عندما وجد يعقوب نفسه في مرآب السيارات الخاص بشركته السابقة، أيقن حينها أن إيمانه بقدرة الشيء الذي بين يديه لم يكن وهمًا.
الآن فقط، عليه أن يعرف كيف يستخدمه لمصلحته، أعاد تدويره مرة أخرى، وأخطأ في الأمر عدة مرات، لكن أخيرًا أدخل الخوارزمية الصحيحة في الترتيب وعاد لمنزله.
ولأن ملء الفراغ بكتلة مادية أمر مفاجئ، فإن كثيرًا من الفوضى تحدث عندما ينتقل الشخص آنيًّا، إنها قوة تحيط بجسد المنتقل حالما يهبط في مكانه الجديد.
وقد دفعت هذه الطاقة بأوراقه وكتبه على الأرض، وحينها تراجع نحو أريكته وقال لنفسه: إذن أنت تنتقل لأول مكان يخطر في بالك؟!
رفع المكعب بيده ونظر له وقال: من المجنون الذي اخترعك؟
لكن هذا الأمر بالنسبة له لا يهم الآن؛ لأنه نظر للوح الكتابة الأبيض الموجود على جداره منذ زمن كان فيه يخطط لأمور شركته عليه، ومشى نحوه بثقة، مسح كل الخربشات التي بلا فائدة والتي كتبها عندما كان في حالة انكسار، وسريعًا أمسك قلم الحبر الأحمر وبدأ يكتب أسماء شركائه الذين خانوه بخط كبير، ثم بدأ يخربش أشياء كثيرة تحت كل اسم، مخططًا لشيء عظيم.
ابتعد رويدًا عن اللوح، نظر لكل تلك الكتابات والخطوط، ثم ابتسم ابتسامة نصر مخيفة:
«لقد جرَّبت كل ما حلمت به سابقًا ولم أحصل عليه بسبب المال، مدينة الملاهي المائية، السينما، الأماكن الفارهة، المطاعم ومتاجر الألبسة، ليتني وجدت هذا المكعب منذ زمن طويل. على كل حال، عليَّ العودة للمنزل ببعض الأشياء التي غنمتها، هذا سيسعد ليندا بلا شك».
وكانت سارة تقصد بالغنائم، كل الأشياء التي سرقتها بحجة أن الأغنياء لن يضرهم لو نقص من كثيرهم شيء، لكن ذكرى ضرب إيليا لها لا تُمحى من ذاكرتها، إنها تعود على شكل ومضات من الرؤى المزعجة والأفكار الوسواسية المُقتَحِمة. جزَّت على أسنانها من الغيظ، وكانت تأكل طعامها فوق سطح المبنى، لتنفض يديها بعصبية، وتحضِّر نفسها لتنتقل نحو مصنع الحديد.
فهي تريد أن توجه له ضربة تعيد لها كبرياءها، بثلاث حركات نقلت نفسها من الميناء للمصنع، لكن حالما اقتحم وجودها المكان المادي للمصنع، لم يكن يوجد سوى صوت دوي رجليها على الأسمنت الرطب والمُدَمَّر، لا شيء سوى الركام وغبار الأسمنت الثقيل وأشرطة صفراء وضعتها الشرطة في كل مكان.
نظرت حولها وبقع الدماء في كل مكان، وقالت: ما الذي حصل هنا؟ اللعنة!
خطر في بالها لوهلة أن أخاها قد مات؛ لأنها آخر شيء تتذكره قبل أن يركلها على الدرجات هو حديثه عن معركة مع شخص آخر.
لتعاود التساؤل: هل مات ذلك الوغد حقًّا؟ أنا لم ألحق حتى أن آخذ انتقامي! ثم ماذا عساي أقول لليندا الآن؟! تبًّا يا رجل! من سأسأل عنك الآن؟!
ثم سريعًا تراءت لها صورة آدم أمامها، مع شعور غير مألوف في معدتها وكأن سربًا من الفراشات قد اقتحم جوفها.
ارتجفت لثانية وقالت «لربما عليَّ أن أسأل عن ذلك الشاب آدم كي أعرف ماذا حل بإيليا، لكن أين سأجده؟».
كان يقف مجددًا قرب النافذة في الأعلى والتي تعطيه شعور الفوقية والسلطة ورجاله في الأسفل، في ساحة القصر ينتظرون أوامره، ليأتي آدم من خلفه ويضع يده على كتف إيليا ويقول: زعيم، نحن جاهزون!
ليقول إيليا وفي تعبيره شيء من الانزعاج: أهؤلاء هم كلهم؟
آدم: أربعمائة رجل، ليس عددًا سيئًا، من دون رجال راؤول الذين انضموا لنا لكان العدد مئة وثمانين رجلًا فقط.
أخذ إيليا يقطع الغرفة جيئةً وذهابًا ويداه على وسطه، ورأسه نحو الأرض، لينفث دخان سيجارته، ويرميها على الأرض، لكنه سرعان ما تذكر أنه لا يعيش في أماكن عشوائية بعد الآن، فكلَّف نفسه التقاط السيجارة قبل أن تتلف السجاد على الأرضية وقال: هذا لا يكفي، لكن لا بأس، مع الأسلحة سنصبح جاهزين.
آدم: زعيم... أنت تعلم أنه توجد نسبة مخاطرة كبيرة، نحن نخطو نحو المجهول، نستطيع متى شئنا أن نصبح أسياد كوادروم وبعدها نخطط لما هو أكبر.
ليقترب إيليا من سلاحه الأوتوماتيكي على الأريكة ويلمسه ثم يقول: أستطيع في أي لحظة، جعل كامل كوادروم تركع تحت قدميَّ، لكن... أنا أريد ذلك المجهول الذي تتحدث عنه، لقد انتظرت بما يكفي، لن أنتظر أكثر.
فيضحك آدم ضحكة خافتة مليئة بالسخرية ويقول: يا لك من شخص ممتع يا إيليا، حتمًا سيطهونا أحياءً، لنرَ ما سيحدث.
ثم نظر نحو الشمس في الأفق عبر النافذة.
تعود ليندا للمنزل بعد يوم عمل متعب وطويل، وتتوجه نحو الثلاجة لشرب الماء، لتتفاجأ أن المطبخ مملوء على آخره بكل أصناف الطعام، بل إن الثلاجة قد امتلأت بالمرطبات والحلويات التي لا يشتريها إلا الأغنياء.
وعرفت أن أختها الأصغر لا بد أنها ارتكبت أمرًا مشينًا حتى ملأت المطبخ هكذا.
فسريعًا دخلت عليها غرفتها لتجدها تجلس على سريرها وتحدِّق في الفراغ.
كان في بال ليندا ألف سؤال لتسأله لأختها، لكنه تحوَّل لألف سؤال وواحد بعد أن رأتها شاردة بهذه الطريقة. لتقول ليندا: لا أدري ماذا أسأل أولًا، لكن بدايةً من أين سقط كل هذا الطعام على منزلنا؟
لكن سارة تجيبها بتساؤل آخر وهي في حالة جدية بعيدة عن طبيعتها الساخرة المازحة عندما توبخها أختها: ليندا! ما احتمالية أن يموت إيليا؟
وخزة ألم تصيب قلب ليندا وتنحني لتمسك بركبة سارة وتقول: ما الذي حدث؟!
سارة: حصلت معركة بينه وبين مجرم آخر، لا أدري من انتصر على الثاني، لكن... ما احتمالية أن يموت ذلك الوغد؟
ليندا: ولمَ علينا أن نهتم يا عزيزتي؟ ألم يضربك على الدرج؟ نحن لا نحتاجه، وهذه هي نهايته على كل حال، عاجلاً أم آجلاً.
سارة: أنا لم آخذ انتقامي منه بعد.
ليندا: ألهذا لا تريدينه أن يموت؟
سارة: لا أدري، كنت أتعرض لضرب مبرح من فتيان كثر في طفولتي، لا يعنيني شدة الضربة، بل لأنها كانت من أخي، أعتقد أنه رحل الآن بلا عودة.
ليندا: أنا واثقة أنه بخير، طالما أنه نجى كل تلك السنوات لوحده، فلابد أنه نجى هذه المرة، والآن... ألا تريدين إخباري من أين أحضرتِ كل هذا الطعام؟!
تحاول سارة تغيير الحديث وتقول: أنا جائعة لولو، ما رأيك لو صنعتِ لنا تلك العصيدة اللذيذة التي تعدينها؟ توجد كل المكونات الآن.
فتنهض الأخت الأكبر وتقول: يبدو أنك لن تجيبي على سؤالي، على كل حال، أتمنى ألا تكون مسروقة، أنا لا أريد مجرمًا آخر في عائلتي.
ثم تذهب للمطبخ، لتمسك سارة المكعب بيدها وتهمس: ليندا أنا آسفة.
وبينما تحضر ليندا الطعام في المطبخ، تتوقف برهة وتنظر للقمر الصافي وتقول: إيليا... هل حقًّا أنت ميت؟ أين أنت الآن؟
إلهي أرجوك، احفظ ذلك الفتى الطائش.
يتبع...
أغسطس 21, 2023, 9:17 م
جميل جدا كاعينك الرائعة و الأنامل الذهبية ..تحياتي ❤️
أغسطس 22, 2023, 8:19 ص
أهلاً وسهلاً بك دائماً يا عزيزتي
أغسطس 22, 2023, 8:33 ص
,شكرا لك ❤️
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.