داهمنا السيل في البيت فلا أدري كيف استطعت الخروج أنا وابنتي سالمتين، وكانت مجرد دقائق فقط لأشاهد البيت، وقد غمرته المياه حتى ارتفاع مترين.
ولأن بيتي نصف قبو لذلك دخلت عليه مياه السيل بتلك السرعة، فلم أستطع إنقاذ أي شيء من أغراض البيت مطلقًا، حتى ثيابنا ذهبت مع السيل.
الوضع كارثي بكل معنى الكلمة.. أبعدونا رجال الإنقاذ والدفاع المدني عن المكان حفاظًا على حياتنا، وذهبت إلى بيت قريب لي للمبيت عندهم.
في اليوم التالي، وقفت مذهولة وأنا أرى حاجات بيتي تغرق، لم يسلم من البيت سوى ابنتي وابنتها الصغرى وأنا.
أصابتني حالة من الصدمة والذهول لكنني استجمعت قواي، فمثل هذه الكارثة والمعاناة مررت بمثلها من قبل أثناء نزوحنا من الطيران والقصف فوق رؤوسنا في بلدي الأم سورية.
حين قامت الثورة وكان الطيران يجوب أجواء المدن يقصف ويدمر ولم يوفر لا حجرًا ولا شجرًا ولا بشرًا.
وقد خرجنا وقتها بثيابنا فقط من تحت القصف كما هو حالي اليوم مع السيل، لقد اعتدنا على التشرد والضياع.
احتسبتُ أمري إلى الله ورحت الملم بعض الحاجات والأشياء وكل الأطعمة والمونة التي فسدت.
كنتُ أنظر يمنة ويسرة، فلا أرى إلا الخراب وحاجات بيتي التالفة، مكثت ثلاثة أيام وأنا كل يوم آتي لأتابع أعمال التنظيف وإزالة الطين وآثار السيل.
في منتصف نهار اليوم الثالث بينما أنا منهمكة بالعمل، سمعتُ صوت مواء قط في تلك اللحظة فقط تذكرت قطي (مشمش) ها هو اليوم الثالث من وقوع السيل وقطي مشمش غائب، وأنا من هول الصدمة ما عدتُ تذكرته مطلقًا.
حين خرجنا من البيت يبدو أنه غادر قبلنا، فمعروف عن القطط أنها تكره الماء تخافها بشكل مفزع.
مشمش يموء في الخارج، نظرتُ من الشرفة وإذ به أراه فوق سطح الجيران ينظر تجاه البيت، وفور أن رآني تحرك تجاهي مسرعًا، فقد وجد أهله أخيرًا ألقى بنفسه عليَّ، وراح يتمسح بي فقد افتقدني لثلاثة أيام متتالية.
كنتُ أحدثه كطفل صغير أين كنت يا مشمش، لماذا لم تسأل عنا يا مشمش..
راح يدور حولي يتمسح بي وهو يموء وفي عينيه عتاب كأنما يقول لي لم تركتموني وحيدًا في هذه الأزمة أين ذهبتم عني.
كان ينظر في أرجاء البيت مستغربًا لقد تغيَّر كل شيء فيه.. وضعت يدي على ظهره مسحت عليه ازداد مني قربا تكور على نفسه مستجمعًا جسده، أحسَّ بالأمان وهو يقبع بجانبي ولا يزال يصدر صوت موائه المتعب الحزين لم يلبث إلا لحظات حتى بات يغط في نوم عميق فقد أرهقه التشرد والضياع منذ ثلاثة أيام.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.