يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
في ممر المستشفى، كان اليأس والإحباط قد سيطرا على ملامح مريضة تقودها ابنتها على كرسي متحرك للخروج من المستشفى، بعد أن استيأس الأطباء من شفائها. وبينما هي في طريقها إلى بوابة المستشفى، استوقفتها امرأة غريبة، وبجدية سألتها: "لماذا اخترتِ لنفسك هذا المرض؟!"
رمت في وجهها هذه القنبلة ورحلت! بعد أن طالت دهشة المريضة عن الإجابة.
وصلت المريضة إلى بيتها وسؤال المرأة يحفر في عقلها إمكانية وجود منطق غير ذلك الذي اعتادت عليه: هل أنا من اخترت لنفسي هذا المرض أم اختاره الله لي؟ هل أنا مخيرة أم مسيرة؟
عندما ترى الزمن قد جار عليك ويمضي بك نحو ما يريد هو، لا نحو ما تريد أنت، تقول هنا بأنك مسيَّر...
ولكن، هل أعد الله جنة ونارًا ليجزيك أو يعاقبك على أعمالك وأنت مسيَّر؟
بالطبع لا، فهنا لن تأخذ جزاء عملك إلا إن كنت مخيَّرًا!
-
إذا نحن مسيَّرون في بعض الأشياء ومخيَّرون في البعض الآخر؟
-
لا.
-
إذًا ماذا؟
-
إنه قانون واضح يسيطر على ما تحته من القوانين. القانون يقول: أنت تختار البداية، أما النهاية ستكون حتمية دون اختيار. ولكن لو كان لديك بُعد نظر، لكان اختيار البدايات هو ذاته اختيار النهايات.
إذًا في الأصل أنت مخيَّر!
دعنا نطبق هذا على القصة الإلهامية التي في بداية المنشور.
عادت المريضة وقد استثار السؤال تفكيرها: هل فعلًا قد أكون أنا من اختار المرض؟
نعم، ليس بالضرورة أن تقول: "تعال يا مرض".
ولكنها اختارت الخوف من المرض أو اختارت الانشغال عن النعم بالشكوى، حتى وإن كانت سعيدة بصحتها...
أو اختارت أن تتوقع المرض، أو اختارت تقديم الآخرين على نفسها، بما يسمى (التضحية!).
ربما اختارت رفض المرض بعد وقوعه فاستفحل.
الاختيارات لا نهائية، المهم أنها جاءت من الفكرة المحملة بالمشاعر.
نعم، هنا يكون الاختيار وتتضح معالم أنك مخيَّر. إنها الفكرة المحملة بالمشاعر.
وانتبه لكلمة "مشاعر" لأنها مربط الفرس، فهي الذبذبات بداخلك التي تجلب شبيهها، كالهاتف حين يتصل برقم معين. فإذا كانت سلبية، جلبت ذبذبات أحداث سلبية، وإن كانت إيجابية، جلبت لك شبيهها من ذبذبات الأحداث الإيجابية. إذًا أنت من تختار بأفكارك سواء بوعي أو دون وعي، وتصل لنتيجة ما اخترته راضيًا أو مرغمًا.
لذلك، عليك تعلم السيطرة على المشاعر والوعي على الذبذبات التي تصدرها، لأنها ترتبط بمثلها. يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
"إن الله لا يغير ما بقوم" هو... التسيير.
"يغيروا ما بأنفسهم" هو... التخيير.
هل اتضحت الرؤية؟ وأين البداية؟ إنها منك. حين تغير ما بنفسك سيتغير واقعك.
أدركت المريضة هذا المعنى وبدأت من حيث هي. تلك الأفكار السلبية -التي كانت رفيقتها في السنوات الأخيرة- تركتها جوفاء بلا مشاعر، ووفرت مشاعرها للأفكار الإيجابية.
صحيح أنها مريضة ومقعدة، ولكنها ما زالت حية، تنظر في وجوه أبنائها، وتستنشق عبير الطبيعة. بعد أسبوعين -وهو الموعد الذي حدده الأطباء لوفاتها- كانت قد بدأت التخلي عن الكرسي المتحرك.
روعه
روعه
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.