قصة "مذاق الخبز المحروق".. قصص قصيرة

قد تذهب لتناول الطعام عند بعض أهالي قريتنا البائسة، الذين يجدون صعوبة في توفير قليل من المال لتحضير وجبة من الوجبات الشعبية التي قد ترهق ميزانيتهم الهزيلة، ودائمًا يدعونك بلطف أن تلبي دعوتهم ولو مرة لتناول الطعام البسيط، حتى تجبر خاطرهم ويشعر أبناؤهم أن لهم سندًا معنويًّا قادرًا على الاستجابة ويدخل بيتهم المتواضع.



وأنت متردد حتى لا ترهقهم ماديًّا، لكن أمام إصرارهم قررت تلبية الدعوة وأبلغتهم بالموعد، وبدأت الاستعدادات على قدم وساق، وعندما اقتربت أقدامك إلى باب المنزل كان أهل البيت يتهيؤون لهذه الزيارة المرتقبة التي كانت حلمًا من الأحلام.

رب الأسرة البسيطة كان قد رتب البيت من الداخل وقد اقترض من الجيران الأطباق والمفارش وغيرها من الأشياء التي يمكن أن يحصل عليها من جيرانه حتى يصبح في صورة أجمل.

بعد يوم طويل من العمل وتجهيز الوليمة سخنت الزوجة الخبز ولكن النار لسعته بدرجة واضحة، ولكن الفرن كان بعيدًا وكان من الصعب عليهم الحصول على أرغفة واستبدال الأرز بها، إلا أن الضيف كان لا يأكل إلا الخبز، ويعتقد أن تناول الأرز يضيف له سعرات حرارية مضاعفة وهو يحافظ على وزنه.

أصبحت ربة البيت أمام مشكلة، وعلى زوجها أن يبلغ ضيفه ويشرح له الأزمة ويعتذر له لعله يتقبل الاعتذار دون أن يبدي امتعاضه أو يتأفف منهم، هم الذين كانوا يحلمون بوجوده بينهم لكن العجلة جعلتهم يلسعون أرغفة الخبز، ويطلبون منه ألا يخذلهم لأنهم في موقف صعب.

ابتسم الضيف وقال: لا بأس، إنه سعيد جدًا بوجوده بينهم في هذه الأجواء الدافئة بالمشاعر الطيبة التي يفتقدها، على الرغم من أنه في كل يوم يأكل في مطعم الفندق المجاور لعمله ويتناول بصفة يومية روتينية -كما يقال- أكل مطاعم.

ثم مد يده إلى قطعة الخبز وابتسم قائلًا: لا بد أن تقبل الواقع بصدر رحب، حتى إذا لم يتسع صدره لنا لكنه في الأقل يتسع لكثير من الناس، علينا أن تكون لدينا مساحة واسعة من الهدوء النفسي حتى لا تتسع بنا الأزمات؛ لأننا إذا تأففنا من كل شيء حولنا لحق بنا نوع من الهموم التي نحاول الهروب منها.

ثم استطرد قائلًا بكل سرور: أنا أتناول الطعام معكم وأرجو أن تتكرر دعوتكم لي حتى لو كانت دون طعام، لأنني أفتقد الدفء الذي تعيشون فيه، صحيح أنا أتناول كما تقولون ما لذ وطاب من الطعام لكن التذوق لحظة مثل وميض الكاميرا، وبعدها أبقي بين جدران شقتي وحيدًا، ساعة أجلس أمام الكمبيوتر وأتابع الأخبار، أو أجلس أمام شاشة التلفزيون، أو أسمع موسيقى هادئة، لعل أعصابي المرهقة تمتص لمسات ريشة العود وتأخذ الهدوء.

وأعتقد أن الجميع يعتقد أنني أعيش في أجواء ألف ليلة وليلة، أعيش في هدوء وسكينة، وهم لا يدرون ألم الوحدة، فقد فشلت في كل شيء في حياتي على الرغم من أنني نجم كبير في سماء العمل والتخطيط، ومع ذلك خسرت أجمل صورة من صور الحياة، خسرت مشاعري التي باتت معلقة تبحث عمن يقدم لها الدواء حتى لو مع رغيف محروق، وبعض حصوات الملح، وكوز ماء.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة