قصة "وغادر آبه".. قصص قصيرة

آبه ولد محمد مراهق في الثالثة عشرة من عمره، أعوزه الفقر فتمرَّد على أمه لترسله إلى زوج شقيقته رغبة في تأديبه ورعايته. لا يختلف حال صهر آبه كثيرًا، فهو يحرس برج الاتصالات الخاص بموريتل ولديه ثلاث بقرات وسبع ماعز ومتجر صغير، وهو ذو عيال.

لم يجد السالك لصهره عملًا، فاشترى عشرين لترًا من البنزين ووزعها على عشرين قنينة زجاجية سعة القنينة لترًا، ووضعها على طاولة هُيئت خصيصًا لهذا الغرض، ثم أجلسه على الطريق العام.

كان آبه يتفيأ ظلال الشجر، وإذا اشتدَّت الهاجرة صعد إلى طابق الخزان الثاني وأشرف على القنينات. كان سائقو الدراجات يمرون عليه ويشترون منه قنينات البنزين، لكن ربحه كان بالكاد يفي بقوت آبه، ما اضطر السالك لضمه إلى عياله.

مضت الأيام وظن آبه أن السالك سيعطيه مرتبًا، لكنه فوجئ من ردة فعله: "الغذاء مقابل العمل"، ثم قال: "إن أمك عهدت إليَّ بتربيتك، فكما يعمل ابني في رعي المواشي أوقات فراغه من الدراسة، ستعمل أنت في المحطة ريثما تتيسر الأمور وأجد لك فرصة في السوق لدى بعض الأصدقاء".

كان السالك يراقب آبه ويريد أن يعوده على حفظ الأمانة والانضباط في العمل. لكن المراهق أحيانًا يخالف التعليمات ويصيب في أحايين أخرى. أوعز السالك إلى آبه أن ينتظره حتى يفرغ من أداء صلاة الجماعة، فإذا فرغ حلَّ محله حتى يؤدي صلاته ويعود إليه. أما وقت الغداء، فكانا يتقاسمانه معًا ويضعانه أمام عريشه المعد من خشب والمغطى بحشائش المنطقة.

لم يرق لآبه العمل مع السالك، فهو يرى فيه تقييدًا لحريته، فتركه مرارًا ثم يعود بوساطة من أمه. خالف آبه مرة ولم ينتظر عودة السالك من المصلى، فصلَّى معهم. وكان إمامهم "الامبوسي" من أهل الإطالة والاجتهاد، فجعل جلسة التسليم عنده تعدل الصلاة كلها.

حضر بعض زبائن السالك في أثناء جلسة تسليم الامبوسي، وانتظروا لعلَّه يسلم سريعًا، بيد أن انتظاره طال، فقرروا المغادرة. اتهم السالك آبه بتضييع الأمانة وترك ممتلكاته في الطريق العام دون حراسة، ما يسهل نهبها وإتلافها أمام المفسدين، فعاتبه في ذلك. غضب آبه وعدَّ العمل مع السالك مستحيلًا، فاعتزل العمل وغادر إلى خالته، فضاع حلم السالك بامتلاك محطة وقود.

كما حزن اعلي لافتقاده من يحضر له وجبة الفطور، وحزن الامبوسي لفرقة جماعته. أما أبوعلي، فحزن لضياع عامل باشر معه وضع اللبنات الأولى لدكانه. وحزنت أم الحلة لخلاف أخيها وزوجها، وكان حزنها مضاعفًا. أما حسنية، فحزنت لذهاب فتى كانت ترى فيه فارس الأحلام.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

قصة جيدة نسأل الله لك التوفيف
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة