مرَّ عام كامل... أجل عام كامل منذ أن تيقنت أن للحياة جانب آخر خفيٌّ يحكمه الكره والحقد وسوء النيات، كنتُ أعتقد أن الجميع على خير ولكن اكتشفت شيئًا آخر.
قد تعتقدون أني ساذجة لكوني توسمت الخير والصلاح في الناس، أعي تمامًا أن بعض الأشخاص يغلب عليهم جانب سيئ به الحسد والغيرة وعدم حب الخير للغير، ولكن أن يتطور هذا الجانب لدرجة الإيذاء هذا ما لم يكن في الحسبان مطلقًا!
أذكرُ تمامًا ذلك اليوم، بل بالتحديد تلك الليلة التي ارتديت فيها ثيابًا جديدة وانطلقت بحسن نية لعرس أحد الأقارب، لاحظتُ تلك الغيرة تشتعل في قلوب البعض، ولكن أن تنقلب حياتي ببساطة رأسًا على عقب لمجرد أن بدوت أنيقة بعض الشيء هذا ما لم يكن في الحسبان.
بعدها بفترة ليست بالطويلة بدا كل شيء مختلفًا وغامضًا ولم ألق تفسيرًا لكل ما يحدث حولي، فلا إجابة منطقية أو حتى شافية.
ما أن يسدل الليل ستاره حتى أحسُّ بوحشة غريبة تسربت إلى نفسي، وقلق لا أعرف مصدره حقيقة، ولا أحد يصدق ما أحكيه ويطالبوني بتجاهل الأمر ببساطة، وأن أتجاهل ما أراه، فلربما هي ضغوط نفسية من السهر والمذاكرة وبعض الإرهاق.
ولكن ما أن يغط الجميع في ثبات عميق وأكون وحدي أراجع دروسي وتدقًّ الساعة لتشير بحلول الواحدة، ويبدأ هؤلاء في الظهور، يبدأ ظهورهم بأصوات أشبه بقرع الطبول ثم يتدافعون أمامي وكأنهم في سباق أشكالهم غريبة مرعبة جميعهم أقزام منهم الأسود والأبيض، ويحاولون لفت الانتباه بكل الطرق عن طريق تحريك دمية أو إصدار صوت غامض.
اختفى الخوف من داخلي تمامًا مع تكرر الأمر كل ليلة وإصرار، الجميع قال إني لربما أكذب أو أختلق تلك الأمور، إذا أنا الوحيدة في تلك المعركة مع شيء لا أفهمه، فإما أن أستسلم ببساطة وهذا ليس طبعي أو أن اكتشف المغزى من هذه الفوضى غير المبررة من هذه الأحداث.
اعتدتُ رؤية تلك الأطياف ولم أكترث لما تقوم به فجميعها يربطها التصرفات العشوائية السخيفة، فجميعهم يلقون نظرة ثم ينطلقون إلى المطبخ، كل ما كان يشغلني أن أعرف سبب تواجدهم المفاجئ في المنزل.
وبما أنها حرب وأنا المحارب الوحيد الذي يتصدى للعدو وسط تخاذل الجميع أو عدم اعترافهم بوجود الأمر بصورة حقيقة، لم أجد بدا من أن أخبر الشخص الوحيد المتبقي، فلم أعُد أحتمل هذا التخاذل والتخلي عني في مثل هذا الموقف العصيب.
كنتُ أحسب أن الجميع سند، ولكن تبين العكس تمامًا، وحده جدي ما أن هاتفته وعلم بالأمر انزعج وأتى إليَّ رغم أن الشيخوخة أثقلت خطاه، ولا أنسى أنه صدقني في كل حرف، وأخبرني أن هذا هو الجانب الآخر من البشر بدا في الظهور ليس أكثر، وعلمتُ منه أني أرى هذا لأني ببساطة تحت تأثير سحر تخيل يهدف لأن أفقد عقلي وأصاب بالهذيان.
استجمعتُ شجاعتي، وبالفعل مع التزامي بنصائح جدي والدعاء بدا كل شيء يختفي رويدًا رويدًا، كل الأمور العجيبة التي كنتُ أحسها من زيادة حاسة السمع والبصر بطريقة خارقة إلى معرفة ما يفكر به الآخرين ورؤية الكيانات المختلفة من عوالم خفية.
ولكن بعد اختفاء كل ذلك، وعودتي لحياتي الطبيعية لم يتبقَ سوى تلك الحسرة من مرارة التجربة وتخلي أقرب الأقربين عني، بل وعدم سعيهم لتفسير الأمر أو البحث عن علاج.
كل ما أعرفه أنني لم أكن مريضة، فالمرض النفسي لا يزول من تلقاء نفسه ببساطة، بل لا بد من العلاج لفترة ليست بالقصيرة؛ فالهلاوس السمعية والبصرية من الصعب الشفاء منها، غير أني مندهشة كيف تصل الغيرة ببعض البشر لمثل هذه الطرق المحرمة.
أنا عن نفسي أُعِدُّها تجربة زادتني تديُّنًا وعمقًا، إلا أن من ارتكب الجرم كيف ستطيب نفسه وقد سبَّب الأذى دون وازعٍ من ضمير أو خوف.
كيف يلقى السلام النفسي وقد تسبب لي بكل هذا الإيذاء.
كنتُ تناسيت الأمر ببساطة، وتجاهلت الجميع، واكتفيت بتلك العلاقة السطحية بالجميع، فأنا إلى الآن لم أعرف من تسبب بكل تلك الفوضى ولا دوافعه غير أن نفسي تأبى أن تهب له السماح، غير أن العودة لما دونته في تلك المدة العصيبة أيقظ تلك الأحداث أو بالأحرى أعادها لذهني، وكنتُ تغاضيت عنها ولم يعُد يربطني بالأمر سوى الدعاء كل صلاة على كل من تسول له نفسه أن يؤذي نفسًا أو يسبب لها الشقاء.
دُمتم بكل ود وحب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.