آدم رجل شاب يعيش مع عائلته في أحد الأحياء الإفريقية، حي قديم معظم بيوتها من الطين، شوارعها قذرة تتراكم على جوانبها المخلفات وتركد المياه الطحلة في وسطها، سترى الأطفال الصغار يلعبون شتى الألعاب الشعبية، معظمهم حفاة وأغلبهم لا يرتدون إلا سراويل قصيرة، الأمهات يخرجن لرش المياه العكرة التي نظفن بها مواعينهن، أما الرجال يجتمعون تحت أشجار النيم الظليلة يتناقلون أخبار السياسة والخلق والعباد.
منزل آدم لم يكن أفضل حالاً، كان كبيراً نعم، ولكن بالنسبة لعائلة عدد أفرادها فوق العشرين، كان صغيراً جداً، والد آدم رجل عجوز، حاد الطباع، تزوج خلال حياتي بسبع نساء، ولديه ثلاثون ابنا على الأقل، بالنسبة لزوجاته لم تبق معه غير والدة آدم، أما أبناؤه الكبار فقد تزوج من تزوج وهاجر من هاجر، رغم ذلك منزله مكتظ بأبنائه الصغار وأحفاده.
كان آدم دائماً يفكر في مغادرة هذا المكان البائس، لطالما حلم بمستقبل باهر، يتمنى في خياله أن يصبح سياسياً واعداً، ذو شأن في البلاد، ولكنه لن يحقق أياً من أحلامه إن بقي سجيناً في حيه الفقير ومنزله الرث.
ولكنه كان معدوم الحيلة فقير الحال لم يملك غير دراسته سبيلاً للخروج.
لذا كان يجتهد دائماً ليحصل على درجات عالية تؤهله للحصول على منحة دراسية في مكان ما من العالم، حيث سيبدأ ببناء مستقبله ويحقق طموحاته، ولكن الرياح لا تجري بما تشته السفن.
نسبة في الشاهدة الثانوية لم تؤهله الحصول على منحة في أي من البلدان التي كان يطمح بالسفر إليها، ولكنه لم يفقد الأمل، يدرك تماماً إن والده لن يتكفل بدراسته الجامعية، وذلك ما ينص عليه قانون العائلة التي وضعها والدهم.. إذا أردت أن تكمل دراستك، تكفل بها بنفسك، هذا إن كنت ولداً، أما البنات فلا يحق لهن التفكير بذلك حتى، وعلى هذا النحو، لم يكمل أي من إخوته المرحلة الجامعية، ومعظمهم لم يحاول حتى، وإذا استطاع أن يفعلها سيكون أول من يتخرج من عائلته.
وضع آدم جميع ما يملك أمامه، هاتف قديم الإصدار وبضعة آلاف من الريالات وتذكر أن لديه بقرة أو اثنتين من بين قطيع والده، فكَّر كثيراً، وظل يجرى الحسابات حتى توصل إلى قراره.
ربما لن يستطيع الحصول على منحة في إحدى الجامعات المرموقة ولكن يمكنه أن يدرس خارج بلده.
كانت خطته بسيطة جداً، سيسافر إلى الكامرون سيجد عملاً بدوام جزئي، يستأجر منزلاً مع بعض الطلاب، المعيشة ليست غالية كل شيء رخيص ومتوفر لن يموت جوعاً بالتأكيد، لذا عليه أن يركز على رسومه الدراسية، فكَّر أن يقترض خمس آلاف من كل أشقاء، ذلك سيوفر عليه رسوم فصل دراسي واحد على الأقل.
درس خطته جيدا وأخيرا قرر أنه جاهز لينطلق نحو مستقبله، ولكنه لم يخبر أياً من والديه حتى اللحظة الأخيرة، سيودعهما في اللحظة الأخيرة، تحسباً لأي اعتراض سيبديه أحدهما، ولكنه كان مخطأ، والده لن يعترض طريقه ما دام لا يطلب منه المال، ومع ذلك أعطاه عشرة آلاف ليتدبر أمره في البداية ومنحته والدته إحدى أساورها الذهبية وأخبرته أن يحتفظ به لليوم الأسود.
ودَّع والديه وانطلق نحو هدفه الذي رسمه بدقة، سيعود بعد أربع سنوات ليتقدم لوظيفة حكومية، ستكون بداية انطلاقه في عالم السياسة.
كان كل شيء يسير كما خطط له آدم تماماً، استطاع أن يستأجر غرفة سكنية مع اثنين من أبناء جاليته، تدبر عملاً في إحدى البقالات، وحصل على مقعد في كلية السياسة، والآن ليس عليه إلا أن يركز على دراسته، ليتخرج كما يتمنى.
ولكن الحياة دائماً تحمل لنا المفاجآت، اتصل به شقيقه الأصغر ذات يوم ليخبره أن والده وإخوته ذاهبون لخطبة ابنة أحد أقرباء والده، ظن في البداية أن شقيقه هو من يخطب ولم يخطر بباله قط أنه هو العريس!
فأي مفاجأة تلك التي تنتظر آدم، ومن تكون قريبة والده تلك، وهل لهذا التغيُّر الذي حدث في حياته دور في تغير خطته الأولى.
نراكم في فصل جديد من حياة آدم.
اقرأ أيضاً
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.