قصة "هي من نصيبه رغم أنفي".. قصص قصيرة

البنات هبة من السماء، بلسم وصفاء، حبٌّ وسخاء، شحنة من العواطف الجياشة، تمنح البيت طاقة إيجابية، ولمسة حنان شافية.

"سارة" فتاة غضة بضة، رقيقة، جميلة، وديعة كنسمة ريح حانية، أكملت ربيعها التاسع عشر أمس، بسرعة خاطفة، " نمو البنات يشعرك بالأبوة على عجل"، هذا ما أحسستُ به كأب مع ابنتي الوحيدة:  "سارة"، قدومها للبيت أضفى عليه بهجة وبركة منذ ولادتها: تيسرت أحوالي، فرجت كربتي، وفاض رزقي، بإذن المولى عز وجل.

حبوها في ساحة الدار، وهي طفلة يملأ المكان حبورًا، كلما شعرت باقترابي من باب المنزل، ركضت مسرعة  من أجل استقبالي، لترسم قبلة على خدي، وتشرع في تفتيش أغراضي، بحثًا عما أحضرت لها من هدايا.

بمجرد جلوسي تهب للمكوث في حضني، تتفحص وجهي، تمطرني بوابل من الأسئلة البريئة، المفعمة بشغب الطفولة، بسببها يفتر ثغري، وتنفرج أساريري، وتشعرني براحة شاملة، تريح جسدي، تشرح صدري، وتهدئ أعصابي، من كدح العمل المضني، ووطأة الزمن الشقي.

في شبابها، كانت تحرجني بدلع البنات، تهش إبطي، تمسك تلابيب لحيتي...، وأنا أراها باتت في مثل قدي، حورية بفؤاد بلوري شفاف، وصوت ملائكي، تطربني بشدوها حين تقلد "أم كلثوم" بزيها ومنديلها ونظارتها، تصدح بأغاني الزمن الجميل، وهي تعلم مدى شغفي وعشقي للطرب الأصيل.

"سارة" ابنتي، قرة عيني، لم أتصور يومًا أنها ستغادر بيتي كعروس، أزفها بنفسي إلى رجل غريب، طلبها للزواج على سنة الله ورسوله، فقبلته بمحض إرادتها، استغربت من سرعة قبولها الزواج منه، منذ أول زيارة له لبيتنا مع والديه. وما إن لاحظت بريقًا في عينيها، وسعادة في محياها، وخجلاً يُزيِّن وجنتيها احمرارًا، إلا وتأكدت بأن هذا الشاب الثلاثيني الذي يدعى "طارق" ملك قلبها. إنه أستاذ مادة الرياضيات، الذي التحق حديثًا بمؤسستها الثانوية التأهيلية، هي من نصيبه رغم أنفي، ومن حظي أن أتجرع مرارة الصبر على فراقها...

هكذا، غادرت البيت في محفل عرس بهيج أقمته على شرفها، لم أتمالك دموعي التي انسابت حرى على خدي... من بعدك ابنتي من يأخذ بخاطري؟ من يؤنسني ويفرج همي؟ من يوضب ملابسي، ويغار عليّ؟... لا أستطيع تحمل فراقك أنت أيضًا بعد معاناتي جراء موت أمك المفاجئ قبل أربع سنوات، إثر مرض عضال، ولولا وجودك بجانبي لجن جنوني... وها أنا اليوم أسلم أمري لله، وأغدو وحيدًا برحيل ابنتي بؤبؤ عيني، وفقدان زوجتي: "رحمة" مهجة قلبي ونبض فؤادي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة