قصة "مرضى النفوس".. قصص قصيرة

مرَّ عام كامل... أجل عام كامل منذ أن تيقنت أن للحياة جانب آخر خفيٌّ يحكمه الكره والحقد وسوء النيات، كنتُ أعتقد أن الجميع على خير ولكن اكتشفت شيئًا آخر.

قد تعتقدون أني ساذجة لكوني توسمت الخير والصلاح في الناس، أعي تمامًا أن بعض الأشخاص يغلب عليهم جانب سيئ به الحسد والغيرة وعدم حب الخير للغير، ولكن أن يتطور هذا الجانب لدرجة الإيذاء هذا ما لم يكن في الحسبان مطلقًا!

أذكرُ تمامًا ذلك اليوم، بل بالتحديد تلك الليلة التي ارتديت فيها ثيابًا جديدة وانطلقت بحسن نية لعرس أحد الأقارب، لاحظتُ تلك الغيرة تشتعل في قلوب البعض، ولكن أن تنقلب حياتي ببساطة رأسًا على عقب لمجرد أن بدوت أنيقة بعض الشيء هذا ما لم يكن في الحسبان.

بعدها بفترة ليست بالطويلة بدا كل شيء مختلفًا وغامضًا ولم ألق تفسيرًا لكل ما يحدث حولي، فلا إجابة منطقية أو حتى شافية.

ما أن يسدل الليل ستاره حتى أحسُّ بوحشة غريبة تسربت إلى نفسي، وقلق لا أعرف مصدره حقيقة،  ولا أحد يصدق ما أحكيه ويطالبوني بتجاهل الأمر ببساطة، وأن أتجاهل ما أراه، فلربما هي ضغوط نفسية من السهر والمذاكرة وبعض الإرهاق.

ولكن ما أن يغط الجميع في ثبات عميق وأكون وحدي أراجع دروسي وتدقًّ الساعة لتشير بحلول الواحدة،  ويبدأ هؤلاء في الظهور، يبدأ ظهورهم بأصوات أشبه بقرع الطبول ثم يتدافعون أمامي وكأنهم في سباق أشكالهم غريبة مرعبة جميعهم أقزام منهم الأسود والأبيض، ويحاولون لفت الانتباه بكل الطرق عن طريق تحريك دمية أو إصدار صوت غامض.

اختفى الخوف من داخلي تمامًا مع تكرر الأمر كل ليلة وإصرار، الجميع قال إني لربما أكذب أو أختلق تلك الأمور، إذا أنا الوحيدة في تلك المعركة مع شيء لا أفهمه، فإما أن أستسلم ببساطة وهذا ليس طبعي أو أن اكتشف المغزى من هذه الفوضى غير المبررة من هذه الأحداث.

اعتدتُ رؤية تلك الأطياف ولم أكترث لما تقوم به فجميعها يربطها التصرفات العشوائية السخيفة، فجميعهم يلقون نظرة ثم ينطلقون إلى المطبخ، كل ما كان يشغلني أن أعرف سبب تواجدهم المفاجئ في المنزل.

وبما أنها حرب وأنا المحارب الوحيد الذي يتصدى للعدو وسط تخاذل الجميع أو عدم اعترافهم بوجود الأمر بصورة حقيقة، لم أجد بدا من أن أخبر الشخص الوحيد المتبقي، فلم أعُد أحتمل هذا التخاذل والتخلي عني في مثل هذا الموقف العصيب.

كنتُ أحسب أن الجميع سند، ولكن تبين العكس تمامًا، وحده جدي ما أن هاتفته وعلم بالأمر انزعج وأتى إليَّ رغم أن الشيخوخة أثقلت خطاه، ولا أنسى أنه صدقني في كل حرف، وأخبرني أن هذا هو الجانب الآخر من البشر بدا في الظهور ليس أكثر، وعلمتُ منه أني أرى هذا لأني ببساطة تحت تأثير سحر تخيل يهدف لأن أفقد عقلي وأصاب بالهذيان.

استجمعتُ شجاعتي، وبالفعل مع التزامي بنصائح جدي والدعاء بدا كل شيء يختفي رويدًا رويدًا، كل الأمور العجيبة التي كنتُ أحسها من زيادة حاسة السمع والبصر بطريقة خارقة إلى معرفة ما يفكر به الآخرين ورؤية الكيانات المختلفة من عوالم خفية.

ولكن بعد اختفاء كل ذلك، وعودتي لحياتي الطبيعية لم يتبقَ سوى تلك الحسرة من مرارة التجربة وتخلي أقرب الأقربين عني، بل وعدم سعيهم لتفسير الأمر أو البحث عن علاج.

كل ما أعرفه أنني لم أكن مريضة، فالمرض النفسي لا يزول من تلقاء نفسه ببساطة، بل لا بد من العلاج لفترة ليست بالقصيرة؛ فالهلاوس السمعية والبصرية من الصعب الشفاء منها، غير أني مندهشة كيف تصل الغيرة ببعض البشر لمثل هذه الطرق المحرمة.

أنا عن نفسي أُعِدُّها تجربة زادتني تديُّنًا وعمقًا، إلا أن من ارتكب الجرم كيف ستطيب نفسه وقد سبَّب الأذى دون وازعٍ من ضمير أو خوف.

كيف يلقى السلام النفسي وقد تسبب لي بكل هذا الإيذاء.

كنتُ تناسيت الأمر ببساطة، وتجاهلت الجميع، واكتفيت بتلك العلاقة السطحية بالجميع، فأنا إلى الآن لم أعرف من تسبب بكل تلك الفوضى ولا دوافعه غير أن نفسي تأبى أن تهب له السماح، غير أن العودة لما دونته في تلك المدة العصيبة أيقظ تلك الأحداث أو بالأحرى أعادها لذهني، وكنتُ تغاضيت عنها ولم يعُد يربطني بالأمر سوى الدعاء كل صلاة على كل من تسول له نفسه أن يؤذي نفسًا أو يسبب لها الشقاء.

دُمتم بكل ود وحب.

درست اللغة الألمانية وآدابها ودرست النقد الأدبي والأدب المقارن ودرست بجامعة Alpert Ludwig بألمانيا.اكتب القصص القصيرة والسيناريو.اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
يونيو 6, 2023, 4:17 م - مالك عثمان الحسن ساتي
يونيو 6, 2023, 8:35 ص - فادي الحلاق
يونيو 4, 2023, 1:50 م - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 31, 2023, 5:21 م - سلطان الوادعي
مايو 31, 2023, 4:33 م - ياسر إسماعيل منيسي
مايو 30, 2023, 2:20 م - إبراهيم عبد المجيد
مايو 30, 2023, 1:34 م - د . محمد جمعة أحمد
مايو 30, 2023, 11:36 ص - نسيم سعد الدين
مايو 29, 2023, 9:47 ص - عوض شرار
مايو 28, 2023, 12:20 م - خوله كامل عبدالله الكردي
مايو 27, 2023, 6:06 م - هند مهير سالم
مايو 27, 2023, 1:26 م - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 27, 2023, 11:50 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 26, 2023, 8:02 م - نيفين عوض الله دميان
مايو 25, 2023, 7:54 م - احمد رجب دويدار
مايو 25, 2023, 11:51 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
مايو 24, 2023, 10:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 24, 2023, 7:57 ص - احمد ايت علال
مايو 23, 2023, 12:40 م - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 22, 2023, 8:09 م - نورالدين محمود مزهر
مايو 22, 2023, 2:58 م - مدبولي ماهر مدبولي
مايو 22, 2023, 11:31 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 22, 2023, 8:17 ص - حسام طرميز
مايو 21, 2023, 3:43 م - وفاءعبدالمعبود
مايو 21, 2023, 3:34 م - ايمن عبد المنعم محمد موسي
مايو 21, 2023, 10:32 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 21, 2023, 9:14 ص - اسامه م السليمان
مايو 20, 2023, 10:26 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 19, 2023, 8:57 م - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 19, 2023, 3:51 م - هدى أحمد داود
مايو 19, 2023, 3:36 م - أحمد نصر الدين أحمد
مايو 19, 2023, 1:20 م - محمد عبد القادر نوفل
مايو 18, 2023, 7:24 ص - وفاءعبدالمعبود
مايو 17, 2023, 6:17 م - عايدة عمار فرحات
مايو 17, 2023, 11:47 ص - محمد إبهاب الأزهري
مايو 16, 2023, 9:30 ص - سارة الانصاري
مايو 15, 2023, 8:56 ص - وفاءعبدالمعبود
مايو 14, 2023, 2:12 م - عبدالحليم عبدالرحمن
مايو 14, 2023, 9:27 ص - آية فرج زيتون
مايو 14, 2023, 8:51 ص - Marian naiem azmy
مايو 13, 2023, 3:39 م - طارق عبد الحليل الصافي
مايو 13, 2023, 11:43 ص - طارق عبد الحليل الصافي
مايو 12, 2023, 11:30 ص - أسماء السيد خشبة
مايو 12, 2023, 10:58 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 11, 2023, 1:09 م - آية فرج زيتون
مايو 11, 2023, 12:49 م - وفاءعبدالمعبود
مايو 11, 2023, 11:31 ص - مارو صلاح صلاح
مايو 11, 2023, 9:21 ص - آية فرج زيتون
مايو 10, 2023, 8:16 م - أسماء السيد خشبة
مايو 10, 2023, 3:58 م - عذراء الليل
مايو 10, 2023, 2:53 م - سداد طالب البغدادي
مايو 10, 2023, 9:43 ص - حقي اسماعيل سلطان
مايو 10, 2023, 7:16 ص - مصطفى جاد ابو العز
مايو 9, 2023, 7:42 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 9, 2023, 5:12 م - سداد طالب البغدادي
مايو 9, 2023, 3:28 م - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 8, 2023, 4:41 م - أسماء السيد خشبة
مايو 8, 2023, 2:38 م - خوله كامل عبدالله الكردي
مايو 8, 2023, 2:28 م - وفاءعبدالمعبود
مايو 8, 2023, 9:07 ص - مصطفى جاد ابو العز
مايو 8, 2023, 8:39 ص - محمد عبد القادر نوفل
مايو 8, 2023, 6:41 ص - عبدالرحمان ازيض
مايو 7, 2023, 2:57 م - حقي اسماعيل سلطان
مايو 7, 2023, 2:51 م - مجانة يمينة
مايو 7, 2023, 12:07 م - أسماء السيد خشبة
مايو 7, 2023, 10:59 ص - مرهف رياض الحلبي
مايو 7, 2023, 9:13 ص - اسماعيل على لطفي محمد
مايو 7, 2023, 9:07 ص - آية فرج زيتون
مايو 6, 2023, 8:24 م - زبيدة محمد علي شعب
مايو 6, 2023, 5:13 م - اسماعيل على لطفي محمد
مايو 6, 2023, 3:20 م - حقي اسماعيل سلطان
مايو 5, 2023, 9:50 ص - اسماعيل على لطفي محمد
مايو 5, 2023, 8:16 ص - آية فرج زيتون
مايو 4, 2023, 1:41 م - عبدالرحمان ازيض
مايو 3, 2023, 2:54 م - ياسر إسماعيل منيسي
نبذة عن الكاتب

درست اللغة الألمانية وآدابها ودرست النقد الأدبي والأدب المقارن ودرست بجامعة Alpert Ludwig بألمانيا.اكتب القصص القصيرة والسيناريو.اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط