توجَّهت جدتي ورؤى نحوي، تعقَّدت ألسنتهم ولكن سرعان ما أمسكت جدتي بي وضمتني إلى صدرها وقالت: نحن هنا لا تقلقي، لقد زال، لقد زال البأس، ظللت أبكي لمدة نصف ساعة، وكأن الوقت توقف وبقيت أنا وجدتي فقط، وكأن العالم توقف ودموعي ما زالت لم تتوقف.
وبقيت جدتي ورؤى معي طوال الليل يحاولون إضحاكي، ولقد نجحوا، فلقد هدأت روحي الصاخبة وتوقف عقلي عن التفكير وظللت أستمع إلى أحاديثهم بشغف، ولهذا نظرت عيوني ملؤها الحب والامتنان وكأنها أرادت أن تقول لهم شكرًا لكم من القلب..
وفي صباح اليوم التالي:
سألت جدتي:
-تلك الغرفة أليست لابن خالي الصغير ياسين؟
فأجابت:
- نعم إنها له، لقد تركناها له إذا أراد النوم عندنا، لماذا تسألين؟
- فتجاهلت سؤالها وقلت:
- هل سبق لياسين أن نام هنا؟
فتدخلت رؤى قائلة:
- نعم بالتأكيد، لماذا هل تريدين النوم هنالك؟
- لا لا لا أريد النوم هنالك، ولكنه على ما أذكر فإنَّ ياسين لا يفارق أمه أبدًا، حتى عندما سألوه من أجل يلعب معهم بالمسرحية البارحة رفض.
صمت الجميع فجأة لكني أكملت حديثي..
صحيح أعتذر على صراخي على الأولاد البارحة، ولكنهم عندما تجمع حولي مرتدين العباءات السوداء، حتى الذي كان بخير سيصاب باليرقان.
ضحكت رؤى وجدتي وقالوا:
- لقد أرادو أن يفعلوا مسرحية يمثلون فيها أمهاتهم وعندما صرخت كانوا أول من سمعوك.
ولكن فجأة تذكرت شيئًا كيف علمت أن ياسين رفض الانضمام إلى المسرحية وقد كنت نائمةً حينها ولماذا لم تتساءل جدتي ورؤى عن هذا الموضوع! يبدو أنهم لم يريدوا إحراجي أو إزعاجي، ولكن يبقى السؤال لماذا هنالك صورة لي في دماغي بأنَّ ياسين رفض الانضمام.
مر أسبوع على الحادث لم أزر فيه بيت جدي وجدتي، كانت الكوابيس تراودني وعندما أستيقظ يراودني شعور بالذنب الشديد؛ لأنني لا أجعل أمي وأبي ينامون، ويتلاشى هذا الشعور عندما أرى إخوتي المستلقين بجانبي يشخرون بجانبي وقد ناموا نومًا عميقًا.
كانت من عادات عائلة أمي أن نجتمع جميعًا كلَّ يوم جمعة في بيت جدي وجدتي، وبالفعل ذهبت مع عائلتي إلى بيت جدي وجدتي ومع خوفي من ظهوري ذلك الطفل مرَّة أخرى، أهذا لأنَّ مظهره البريء الملوَّث بالدماء كان مخيفًا ومحزنًا لدرجة كبيرة أم لسبب آخر، ولكن بقائي وحدي في البيت أظنه مخيفًا أكثر، ولذلك قررت إذا سمعت صوت ذلك الطفل لن أذهب إليه، حتى لن أدخل إلى تلك الغرفة أبدًا.
وعندما حلَّ المساء، شعرتُ وكأنَّ المشهد يتكرر مرّة أخرى، جدّتي تروي الفوازير وجدّي يشوي الكستناء، والأمهات يعقدن الاجتماع، وأنا أراقب من بعيد خفت أن أغفو، فذهبت لا إراديّاً إلى جدتي، وجلست بجوار الأولاد وبدأت أقرب لهم الإجابة، وهكذا أشغلت نفسي كي لا تشغلني هي وكوابيسها، ومن ثم طلب مني الأطفال أن ألبسهم، ليُعيدوا المسرحيّة التي مثّلوها الأسبوع الماضي من جديد..
وبالفعل ساعدتهم على فعل ذلك، ولكن كان هناك شيء ناقص! جلتُ بنظري على المكان وعلى الأطفال، كانوا يلبسون عباءات أمهاتهم السوداء ومن ثمّ وقعت عينيّ إلى مرآة الغرفة، فإذ بي أرى نفسي ألبس عباءةً سوداء مثلهم وأحمل طفلاً يعانقني ويقول أحبك أمي، ومن ثمَّ بدأ يشد على عنقي حتى كدت أختنق، ولكنَّ الغريب بأنَّ يديَّ لم تتحركا، ولم تحاولا إبعاده حتّى وكأنّني أردت الموت بشدّة ثم سقطت أرضًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.