قال عبد الصمد كنتُ قد تعاقدت في سفارة المملكة العربية السعودية للعمل كمدرس في مدارس الرياض وهناك حيث إجراءات العقد في السفارة وتجهيز الأوراق وأخذ موعد السفر، لذلك ترددت على السفارة أكثر من مرة، والتقيت مع بعض الزملاء المدرسين المتعاقدين من مختلف محافظات القطر مثلي.
ثمة زميل من مدينة اللاذقية التقيتُ به أكثر من مره سألني هل سافرت في السابق إلى السعودية، قلت: لا.
قال: وأنا أيضًا أول مرة أتعاقد خارج القطر. وأضاف: إذا ما رأيك أن نسافر معًا يؤنس بعضنا بعضًا.
أجبت مُرحبًا وكنتُ سعيدًا بهذا الاقتراح أن أجد رفيق طريق.
فقلت: بكل سرور، قال: وأيضًا لا يهمك فأنا لدي سيارة نسافر براحتنا نحن الاثنين بلا ارتباط مع أحد زاد ذلك من سروري أن هذا الزميل لديه سيارة خاصة.
ودعته على أمل أن ألقاه يوم السفر الذي حددناه، وقال لي حينما تكون جاهزًا اتصل بي لنلتقي في دمشق.
قلت: بإذن الله ودعته وغادر إلى اللاذقية وأنا سافرت لبلدي لترتيب أمور سفري فسوف أترك ورائي زوجتي وابنتي الصغيرة.
غادرت بلدتي والتقينا في دمشق وشددنا رحالنا نحو الأردن فالسعودية. كانت سيارة الزميل قديمة بعض الشيء لكنها قوية ومريحة في السفر دخلنا المملكة الاردنية وقطعنا مدنها المتقاربة، ثم ولجنا المملكة العربية السعودية، وبدا لنا الطريق طويلًا.
كانت وجهتنا الرياض والطريق من عرعر إلى الرياض طريق صحراوي طويل وممل كثبان رملية على طول المدى ولا ترى سوى رمالاً وسماء، عدا الطريق الإسفلتي الأسود الذي يخترق هذه الصحراء الشاسعة كأنه ثعبان أسود يتلوى ملقى في هذه البيداء.
بدا على صاحبي الزميل علائم التعب، إذ صار له أكثر من عشر ساعات وراء المقود بلا توقف.
كان بين الفينة والأخرى يخرج نحو البانكيت قليلاً فتبدأ السيارة ترتجف جراء مرورها فوق المسامير الموضوعة على حافة الطريق لتنبه السائقين.
وينتبه هو أو أنبهه أنا فيعدل المقود قليلاً. قلت له ألا نستريح في إحدى استراحات الطريق وتأخذ قسطًا من الراحة فلا يزال الطريق إلى الرياض بعيدًا وأرى علائم التعب بدت عليك.
لم يمانع وتوقفنا عند إحدى الاستراحات فتناولنا الطعام وشيئًا من الشرابات وبعد قرابة الساعة تابعنا طريقنا نحو الرياض.
دخلنا الرياض مع المساء، فقد غابت الشمس نحو الأفق، وبدأ حلول الظلام وأصوات المآذن تنادي بالمغرب، ولأن الرياض مدينة كبيرة وطرقاتها متشعبة وكثيرة؛ فقلت لصاحبي تريث ولا تسرع لنتثبت من هدفنا لأننا ‘ذا دخلنا في الطريق الخطأ فربما نمضي أكثر من عشرة كيلو متر مجبرين.
قال: هل هذا معقول؟ قلت: ألم ترَ هذا في غيرها من المدن. إلا أن جوابه وقع مثل الصاعقة على أذنيَّ حين قال لي: أنا أصلاً ما كنت أقود سيارة من قبل هذه أول مرة أسافر!
قلت: ماذا.. ماذا تقول؟ قال: أجل والله مثل ما أقوله لك. لقد حصلت على شهادة السواقة منذ شهر فقط ولم أسافر في حياتي بطريق طويل بل إنني لم أقد السيارة إلا لمسافات قصيرة مع أصدقائي في اللاذقية.
صعقتُ وأنا أستمع لما يقول، وعدتُ استرجع سيرته طول الطريق كيف كانت السيارة تمضي بنا نحو البانكيت فأنبهه ليعود ويحرك المقود، إذا صاحبي كان حديث عهد بالسواقة.
قلت: توقف يرعاك الله، والله لو كنت أعلم هذا ما ركبت معك هذا الطريق الطويل ولو ملكتني سيارتك هذه.
قال وهو يضحك: وما الذي جرا لك ها أنت في الرياض سالمًا غانمًا معافى لم يصبك أي أذى.
قلت: كيف لي الآن أن استمر بالركوب معك وقد علمت أنك حديث عهد بالسواقة يا رعاك الله؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.