتمعوا يومًا، وحين رأوه عائدًا من الصيد خالي اليدين، كالعادة، مشوا في موكب يضحكون ويصفقون ويهزجون قائلين: "في البرية غزلان لكن لا تخشى "ليث" قعدت لا تبدي حركة فإذا مر بها يومًا...".
كان رجال القبيلة يترصدون قطعان الوعول التي تهاجر قبل حلول الصقيع إلى مناطق أقل برودة، فقد كانت القبيلة تختزن ما يصاد في موسم الهجرة لهذا ليكون مؤونة الشتاء، جاء دور والد بركة في المراقبة، فاصطحب ابنه، وكان الجو ماطرًا عاصفًا، ومضى إلى تلة العراقية، في ذلك اليوم أطلت قطعان الوعول، فقال: "الآن، اسمع يا "ليث"، أنا سأبقى هنا لأراقب حركة الوعول، اذهب أنت وأعلم القبيلة".
انطلق "ليث" في ذلك الجو العاصف، وبينما هو يجري ويقفز رأى وعلا صغيرًا عالقًا في جنبة شوكية نابتة في سفح شديد الانحدار، نظر إلى الوعل الصغير وقال: "لا تخف يا صاحبي، أنا أخلصك". ثم أخذ ينزل السفح بحذر شديد، لكن الأرض الموحلة كانت تتداعى تحت قدميه، فجأة زلقت قدمه، فانقلب وتدحرج وأصاب رأسه صخرة فأغمي عليه، عندما استيقظ "ليث" من إغمائه تلفت حوله فوجد أن الليل يوشك على الهبوط، تذكر أن عليه أن يعلم أبناء القبيلة باقتراب الوعول، وأدرك أنه تأخر كثيرًا فخاف، جرى صوب ديار قبيلته، لكنه عندما وصلها كان قد عم الظلام.
غضب أبناء القبيلة غضبًا شديدًا، وصاح واحد منهم: "ألا تعلم أننا إذا تأخرنا خسرنا مؤونة الشتاء؟ وصاح آخر: "وهل تطعمنا إذا نحن جعنا؟"، وصاح آخر: "وهل تخرج شتاء لتصطاد لنا؟".
عند أول خيوط الفجر انطلق من مضارب القبيلة كل من كان قادرًا على الصيد كبيرًا كان أم صغيرًا، وبينما كانوا منطلقين التقوا أبا "ليث" ورأوه يجري نحوهم، وقد بدا عليه الفزع الشديد، قال لهم: "أسرعوا! الوعول تغرق، إنها تحاول اجتياز النهر، ولكن مياه الفيضان تجرفها". جرى أبناء القبيلة يتسابقون إلى مجرى النهر، وجرى "ليث" معهم، لكنهم وصلوا متأخرين، فقد كانت قطعان الوعول كلها قد نزلت في النهر، وراح أبناء القبيلة ينظرون إلى الوعول الغارقة بأسى بالغ، أدرك "ليث" أنه خذل أبناء قبيلته، ورأى الحيوانات التي كان يصعب عليه أن يصطاد واحدًا منها، تغرق كلها أمام عينيه، فأحس بألم شديد.
حل الشتاء، وكان قاسيًا جدًا تجمدت مجاري الأنهار وسطوح البحيرات، وابيضت الدنيا كلها، وكان أبناء القبيلة يخرجون إلى الصيد كل يوم، فلا يعودون إلا بشيء قليل منه، في أحد الأيام حمل "ليث" قوسه وجعبة سهامه وعصا طويلة وصرة من الطعام، ولبس أثقل ثيابه، وودع أمه وأباه وإخوته وأبناء قبيلته، وقال لهم: "لن أعود إليكم إلا إذا كان طعامًا وفيرًا". مشى "ليث" طوال النهار، فقطع أودية وسهولًا، وتسلق تلالًا صخرية، لكنه لم ير غير الثلوج، احتمى مساء بصخرة كبيرة، وأكل شيئًا قليلًا جدًا من الطعام الذي معه، ونام، لم ينم طويلًا، فقد أحس بعد قليل بحركة خفيفة، فتح عينيه فرأى ذئبًا يحاول أن يختطف صرة طعامه، فنهره، وقف الذئب من بعيد وقال: "لم تنهرني؟ أنا جائع".
نظر "ليث" في عيني الذئب، فأحس بالندم، وأخرج شيئًا قليلًا من الطعام ورماه إليه، اقترب الذئب وأخذ الطعام، ثم قال: "هذه ليلة باردة! إن وراء هذه الصخرة کهفًا دافئًا، اقض ليلتك فيه." أسرع "ليث" إلى حيث دلّه الذئب فوجد فعلًا كهفًا واسعًا دافئًا، فدخله.
بدا لـ"ليث" أنه سيقضي في ذلك الكهف الواسع ليلة هادئة دافئة، لكن فجأة دخل الكهف ثور أسود ضخم ذو قرنين ملتفين وعينين ناريتين، انقض الثور على "ليث"، وهو يخور ويقول: "من ذا الذي تجرأ على دخول كهفي؟" جرى "ليث" بين الصخور يحتمي بها، ويقفز فوقها، وهو يقول: "أرجوك يا سيدي، أنا لم أكن أعلم أن هذا كهفك، دخلت أطلب الدفء، سامحني هذه المرة." لكن الثور لم يتوقف، فارتد إليه "ليث"وراح يعاركه، وتواصل العراك بينهما طوال الليل، وعند أول خيوط الفجر هدأ الثور الأسود، وقال: "علي الآن أن أمضي، ما الذي جاء بك إلى هنا أيها الفتى الشجاع؟
يتبع...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.